قلنا عشرات المرات، إن جماعة الإخوان المتأسلمين لديهم اعتقاد راسخ يصدر عنهم بقصد وغير قصد بالوعى وبغير الوعى يقضى برفض الاختلاف، أيا كان نوعه وأثره ومصدره، كما لا يسمح بقبول أى شكل من أشكال الديمقراطية وقبول الآخر والتسامح.
والجماعة حريصة على تأكيد ذلك كل يوم وكل ساعة، وأحدث تجلياتها الحمقاء ظهرت على يد ولسان وزير الثقافة الجديد الذى تتجلى قدراته الديكتاتورية العمياء فى العديد من القرارات، ومنها قراره بإقالة الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، ليس لخطأ وقع فيه أو لخسارة فادحة تسبب فيها أو لتوقف العمل بالهيئة لشهور، ولكن لأن الرجل أبدى عدم اقتناعه بالقرار الديكتاتورى الإخوانى رقم واحد بعد حلفه اليمين مباشرة بتغيير اسم مكتبة الأسرة ذى السنوات العشرين، وبعد نجاح غير مسبوق فى خدمة الثقافة المصرية بأن يصبح اسمها مكتبة الثورة المصرية، ذلك القرار الذى يمثل قمة النفاق الفج معتقدا من فرط السذاجة أن هذا القرار ربما يحقق له جماهيرية عند رجل الشارع المؤيد للثورة، أما قراره بعزل الناشط الثقافى الذى طور هيئة الكتاب وجدد إخراج الكتاب، بعد أن كان رديئا وعاجزا لسنوات طويلة عن المنافسة فى سوق الكتاب المصرى والعربى، فيأتى لأن الدكتور مجاهد يرفض الوصاية ويرفض القهر وفرض الآراء دون دراسة أو مشورة أو قراءة المشهد واستبيان رؤى الأطراف الفاعلة.
وإذا مددنا الخط على استقامته فإن هذا يعنى بدء مشروع لمذبحة كبيرة للثقافة المصرية وهى درة التاج على جبين التاريخ المصرى، وهى صانعة المكانة المميزة للشعب المصرى على مدى آلاف السنين، استيقظوا إذن أيها المثقفون، وأفيقوا أيها المفكرون والفنانون والأدباء، فقد أوشكت الحرب الحقيقية على الاندلاع بل اندلعت بالفعل، وها هو الطوفان بدأ، وما كنتم تخشونه حدث.. فاخرجوا من أبراجكم العاجية وجابهوا البرابرة بكل حزم وحدة ووضوح، ولا تأخذكم الغفلة.
فالموقف الذى يحاصر الجميع الآن ليس موقفا عارضا ولا هو مجرد حماسة من الغربال الجديد، ولكنها قناعة وسياسة مبيتة من قديم، وتربص ملؤه الحقد والضغينة إزاء كل فن ينطلق من الحرية، وكل فكر يبحث عن المصير والعقل والوجود الحق وكل أدب يكشف المسكوت عنه ويعبر عن الأحوال المخفية وراء الأستار، وتحت الأرضين اليوم فقط بدأت الحرب بثقة، وعزم فقفوا وقفة واحدة واصطفوا فى صفوف متماسكة، وقولوا بلسان واحد وبليغ.. لا لكل تدخل سافر ممن لا يؤمنون بحرية التعبير، ولا لكل من يتعامل مع الثقافة من منظور الهيمنة والأخونة والاستحواذ، ولا لكل سلطة لا تعرف إلا الاستبداد والطغيان وترفض الحوار ونطلق من جهل مدقع لتحدد أجندة العمل فى مجالات أرفع بكثير مما يمكن أن تصل إليها أفهامهم إلا الثقافة.
يا سادة.. مصر بدون فن وأدب وفكر وإبداع لا وجود لها.. مصر التى مهدت القواعد لحضارة العالم وأسست الضمير الذى يغذيه الفن والأدب وعلمت الدنيا كيف يكون الإحساس بالجمال والتعامل مع الطبيعة ومع الرسالات جميعها فى إطار التحضر والوعى والحرية يجب ألا تخضع للبرابرة، واعلموا- وأنتم لا شك تعلمون- أن لا أحدا سيدافع عن قضاياكم بدلا منكم، ولن ينوب عنكم فى مواجهتهم كما أن التاريخ سوف يترقب بكل دقة موقفكم من هذا الهجوم الضارى، وهذه الحملة المشبوهة ليتأكد من مصداقيتكم وإيمانكم بجدوى دفاعكم عن وجودكم الحقيقى المتمثل فى غذاء الأرواح والعقول.. وجودكم الذى يصنع الحضارة والأمل والأفكار القادرة على إلهام الأوطان الحية كى تبحث عن ذواتها وتقاوم.. البرابرة.
عدد الردود 0
بواسطة:
سعيد جاد
محرد سؤال