معصوم مرزوق

تسييس العسكر.. وعسكرة السياسة

الأحد، 12 مايو 2013 02:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تزايد الجدل خلال الفترة السابقة حول الدعوة لدور للعسكريين فى إنقاذ الأوضاع المتدهورة فى مصر، دون محاولة جادة لتأصيل الدعوة أو رفضها. يمكن أن نقول بإيجاز إن أغلب الفكر السياسى النظرى المصرى قد عجز أن يقدم نظرية متكاملة لنظام الحكم المناسب لظروفنا، أو لتفسير بعض السياسات سواء الداخلية أو الخارجية، فعلى سبيل المثال اختلفت الآراء حول أهمية تورط مصر فى الشؤون العربية، مثل اشتراكها بقواتها المسلحة فى الحرب لتحرير الكويت عام 1991، بينما نجد أن العسكريين وجدوا فى نظرية الأمن القومى المصرى ضالتهم لتفسير ذلك.

والواقع أنه لا يمكن إنكار أهمية الفكر النظرى فى إحداث التحولات الهامة فى المجتمع، وقد قال «ماكس ويبر»: «الأفكار لا تحرك الإنسان، وإنما تحركه المادة والمصالح المعتبرة، ومع ذلك فإن صورة العالم كما ترسمها الأفكار، تشبه ما يفعله عامل التحويلة فى تحديد مسار القضبان التى يتجه إليها السلوك من خلال دينامية المصلحة» ولإيضاح ذلك يمكن الإشارة إلى أن بعض القادة العسكريين المصريين ذهبوا فى تفسيرهم لهزيمة يونيو 1967 إلى التذرع بالتدخل الأمريكى فى الحرب كسبب من أهم أسباب الهزيمة، وإنكار القدرة والجدارة العسكرية الإسرائيلية، وهنا كان للفكر السياسى فضل التحول الجذرى من خلال الدراسات التحليلية المعمقة التى أنقذت الفكر العسكرى من الجمود خلف أفكاره المسبقة التى كانت تعنى أمراً من اثنين: إما عدم تطوير أدواتهم العسكرية لمواجهة الجدارة العسكرية الإسرائيلية التى لم يعترفوا بها، وإما الاستسلام لليأس لأن التدخل الخارجى لصالح العدو لن يتوقف، وبالتالى لا جدوى من الحرب، ولحسن الحظ تجاوز الفكر السياسى لكل من عبدالناصر والسادات ذلك الجمود.

إن الفكر العسكرى تتملك منه فى أحوال كثيرة ما يمكن أن نطلق عليه «حالة الإنكار»، وهو ما يشبه دفاع أحد جنرالات النازى الألمانى عن نفسه حين اتهم بالسماح بعرض أوبرا كتبها يهودى، فقد قال دفاعاً عن نفسه: «إنه لا يمكن لأى يهودى أن يكتب شيئاً جميلاً مثل هذه الأوبرا، ولا بد أنه سرقها من مسيحى!!». وفى أكتوبر 1973 سنجد هذه الحالة لدى الفكر العسكرى الإسرائيلى الذى رفض أن يصدق كل الدلائل والإشارات التى تؤكد إعداد مصر لعبور قناة السويس، وقد أصبح من الواضح الآن أن القيادة الإسرائيلية العسكرية لم تكن تعانى نقصاً فى المعلومات وإنما هى لجأت بشكل غير واع إلى حيلة نفسية تشبه ما يبديه الإنسان من حيرة إزاء المعلومات المتاحة والتى تتناقض مع عقيدته، فقد كانت تلك القيادة تعتقد بشكل جازم أن المصريين لم يكن بمقدورهم شن الحرب فى ذلك الوقت.

ومن ناحية أخرى فإن هناك خلافاً آخر بين الفكر السياسى والفكر العسكرى فيما يتعلق بمواجهة الحقائق الجديدة الطارئة، فمن الواضح أن العسكريين لديهم قدرة متميزة نسبياً فى استقبال تلك الحقائق والتعامل معها بعكس الفكر السياسى الذى يبحث دائماً عن معلومات أخرى تدعم المعلومات المتاحة، وفى الغالب يركن إلى ما يدعم أفكاره المسبقة التى يؤمن بها، ذلك الشعور الجمعى يستند إلى حالة عاطفية تشبه إلى حد كبير حالة النخب السياسية المتمترسة حول قناعات نظرية بغض النظر عن ملاءمتها لمعطيات الواقع، وذلك يختلف عن الأسلوب البراجماتى للفكر العسكرى الذى يمارس عمله من خلال تقدير مستمر للموقف يقبل التبديل والتعديل فى جوهر الخطة الأصلية.

باختصار.. تحتاج المجتمعات التى تمر بأزمات حادة إلى جهد الفكر السياسى للكشف عن معادلات للتعامل مع هذه الأزمات، ومن الواضح أن هذه الجهد يتطلب وقتاً وقدراً كبيراً من الإلمام بعناصر هذه الأزمات، وسيدخل فى هذا الوقت ما سبق أن أشرنا إليه من مشاكل الفكر السياسى، لذلك تبدو الحاجة عاجلة للاستفادة من أسلوب التفكير العسكرى الذى لن يجيده بالضرورة سوى العسكريين المتميزين.

لذا فإن روشتة العلاج قد تتمثل فى إدارة عسكرية داخل نسق ديمقراطى، أى باستبعاد الديكتاتورية العسكرية أو الاحتكار العسكرى لمفاصل الدولة، بحيث تكون صيغة الحكم تشبه إلى حد كبير أسلوب إدارة المناطق المنكوبة، حيث تتحرك القوات العسكرية لضمان الأمن والاستقرار، مع التدخل الفعال فى عمليات الإنقاذ والبناء، فيما تتولى القيادات المدنية الرقابة الدستورية التى تضمن الحفاظ على مدنية الدولة خلال تلك الفترة الانتقالية الاستثنائية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

دور القوات المسلحة

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

إن فاتك الميري ..اترحم على ايامه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة