تشعر أن هناك عداءً بين الناقد والفنان فهذا متربص بذاك وذاك "قارش ملحة" هذا! والعلاقة بينهما متوترة وواقفين لبعض على غلطة والمفروض أن تكون العلاقة فى إطار من الفهم المتبادل وأن يكون هناك توجيه من الناقد واستجابة من الفنان لتصحيح أخطائه والعمل على التقدم فى مهنته، وذلك دون تجريح أو تطاول وتحضرنى قصة جميلة حدثت بين الصحفى اللامع محمد التابعى والممثل الكبير يوسف وهبى رحمهما الله فقد، دأب التابعى على ملاحقة يوسف وهبى فى "روز اليوسف" وكان التابعى يوقع حيناً باسمه وحيناً باسم "حُندس" وهو الاسم الذى بدأ به حياته السياسية عندما كان موظفًا بمجلس النواب وكان التابعى يسخر من يوسف وهبى وهو فى ذروة فنه وشهرته المسرحية والتابعى هو الذى أطلق على يوسف وهبى لقب "مبعوث العناية الإلهية لإنقاص فن التمثيل" وكان يستخدمه من قبيل التهكم والسخرية على فنان الشعب، وحاول الفنان الكبير أن يقنع السيدة روز اليوسف بأن تمنع التابعى من الكتابة عنه ولكنها رفضت بكل إصرار مشيرة عليه بأن يرد أو يلجأ للمحاكم!
ودارت الأيام على رأى الست أم كلثوم وجاءت وزارة صدقى باشا واعتقل التابعى فى قضية من قضايا الرأى وصدر الأمر بالإفراج عن التابعى بكفالة قدرها عشرون جنيهاً وهو مبلغ كبير جداً فى ذلك الوقت، وكانت البلاد فى ضائقة اقتصادية كبيرة وكان هذا المبلغ قمة التعجيز وقتها بالنسبة لصحفى ولصحيفة ولم يكن بالمجلة إلا جنيه واحد!
وكان واضحاً من الكفالة بأنها ذريعة لحبس التابعى بأسلوب قانونى وسلم التابعى أمره إلى الله واستعد للحبس وأرسل فى طلب أشياء تخصه من بيته، وبينما هذه الأشياء فى طريقها إليه مع شقيقه.. إذ بالكفالة تسدد فى خزانة النيابة وتم الإفراج عنه وخرج سعيدا منتشياً بعبير الحرية وذهب إلى روز اليوسف يشكرها على هذا العمل ولكنها قالت له فى دهشة: ولكنى لم أدفع شيئاً ولو كنت أملك المبلغ ما ضننت به منذ البداية! وتعجب التابعى وحار فى أمر ذلك المجهول الذى دفع له الكفالة الباهظة وفى خزانة النيابة عرف أن الذى دفعها هو _ ياللهول _ يوسف وهبى شخصياً.
لم تحل الخصومة بينهما دون أن يقدم يوسف وهبى على هذا العمل النبيل ولما راجعه شقيقه فى ذلك، قال إنه يستفيد من نقد التابعى مهما يكن مؤلماً وأن الفروسية تحول دون أن يشمت فيه أو يتخلى عنه.
ونشر التابعى القصة وقال: إنه واثق من أن يوسف وهبى لم يقصد بذلك أن يشتريه فقلمه ليس معروضًا للبيع والدليل أنه لن يكف عن انتقاد يوسف وهبى!
يا سلام على الجمال فى هذه القصة فهى تؤكد عظمة كل من الراحلين وسموهما وبعدهما عن الحقد والضغينة وأن الفنان يستفيد فعلاً من النقد إذا كان بناءً، وأن الناقد الحق لا يستطيع أحد مهما علا شأنه أن يشترى قلمه ولو بكنوز الدنيا التى هى كما نعلم مسرح كبير!!
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ناجي علي الوهبي شيخ البلاد والعباد
شوهتوا سمعة قبلتنا