وفاء التلاوى تكتب: الصوفية بين زمنين

الإثنين، 13 مايو 2013 02:38 م
وفاء التلاوى تكتب: الصوفية بين زمنين صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ولدت الصوفية على يد أولياء الله الصالحين الذين لا يعبدون الله خوفا من ناره أو طمعا فى جنته ولكن حبهم لله هو حبا صافيا منزه عن كل غرض، لا يبتغون من ورائه شيئا سوى حب الله والتقرب إليه، وهم من أطلق عليهم الزهاد المتصوفين الصادقين فى عبادتهم لله، يطيعون الله ويعبدونه حق العبادة، وقد بدأت الصوفية على يد ذا النون المصرى (ثوبان بن إبراهيم) والذى قال: (إن لله عبادا تركوا المعصية استحياءً منه بعد أن كانوا تركوها خشية منه؛ أفما وقد أنذرك)، وقال أيضا: (ألا إن حب الله عز وأمل.. وحب غير الله خزى وخجل).

ويقال إن سبب تسميتهم بالصوفية راجع إلى أنهم كانوا يرتدون الصوف الخشن زهدا منهم فى متع الحياة فلا يلبسون الحرير الذى يدل على الطرف والغني، ويقال أيضا إنهم سموا بذلك لصفاء أنفسهم ونقائها وهم الصفوة عند الله ولذلك سموا بالصوفيين، والآراء كثيرة فى ذلك، والصوفى الحق يداوم على ذكر الله واستحضار رقابته فى السر والعلن وهذا ما يجعله لا يقع فى المعاصى إلا نادرا، إذ كيف يعصى المولى وهو يوقن بمعيته وكمال مراقبته له؟ فمن أتخذه الله وليا علَمه ومن علَمه الله بدون معلم فهو من كُمل الأولياء والعلم الممنوح (بحر لا ساحل له)، قال تعالى (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) آية 5 سورة العلق.

فكل معلومة فى رأس إنس أو جان أو ملك أو شيطان وسائر المخلوقات الله مانحها وهو يعلمها قالت الملائكة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ( (32) سورة البقرة.

والتصوف الذى يقره الإسلام هو ما وافق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومنهاجه هو صدق العبودية لله عز وجل وأداء ما فرضه الله، والإكثار من النوافل ورأس نوافل العبادات ذكر الله عز وجل، وصدق المراقبة له، هذا هو التصوف الإسلامى الذى يقره أئمة المسلمين فى كل زمان ومكان ومن بينهم شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكننا نجد أن بعض المتصوفين غير الصادقين فى زماننا هذا قد تحول معنى التصوف عندهم من عبادة خالصة وصافية ومنزهة عن كل غرض إلى عبادة بغرض وهدف أو أغراض دنيوية كالطعام أو المسكن أو غيره، ونجد أيضا الكثير من العادات الذميمة التى ينتقدها البعض ولا يحبونها، وإنما يأتى هذا كله بسبب أدعياء التصوف، الذين لم يتتلمذوا على يد شيخ فاضل يحسن تربيتهم وتهذيبهم وتعليمهم، فأساءوا إلى غيرهم من المتصوفين الحقيقيين.

ومن ضمن ما أخذوه فى الماضى على الصوفية أنهم كانوا يقللون مطعمهم فكان منهم من يبقى أيام لا يأكل حتى أن تضعف قوته، وفيهم من يتناول كل يوم الشىء اليسير الذى لا يقيم البدن، ذلك أن المزموم من الأكل إنما هو فرط الشبع، وأحسن الآداب فى الطعام آداب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال: "مَا مَلَأَ آدَمِى وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لقيمات يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَابد فاعلا فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". رواه الترمذى وصححه الألبانى وفى ذلك خير لنا من الناحية الصحية ومن الناحية الروحية، فغذاء الجسد الطعام، وغذاء الروح العبادة، فمن أكثر من العبادات بالنوافل قويت روحه حتى تستطيع أن تحمل جسده وتطير به وعندها لا يحتاج مثل هذا العابد إلى الكثير من الطعام ويكفيه القليل منه وقد أشار الله تعالى لذلك العابد الذى عنده علم من الكتاب فى قوله (قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) {النمل: 40}) فقد حمل عرش بلقيس وجاء به من اليمن إلى مدينة القدس فى غمضة عين.

وهذه هى الكرامات التى يتحدث بها الناس عن هؤلاء، ومدى تأثيرها فى الناس ولعلنا نلاحظ اختفائها فى عصرنا هذا وحتى أن حدثت فلا يؤمنون بها ولا يعترفون بها.

ومما أخذوه على السادة الصوفية أيضا فى الماضى لبس الصوف الخشن المهلهل والمرقع من الثياب ولا يخيطونه مستدلين بأن النبى عليه الصلاة والسلام كان يرقع ثوبه وأنه قال لعائشة رضى الله عنها "لا تخلعى ثوبا حتى ترقعيه" وأن عمر بن الخطاب كان فى ثوبه رقاع أما صوفية زماننا هذا (غير الصادقين) فيعمدون إلى ثوبين أو ثلاثة كل واحد منها على لون فيجعلوها خرقاء ويلفقونها فيجمع هذا الثوب بين الشهرة والشهوة فإن لبس مثل هذه المرقعات أشهى وأفضل عند كثير من هؤلاء الناس من لبس الحرير وبها يشتهر صاحبها بأنه من الزهاد ولأغراض فى نفسه الله يعلمها، ونجد أيضا مما أخذه البعض على من يدعون التصوف ذمهم للعلماء واحتقارهم إياهم، ولو عرفوا مرتبة العلماء فى حفظ الشريعة وأنها مرتبة تلى الأنبياء ما فعلوا ذلك قال الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه (والله لإن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) فهم يقولون المقصود العمل، ولكن الصوفية الصادقين لا يذمون عالما يعمل بعلمه أبدا وإنما يذمون العالم الذى لا يعمل بعلمه، وقد قال الله تعالى وهو يصف العالم الذى لا يعمل بعلمه (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) 44 سورة البقرة.

وأكثر ما يأخذونه عليهم فى عصرنا الحالى، كثرة التمايل والرقص فى حلقات الذكر والطبل وغيره والتمايل الذى يغضب الكثير، وأعتقد بأنها قد تكون لحظات تجلى وخشوع لعظم اسم الله فعندما يذكرون اسم الله كثيرا ويقولون "الله الله الله" يجدون أنفسهم بدون قصد يتمايلون من شدة تأثرهم باسم الله ومعرفتهم لعظم قدره فيتمايلون بحركات معينة غير مقصودة وهذه طريقتهم للتعبير عن مدى حبهم وخشوعهم وإخلاصهم لله.

وقد نختلف معهم أو نتفق ولكن لكل منا طريقته فى التعبير عن حبه وإخلاصه لله، ويا ليتنا جميعا نعبر عن مشاعرنا وإخلاصنا وعبوديتنا لله بطريقة صحيحة توصلنا لحب الله وتقربنا منه، وعلينا المحافظة على أداء العبادات كالصلاة والصوم وأداء الزكاة وغيرها من العبادات التى تقربنا من الله العلى العظيم، لعل الله يتقبل أعمالنا ونكون من عباده المخلصين وممن إذا دعوا الله استجاب لهم (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) 62 سورة النمل.

أما أهل الصدق من الصوفية فهم أهل التأسى برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد ماتت نفوسهم عن الشهوات بحفظ الله لهم عنها، والأولياء لهم من الله الحفظ وهو عدم الوقوع فى المعصية مع جواز الوقوع فيها فالحفظ أو دون ذلك، فلعصمة للأنبياء فقط من عدم الوقوع فى المعصية، فهم يرتدون المرقع من الثياب إنما يكون ذلك لإعراضهم عن الدنيا زهدا فيها وعدم رغبة فى متعها فهم يعلمون أنها متع زائلة، أو يلبسون هذه الثياب بسبب الفقر فهم يعيشون فى حدود ما رزقهم الله من رزق، وإن كان يوجد من أدعياء التصوف من يفعل ذلك الآن للشهرة والتكسب أيضا والأدعياء كثيرون، فهم بعملهم هذا يشوشون على كثير من الناس، فيرمى الصوفيين الصادقين بما يفعله أدعياء التصوف، فإن لله فى عباده شئون يصطفى منهم من يشاء ويرفع منهم من يشاء درجات ويقربهم إليه، اللهم اجعلنا من عبادك الأوفياء الصادقين المخلصين فى حبهم وعبادتهم لك.

فالطريق للصوفية الصحيحة الخالصة لله طويل وشاق، ولكنه مرصع بالياقوت والمرجان والرياحين وبرضا الرحمن، فهل نجد من يعيننا للوصول إليه، ونتذوق حلاوته ونتعرف على أسراره وبحاره ونتعمق فيها؟ ونتقرب إلى الله أكثر وأكثر حتى نكون من أولياء الله الصالحين.

فليعيننا الله للوصول إليه والفوز برضاه ونكون من الصفوة الذين اختارهم لنفسه ويعلمهم من فضله، ونكون من محبيه وننعم بالقرب منه عبادا اشتاقوا إلى رؤية الله، فتقربوا بصالح الأعمال فتقرب الله منهم بإيجاب الدعاء.









مشاركة




التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

سحر الصيدلي

جعلها الله بميزان حسناتك

عدد الردود 0

بواسطة:

وفاء احمد التلاوي

شكر وتقدير

عدد الردود 0

بواسطة:

السلطان حسن

رؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤعة

عدد الردود 0

بواسطة:

وفاء احمد التلاوي

شكر وتقدير لصاحب التعليق الثالث

عدد الردود 0

بواسطة:

إسماعيل صباح

بارك الله فيك

عدد الردود 0

بواسطة:

وفاء احمد التلاوي

شكر وتقدير لصاحب التعليق الخامس

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة