أشرف الطنطاوى يكتب: الفتنة ومصر ومشروع النهضة

الإثنين، 13 مايو 2013 06:10 ص
أشرف الطنطاوى يكتب: الفتنة ومصر ومشروع النهضة دعاية الرئيس المرسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عرفنا نحن المصريين كيف يكون الصبر عنواننا، وعاهدنا على أنفسنا أننا نرغب فى العيش والاستقرار، وحكى التاريخ للعالم حواديت المصريين مع حكامهم. ولم يكن فينا التمرد إلا نحو الطغيان، ولم نزل نحاول الإصلاح حتى نهدر طاقتنا ونفقد صبرنا فى ذلك. وعاشت المجتمعات جميعا ً على مر الأزمان تبنى حضاراتها من خلال الشعوب
وليس من خلال الحكام. ولم يكن الحاكم إلا فردا وعقلا وجهدا واحدا، أما الشعوب فهى عقول ومجموعات هائلة وجهد عظيم. والحضارة لا يمكن لها أن تُولد على وجه الدنيا دون ترابط أفراد الشعب الواحد، ووجود تكامل وتوحد فى هدفها وأفعالها. ولهذا فإننا نجد الحضارات القديمة رغم أن منها من قام على الاستعباد ولكن لم تكن تقوم لولا مشاركة الجميع فيها. إما بالفعل أو بالصمت .

و لم تكن بلادنا إلا نموذجا منفردا لهذه وقد تقوم الحضارة على توحد الشعب على هدف واحد ودون استعباد للشعوب، مثل ما حدث فى نصر أكتوبر فى العصر الحديث وكذلك مثل الفتوحات الإسلامية فى العصر القديم .

وعلى النقيض فقد أفسحت الفتن لها وجودا ً وتميزا ً على مر العصور فى هدم المجتمعات، وإفساد الحضارات، وزيادة الضحايا ليس فى نفس العصر بل إمتدت عصور بعدها. والفتن أسلوب شيطانى بتنفيذ إنسانى، وهدف لأعداء هذه المجتمعات .

ولا يحضُرنا فى ذلك إلا أن نذكر العراق وما آلت إليه على مر عقود من تدمير للمجتمع وتفكك بين ثناياه وشرذمة أوصاله وسقوط حضارته .

ولا تكون كذلك مصر ُ بعيدة عن خيالنا فى هذا الصدد، حيث تمكن منها الخراب، وانتشر فيها البغى، وحاصرتها الفوضى، وفقد الشعب أمنه. وذلك فى عصر المماليك وشجرة الدر ودخول التتار أعداء مصر فى هذا الوقت بالفتن أولا ً قبل محاولة السيطرة الميدانية على ربوعها .

و لا يبقى الحال على ما عليه، ولا يظل منحنى الصعود مستمرا ً دون هبوط، فهذا حال الدنيا وسنة الحياة. وتظل الحياة مدرسة ً تُعلمنا كيف نبنى، وكيف نفقد البناء، وكيف نرجع إلى صوابنا. ومَن يُغلق عقله، ويصر على عصبيته دون الرجوع إلى الحق فإنه لم يتعلم شيئا ً من دروسها .

و نرى كيف أن لكل زمان ساحر، يُفقدنا البصر، ويُغيب العقل، ويسيطر على العامة بمعسول فعله وقوله، ويضم إليه الخاصة بما فى جرابه. وإن ساحر هذا الزمان هو الإعلام. ودعونا نتذكر من عصرنا ما يدلل على ذلك. فأثناء نكسة 67 لعب الإعلام الرسمى حينها من خلال أدواته المتاحة حينئذ دورا ً هاما ً ومضللا ً للشعب. حيث أظهر قواتنا منتصرة وتُفقد العدو قدراته وقت أن كنا نحن المهزومين .

و كذلك لعب الإعلام دورا ً إيجابيا ً أثناء حرب الاستنزاف حينما التزم المصداقية مع الشعب، وكان محفزا ً للشعب للتوحد تحت هدف الثأر من العدو وتحقيق النصر.

ولا يغيب عنا كذلك دور الإعلام أثناء قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث لم ُيظهر غضب الشعب، وما آلت إليه جموع الشعب الثائرة على الطغيان الذى دام لعقود. وكان الإعلام الرسمى إعلاماً مضللا ً حتى سقوط النظام الحاكم .

وكذلك اليوم يلعب الساحر دوره المعتاد مع تغيير الأدوار، وارتداء الأقنعة، وطمث الحقائق، وإثارة الفتنة من أجل سقوط النظام .

والحقيقة أن اليوم النظام مختلف. فلم يزل النظام وليد فى حكمه، ولم يتميز النظام كمن قبله بالطغيان، ولم يكن الشعب هو من اختار سقوط النظام الحالى بل إنها فتنة الساحر التى تحاول قلب نظام الحكم. والفرق كذلك أن الإعلام الساحر اليوم لم يكن الإعلام الرسمى للبلاد. بل أصبح إعلام أصحاب المصالح الشخصية ورجال الإعلام والسياسة .
وفى خطوة جديدة دعونا نسأل أين مشروع النهضة الذى تحدث عنه النظام، وفى خطوة محايدة بل قل فى خطوة منحازة نحو الشعب دعونا نكرر السؤال أين يا ريس مشروع النهضة ؟

وقبل أن نحاول الإجابة دعونا نلقى البصر على دولة مثل البرازيل ولن نقول اليابان. تلك الدولة التى عانت السنوات الماضية من سقوط اقتصادى هائل ومروع. وكاد ذلك أن يودى بالدولة إلى الإفلاس. والبرازيل ليست دولة مستوى أول، أو دولة أوربية ورغم ذلك استطاعت البرازيل من تخطى العقبة الاقتصادية وبناء نهضة جديدة لها أبهرت العالم .

ومن الحكمة أننا نتجه بأعيُننا نحو دراسة التجارب المماثلة لنا، وأن نتعلم من غيرنا ما يُفيدنا. وندرس مقومات النهضة فى هذه البلاد ونحاول أن نُفعلها فى بلادنا.

ولا يخفى على أحد أن أى بناء، وأى حضارة، وأى نهضة لا تتم بجهود البعض دون الكل. ولا تتم فى جو عدم الاستقرار السياسى، ولا تُنتج ثمارها إلا بسواعد أبناء الوطن. ولا يمثل الحاكم إلا قيادة هذه النهضة .

ودعونا نكرر تفعيل العقل ونسأل : هل المدة التى قضاها الرئيس والحكومة كافية لإنشاء النهضة المنتظرة ؟

هل الظروف المعرقلة للأداء الحكومى والرئاسى بفعل المعارضين دون تصنيفهم لطامعين فى الحكم أو غير ذلك، وأحداث الشغب وتعطيل عجلة العمل من البعض عنصر إيجابى فى بناء النهضة ؟

هل بناء النهضة عمل يعود على الرئيس والإخوان أم على الشعب بأكمله ؟
هل التشكيك فى نيات الرئيس والإخوان أمر إيجابى فى بناء النهضة أم سلبى ؟
هل الانتقاض المستمر من الإعلام الخاص والمعارضين على أى فعل للرئيس يساند النهضة ؟

و الأسئلة كثيرة ولكن دعونا ندلل على ذلك فى آخر حدث سياسى وهو التعديل الوزارى وما لاقاه من ألسنة حادة تحاول التشكيك فى الوزراء الجدد قبل أن يتسلموا العمل. أى بيئة إعلامية وسياسية هذه. وأى نهضة يتسائلون عنها ؟ النهضة لها مقومات. ولن تقوم النهضة إلا بتعاون الجميع إما بالعمل أو بالصمت.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا ً أو ليصمت".





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة