قد تستعين دبى بمجموعة واسعة من الاستراتيجيات مثل بيع أصول وزيادة إصدارات السندات واستمرار الحصول على الدعم من أبوظبى كى تتمكن من اجتياز فترة سداد ديون أوشك موعد استحقاقها، وإن كان ذلك قد يقض مضجع المصرفيين فى الإمارة بضع ليال.
ونجت دبى من أزمة ديونها عام 2009 إلى حد كبير من خلال إعادة هيكلة التزامات الشركات شبه الحكومية وتأجيلها بضع سنوات، ويحل موعد استحقاق الكثير من هذه الالتزامات فى الفترة بين عامى 2014 و2016 مما يجعل دبى مثقلة بمدفوعات تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات.
وتوحى تصريحات أدلى بها مسئولون حكوميون فى الأسابيع الماضية بأن دبى تدرس مجموعة من الخطوات المختلفة لمواجهة أزمة الديون الوشيكة وتسعى للتصدى للمشكلة من عدة زوايا، ويظهر ارتفاع أسعار السندات والأسهم اعتقاد المستثمرين بأن هذه الخطوات ستكلل بالنجاح.
غير أن الإمارة لم توضح حتى الآن كيف ستحصل على جميع الأموال التى تحتاجها، خاصة كيفية سداد ديون شركة دبى العالمية للاستثمار المملوكة للدولة.
وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى فى تقرير فى مارس "لم يتم إحراز تقدم يذكر بشأن توضيح وتعزيز الإطار القانونى لإعادة هيكلة الديون بينما لا يزال الغموض يكتنف تفاصيل قدرة حكومة دبى على دعم مؤسساتها المرتبطة بالحكومة".
وقال مصرفى كبير فى دبى يعمل لدى مؤسسة تدين شركة دبى العالمية بأموال لها أن ذلك يثير قلق القطاع المصرفى.
وأضاف المصرفى، الذى طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية تصريحاته "أشعر بالتشاؤم وأنا أرى دبى تبلى بلاء حسنا للغاية فى نواحى الحياة اليومية، فى المطار وزيادة أعداد السائحين وارتفاع أسعار العقارات، ولكن لا أرى شيئا فيما يتعلق بدبى العالمية حتى الآن"، وتابع "ما زال هناك وقت للتحرك ولكننا لا نرى أى شىء.. إنه أمر مثير للقلق".
وتشير تقديرات بنك "ستاندرد تشارترد" إلى أن دبى ومؤسساتها شبه بالحكومة، وهى الشركات والهيئات المدعومة من الدولة، عليها ديون بقيمة نحو 48 مليار دولار سيحل موعد استحقاقها فى الفترة بين عامى 2014 و2016.
ورغم أن دبى تعافت بقوة من الأزمة فإن النمو الاقتصادى وحده لن يوفر لها ما يكفى من الأموال لسداد تلك الديون كما يبدو أن الفرصة ضئيلة أمام الإمارة لتعزيز تدفقاتها النقدية.
وتواجه حكومة الإمارة عجزا طفيفا فى الموازنة، بينما تتلقى دبى أرباحا من الشركات الحكومية المربحة إلا أنها ليست أرباحا ضخمة، فكل من شركة طيران الإمارات وهيئة كهرباء ومياه دبى دفعت توزيعات أرباح قيمتها 500 مليون درهم (136 مليون دولار) فى السنة المالية الماضية. أما الأموال التى تجنيها الإمارة من نظام سالك للتعرفة المرورية وعملياتها المعفاة من الرسوم التى تدر أرباحا كبيرة فقد تم توريقها بالفعل.
وقال بعض المسئولين بصفة شخصية إنه من المستبعد جمع مبالغ كبيرة عن طريق فرض ضرائب أو رسوم جديدة أو رفع الضرائب الحالية نظرا لأن هذه الخيارات قد تؤثر سلبا على القدرة التنافسية لدبى فى المنطقة التى تنخفض فيها معدلات الضرائب بشدة.
ويتمثل أول المدفوعات الكبرى التى اقترب موعد استحقاقها فى الأموال التى اقترضتها دبى أثناء الأزمة من أحد الجيران الأثرياء. واقترض صندوق دبى للدعم المالى ما إجماليه 20 مليار دولار من أبوظبى والحكومة الاتحادية فى الإمارات. حيث اقترض عشرة مليارات دولار من مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزى وخمسة مليارات من كل من بنك أبوظبى الوطنى ومصرف الهلال المملوكين للدولة.
وسيحل موعد استحقاق هذا الدين الذى يبلغ أجله خمسة أعوام فى نوفمبر الثانى من عام 2014، ونظرا لأن صندوق دبى للدعم المالى أقرض جميع هذه الأموال لمؤسسات شبه حكومية تحتاج إلى الدعم فإن من المستبعد أن يستطيع الصندوق سداد كل الديون العام المقبل أو حتى قسما كبيرا منه.
فصندوق دبى على سبيل المثال هو أحد الدائنين الرئيسيين لشركة أملاك للتمويل وهى شركة تمويل عقارى إسلامى متعثرة لا تزال تحاول إعادة التفاوض بشأن ديون قيمتها 1.9 مليار دولار مستحقة لبنوك محلية وأجنبية قبل استئناف العمليات.
ويرى معظم المصرفيين التجاريين أن ديون أبوظبى لن تكون مشكلة. وأشاروا إلى أن العاصمة الإماراتية ما زالت مهتمة بالحفاظ على الاستقرار المالى لدبى ويتوقعون أن تمدد حكومة أبوظبى وبنوكها أجل جميع أو معظم الديون البالغ قيمتها 20 مليار دولار عدة سنوات.
ويقول محللون من بنك أوف أمريكا ميريل لينش أن دبى قد تدفع جزءا متوسطا من ديونها لأبوظبى العام المقبل لرفع معنويات الأسواق المالية وإظهار تعافيها من أزمتها.
ورغم ذلك ربما لا تكون الآجال الجديدة لاستحقاق الديون مريحة للغاية لدبى،ففى مايو 2015 على سبيل المثال سيتعين على دبى العالمية سداد قرض قيمته 4.4 مليارات دولار حصلت عليه من بعض البنوك.
وعندما تم الاتفاق على إعادة هيكلة ديون مستحقة على دبى العالمية بقيمة 25 مليار دولار مع البنوك المعنية فى عام 2011 كان المعتقد أن الشركة العملاقة ستجمع معظم الأموال التى تحتاجها عبر بيع أصول.
وأظهرت وثيقة لإعادة الهكيلة اطلعت عليها رويترز أن ما يتراوح بين 1.3 و2.3 مليار دولار سيتم جمعها فى الفترة 2010-2012 من خلال بيع "بى آند" أو "فيريز البريطانية" و"جازيلى" لتطوير المستودعات مع جمع ما بين 3.9 و5.3 مليارات دولار أخرى فى الفترة 2013-2015 من بيع ممتلكات مثل سلسلتى متاجر "بارنيز" و"لومانز" إلى جانب شركة "جى. إم. جى ريزورتس إنترناشونال" لإدارة نوادى القمار.
غير أن بيع الأصول لم يكن بالسرعة والسهولة المأمولة وهو ما يرجع لأسباب منها الأزمة المالية العالمية. ولم يتم بيع بى آند أو فيريز وجازيلى، بينما خسرت دبى العالمية السيطرة على بارنيز فى مايو عام 2012 فى إطار إعادة هيكلة بسلسلة المتاجر الأمريكية.
وفى مقابلة مع رويترز يوم الثلاثاء قال رئيس دبى العالمية الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم عم حاكم دبى والمستشار المقرب منه أن بعض عمليات بيع الأصول قد يتم تأجيلها.
وأضاف أن هذا سيحدث إذا شعرت الإمارة بأنها ستحصل على سعر أعلى إذا انتظرت بعض الوقت "لأن الأوضاع قد تتحسن فى غضون ستة أشهر إلى عام."
ولدى سؤاله عما إذا كان هناك بديل لبيع الأصول قال "سندرس شيئا من هذا القبيل. لا أستطيع أن أحدد ما هو لأنها معلومات سرية بسبب إعادة الهيكلة".
ومن بين الخيارات التى ستتوافر أمام دبى إجبار البنوك الدائنة على العودة إل مائدة التفاوض لإجراء جولة جديدة من إعادة هيكلة الديون عندما يحل موعد استحقاق القروض والمدفوعات الأخرى المستحقة على دبى العالمية.
ورغم ذلك تشير تصريحات مسئولين حكوميين إلى أن دبى تريد تجنب المزيد من إعادة الهيكلة، وربما كان من أسباب ذلك الضربة التى هزت مكانتها كمركز مالى، وتعتقد أنها تستطيع ذلك.
وقال محمد الشيبانى الرئيس التنفيذى لمؤسسة دبى للاستثمارات الحكومية وهو صندوق ثروة سيادية لرويترز فى مارس "بالطبع لن نشهد عام 2009 مرة أخرى".
وثمة خيار آخر يتمثل فى إصدار المزيد من السندات. وقد جذبت حكومة دبى معدل طلب كبير من المستثمرين عندما باعت سندات تقليدية وإسلامية بقيمة 1.25 مليار دولار فى يناير بينها شريحة قيمتها 750 مليون دولار لأجل عشر سنوات تلقت عروضا بقيمة 11 مليار دولار.
وقال الشيخ أحمد أن بيع المزيد من السندات أمر محتمل. وعندما سئل عن إمكانية أن تصدر الإمارة سندات سيادية للمرة الثانية هذا العام قال"السوق مناسبة والسعر مناسب فما المانع؟"
وتشير تقديرات بعض المصرفيين إلى أن زيادة إصدارات السندات من الحكومة والمؤسسات المرتبطة بها قد يجلب بضع مليارات إضافية لن تكفى لسداد جميع ديون دبي.
وينطبق الأمر نفسه على سوق القروض. فالحصول على تمويلات من البنوك المحلية التى تتمتع بوفرة فى السيولة النقدية فى ظل تعافى الاقتصاد هو أحد السبل التى لجأت إليها المؤسسات المرتبطة بالحكومة فى دبى للقيام بعمليات سداد صعبة فى الآونة الأخيرة حيث استخدمت شركة مركز دبى المالى العالمى للاستثمار وسلطة المنطقة الحرة فى جبل على قروضا مدعومة بقوة من بنوك محلية لإعادة تمويل التزامات مستحقة عليها فى العام الماضى.
ولكن هناك حدودا لهذه الاستراتيجية، خاصة أن البنك المركزى الإماراتى يقول إنه يعتزم فرض حدود على تعرض البنوك للمقرضين المرتبطين بالدولة كسبيل للحد من خطر نشوب أزمة جديدة.
وكان البنك المركزى علق العمل بهذه الحدود العام الماضى بعد احتجاجات من البنوك التجارية، لكنه قال إنه يريد تطبيقها هذا العام.
وقد يشجع ذلك دبى على البحث عن عمليات خصخصة جزئية من أجل تعزيز الوضع المالي، قال الشيبانى الرئيس التنفيذى لمؤسسة دبى للاستثمارات الحكومية إنه من المتوقع أن تطرح الإمارة أحد أصولها الرئيسية على الأقل للبيع فى العام المقبل لتحفيز الاستثمار وتحسين دور دبى باعتبارها مركزا تجاريا عالميا.
وأضاف "ستكون الفترة 2014-2015 فترة رائعة لعمليات الطرح العام الأولى. أستطيع أن أرى إمكانية لطرح عام أولى لواحدة أو اثنتين من الكيانات الكبرى المملوكة للحكومة".
