"احترس على بعد 200 متر كمين لصوص".. أصبحنا نسمع هذه الجملة كثيراً فى الأونة الأخيرة، بعد هذا الانتشار المفزع لكمائن اللصوص وقطاع الطرق الذين لم يكتفوا بالأماكن النائية والبعيدة وإنما زحفوا إلى العمران أيضاً ووسط المناطق والأحياء الراقية، وأصبح ضحاياهم السيدات والرجال المواطن وضابط الشرطة على حدٍ سواء، فالكل سواسية أمام "اللص"، الذى يجد متعته فى تنفيذ جريمته وسط وضوح النهار وعلى أفراد الشرطة أنفهسم.
انتشرت كمائن اللصوص فى قلب القاهرة الكبرى مؤخراً بصورة مفزعة وأصبح الكل معرض لـ"التثبيت" وسرقة جميع ما يحمل من أموال وهواتف محمولة وفيزا كارت، ومجوهرات لو كانت الضحية سيدة، وانتشرت خريطة كمائن اللصوص لتغطى القاهرة بضواحيها وأصبحت معلومة للجهاز الأمنى بالداخلية الذى يخرج بين الحين والآخر للإعلان عن ضربة جديدة وكشف مجموعات إرهابية كانت تعقد العزم على ارتكاب جرائم تخريبية فى البلاد، لكن فى نفس الوقت عجز هذا الجهاز نفسه عن وقف عمليات السرقات بالإكراه والسطو المسلح على المواطنين التى تقع بين الدقيقة والآخرى فى جميع شوارع مصر، وأطلق العنان للصوص يفعلون ما يشاءون.
خريطة الأكمنة الثابتة والمتحركة للصوص بالقاهرة الكبرى كانت فى بداية الأمر مقتصرة على الأماكن النائية والطرق السريعة فى مدينة السادس من أكتوبر، وعلى طريق الواحات والكريمات وبالدائرى وطريقى مصر الإسماعيلية ومصر إسكندرية الصحراويين، بالإضافة إلى مناطق التجمع والقاهرة الجديدة والتجمع ومدينة الشروق وبدر.
وفى ظل اختفاء أكمنة الشرطة من شوارع القاهرة الكبرى المكتظة بالسكان والأحياء الراقية، بدأت أكمنة اللصوص وقطاع الطرق تزحف إلى هذه الأماكن بعدما ترك رجال الأمن الساحة خالية لهم، ومن ثم انتشرت أكمنة اللصوص فى جميع ربوع القاهرة والجيزة دون استثناء حتى اقتربت من أقسام الشرطة نفسها أصبحت الجرائم ترتكب على بعد أمتار من هذه المبانى الأمنية.
أشهر الأكمنة المعروفة للمواطنين، والتى نصبها اللصوص بالقاهرة فى منطقة روكسى بمصر الجديدة، وميدان المطرية وعلى بعد أمتار من بوابات مترو الانفاق بالمرج، وفى محيط ميدان التحرير تتزاحم أكمنة اللصوص، وبعد نزلة أبو الفدا بالزمالك، وبميدان حدائق القبة على بعد أمتار من القصر الجمهورى، وبمخارج ومداخل منطقة العتبة وخلف دار القضاء العالى بوسط البلد، ناهيك عن الأكمنة المنتشرة فى الأماكن الشعبية.
كما انتشرت أكمنة اللصوص فى الجيزة بصورة مفزعة خاصة بمنطقة فيصل التى يوجد بها 3 أكمنة للصوص، يمارسون عملهم فى وضوح النهار، بالإضافة إلى الأكمنة القريبة من جامعة القاهرة وحديقة الحيوان، وكمين بالقرب من هرم سيتى بمدينة السادس من أكتوبر، وأكمنة بشارع السودان ونهاية جامعة الدول العربية، وأكمنة أسفل كوبرى ميدان لبنان.
"مطواة" لا يتخطى ثمنها الـ 15 جنيهاً، تجلب على صاحبها آلاف الجنيهات، عندما يشهرها فى وجه الضحية ويطلب منها أن تبرز ما معها من أموال ومتعلقات شخصية، بينما يقف باقى أعضاء الكمين على شكل دائرة حول الضحية ويؤمنون رئيسهم فى الكمين حتى ينتهى من أداء مهمته كاملة والاستيلاء على جميع تحمله الضحية، ثم يفرون بالهرب غالباً عن طريق دراجات بخارية لا تحمل أى لوحات معدنية، سمح لهم ضباط المرور باستخدامها بعدما تكاسلوا عن شن حملات على هذه الدراجات البخارية التى يرتكب بها أشنع الجرائم.
عدد أفراد الكمين فى الغالب لا يزيد على 5 أشخاص، حيث إن "الموضوع بسيط" ولا يتطلب أكثر من دقائق معدودة، كما أن المواطن المصرى بطبيعته مسالم ويتعاون مع اللص لأقصى درجة ولا يلجأ للمقاومة فيخرج ما معه بهدوء ويعطيه للص وابتسامة عريضة مرسومة على وجهه لما وصلت إليه البلاد من أسوأ حالات الانفلات الأمنى، وربما يتجه إلى منزله مباشرة فى هدوء أيضاً ولا يلجأ للشرطة لأنه فقد الأمل فيها منذ يوم 28 يناير 2011.
أفراد كمين اللصوص لا يعمل بصورة عشوائية وإنما لكل شخص منهم مهام يقوم بها ولا يتعدى واحد منهم على دور الآخر، فهناك رئيس الكمين، ويطلقون عليه رئيس مباحث الكمين، وشخصان معاونان، مثل معاون المباحث تماماً، وربما يقوم أحدهما بدوره فى حالة تغيب الرئيس لأى ظرف طارئ أو القبض عليه "لا سامح الله"، وهناك فردين مهمتهما اختيار الضحية، حيث إن عملية الـ"تثبيت" لا تكون عشوائية وإنما يقع اختيار المجنى عليه بناءً على موافقة من هذين الشخصين، حيث إن لهما نظرات فى المواطنين يحددان من خلالها من لديه أموالاً ومتعلقات أكثر أهمية دون غيره، وعند إعطاء الإشارة يتحرك أفراد الكمين حوله وينفذون جريمتهم.
وهناك أكمنة متخصصة فى "تثبيت" ضباط الشرطة أنفسهم لكسر أعينهم وهيبتهم، كان آخرها سرقة سيارة نقيب شرطة بمنطقة هرم سيتى بأكتوبر وهاتفه المحمول أمام سيدة كانت برفقته تحت تهديد السلاح، وذلك بعد يوم وأحد من الاستيلاء على سيارة مفتش شرطة بنفس الكمين، وسبقها بيومين حادث مساعد الوزير بمدينة نصر.
أصبح ينضم إلى هذه المجموعات عدد كبير من هؤلاء الشباب الذين يجدون فرص عمل، حيث يمنحهم القائمون على هذه الأكمنة شهادة التخرج والتعين فور ارتكابهم أول واقعة سرقة بالإكراه، ويحصلون على آلاف الجنيهات فى اليوم الواحد، حتى انضم إليهم آلاف الشباب العاطلين، الذين لم يتركبوا جرائم قط قبل ذلك، وبات هؤلاء الخارجون عن القانون لديهم قوى عاملة تساعد على حل أزمة البطالة.
ويقول اللواء فاروق المقرحى الخبير الأمنى، إن هيبة الشرطة ضاعت فظهرت هذه الأكمنة للصوص، وأن السبب فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين التى اقتحمت السجون فى جمعة الغضب وأخرجت السجناء، الذين ساعدوا على ظهور عمليات الانفلات الأمنى، لافتاً إلى أن الفقر والبطالة والارتفاع الجنونى للأسعار أدى إلى ظهور هذه المجموعات فى الشوارع بصورة مفزعة، مضيفاً أن هناك أسلحة مهربة من ليبيا والسودان، بالإضافة إلى الأسلحة الميرى المسروقة من أقسام الشرطة ساعدت الخارجين عن القانون فى تنفيذ جرائهم.
وأشار المقرحى إلى اللصوص الذين يرتكبون هذه الجرائم ثلاثة أنواع، الأول الذى تعرفه الشرطة لأنه مسجل لديها، والثانى من كان "يشاور عقله" بالانصياع فى هذا الطريق من عدمه، والنوع الثالث متهمون جدد، لافتا إلى أن خروج الشرطة من المعادلة أدى إلى ارتكاب هذه العناصر الثلاثة أفظع الجرائم، مشدداً على ضرورة تقسيم الجمهورية إلى مناطق وتحديد البؤر الإجرامية والقضاء عليها مثلما حدث فى السبعينيات عندما داهمت قوات الأمن "عزبة عثمان" فى شبرا الخيمة وبعض البؤر الاجرامية فى المحافظات وتولى ذلك مصلحة الامن العام بالتنسيق مع الامن المركزى دون الرجوع إلى مديريات.
ننشر خريطة أكمنة اللصوص لارتكاب جرائم السرقات بالإكراه بشوارع القاهرة والجيزة.. الكمين يتكون من 5 "رئيس ومعاونان وجامعا التحريات".. وأداة الجريمة مطواة بـ15 جنيهاً لكنها تجلب لصاحبها آلاف الجنيهات
الثلاثاء، 14 مايو 2013 05:38 ص