على رمضان يكتب: "أبالسة السياحة"

الجمعة، 10 مايو 2013 08:25 م
على رمضان يكتب:  "أبالسة السياحة" صورة ارشيفيه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حكاية أغرب من الحواديت وأفعال لا يقدر عليها المدعو إبليس شخصياً وأعمال تهبط بالسمعة المصرية إلى أدنى الشعوب وتلاعب جاهل بمصير دولة سياحية كانت عظيمة وستدخل قريباً موسوعة جينس فى كميات الحيل وأعمال النصب والاحتيال على السياح فى غياب مقصود وتعمد من القائمين على الأمن فيها والقابضين على الحكم فيها .

أربع صبية اتفقوا على خدعة غريبة ماكرة ، أن يحتال أولهم على أحد السياح الذين يزورون مصر محبة فى هوائها وشمسها ومعابدها ، فقاده حظه التعس ليلاقى من يتربص به ليبيعه زجاجة خمر ، وبعدما رفض السائح شراءها كرر البائع محاولته ، وإذا بالآخرين ينقضون انقضاض الغربان على البائع والمشتر ، مدعين أنهم من الشرطة " الإسلامية" التى تطبق الحدود على المتعاملين فى المسكرات، فيجلدون حاملها وبائعها وشاريها وشاربها، ولأن السائح نقى الضمير فقد هاله الأمر وصدق الكذبة، وركع الرجل يقسم بكل ما هو مقدس أنه لا يحتسى الخمر حتى فى بلده، إلا أن هذا لم يشفع له لدى النصابين الأربعة، واستجاب فورا لأقتراح دفع غرامة مالية بدلاً من الجلد ، وتوجهوا جمعاتهم إلى ماكينات سحب النقود ، وحصلت العصابة على أحد عشر ألف من الجنيهات ونفد الهولندى بجلده مغتصب المال مفزوعا من هذا العالم الغريب المذهل الذى لم يقرأ عنه فى دليله السياحى!

الشرطة المجدة النشطة استطاعت القبض عليهم بعد تحديد أوصافهم من خلال السائح وكاميرات ماكينات البنوك التى قام بسحب المبلغ منهما، وهو جهد مشكور، ولكن ..

أصبحت نكتة يتندر بها عالم السياحة الذى أسقط مصر من ذاكرته .
لماذا تسمح الشرطة أساسا بحدوث هذا الأمر جهارا نهارا وتحاول أن تمنع حدوثه، فالوقاية خير من العثور على اللص، وغيره من حوادث السلب والنهب للسياح فى مدينتى الأقصر وأسوان حتى أصبحت هذه الحالات شيئا عاديا للسامع له يتكرر شبه يوميا.

ألا تخجل الحكومة من رفعها لواء الدين وأن يعرف عنها تشجيعها للنصب والسرقة بغياب الأمن؟ ولماذا لا يعلن الحاكم انتهاء دور السياحة كمصدر أساسى للدخل ويعلن لزوار مصر ومحبيها أن يجب عليهم العودة عن التفكير فى زيارة مصر لأن مصر ستزرع قمحاً وتبنى مصنعاً وتكتفى بذلك، ولدينا مصدر أخرى عديدة للدخل القومى فهى حلال، وكفى الله المؤمنين شر الحرام .

وما بال السيد الوزير يهرع لدعوة السادة سياح إيران، ولماذا إيران فى هذا الوقت؟ إذن هو توجه سياسى من الرئاسة لا سياحى، إذن فالرئيس مازال يتذكر السياحة خاصة وقد ذكرها فى جملة اعتراضية فى الاحتفال بعيد العمال، لم تلبث إلا ثوان معدودة ولكنه ذكرها، فلماذا لا يلفت الوزير نظر رئيسه إلى تسعة مليون سياحى لا يجدون قوتهم ولا قوت عيالهم، أم هو لا يدرى؟ فدعونى أسوق له حكاية الحاج إبراهيم التى أهديها لمعالى الوزير ولرئيس مصر الذى صرح فى التحرير أن أبناء السياحة أبناؤه: الحاج إبراهيم عامل بسيط يعمل منذ سنوات عديدة فى إحدى بواخر السياحة التى تقطع المسافة من الأقصر إلى أسوان زاخرة بالسياح ، وعمله هو حمل الحقائب من أتوبيس الوصول إلى داخل الباخرة ، ثم معاونة ريس الباخرة الذى يقودها مع بعض أعمال النظافة ، وهى مهنة معروفة فى السياحة ب"البحرية"، أكثر من عشرين عاما امتطت فيه الحقائب من كل لون وجنسية ظهر الرجل، حقائب ثقيلة و حقائب خفيفة ، حقائب ماركات وحقائب بدون ماركات ، و ما كان يفعله الحاج ابراهيم – وزملاؤه - هو أن يضع خشبة مساعدة فوق كتفه لتحمل عنه شيئا من ثقل الحقيبة التى يسندها فوق كتفه بيد، بينما يده الأخرى تمسك بتلاليب حقيبة أخرى، وتتناقل خطواته – لا تفارقه ابتسامته - واحدة تلو الأخرى بثبات ورفق حتى لا تسقط منه حقيبة ربما تنخدش أو يصيبها سوء، ويحبس أنفاسه حتى تصل إلى داخل الباخرة بأمان وسلام، وعند أول كل شهر كانت خطوات الرجل تسرع إلى مكتب البريد ليرسل راتبه إلى زوجته العجوز وبناته الثلاثة، ويقتطع منه شيئا ضئيلا يدفعه ثمنا لدواء السكر العنيد، ويعود القهقرى ليأوى إلى فراشه فى الغرفة الضيقة بالباخرة التى يشاركه فيها خمسة من رفاقه!

سنوات طوال لم تفارقه ابتسامته ولم تنل المهنة الثقيلة من الرجل ولم ينحن ظهره، ولم يشك ولم يتبرم، وكان يقبل يده "وش وضهر" عقب صلاة الفجر التى كان يؤم رفاقه فيها، ويدعو الله أن تدوم النعمة ولا تزول.

الحاج إبراهيم تفاءل خيرا لما استيقظ ذات يوم على صياح المصريين وفرحتهم بثورة قلبت الأوضاع وأنهت الفساد، و لم يكن الرجل يدرك أنه سيدفع الثمن غاليا جراء ما جرى فى مصر، وأن ظهره الذى لم يستطع ثقل الحقائب أن يحنيه ، سينحنى رغما عنه بفعل حكومة لن تبالى بجنيهاته التى يحملها البريد لزوجته وبناته .

توقفت الباخرة بعدما عزف السياح عن مصر، وسرح العمال ومعهم الحاج إبراهيم ليمكث فى بيته دون عمل، وذهبت مرة لزيارته فى قريته وتأملت وجهه باحثا عن ابتسامته فوجدتها بصعوبة بالغة، ولكنها ابتسامة باهتة فوق وجه ميت، ابتسامة بطعم البكاء والنحيب، ولولا صلابة الرجل لاسترسل فى البكاء، ولكنى رأيت بكاء كثيرا حولى، فالحوائط الكئيبة تبكى وثوب زوجته المتهالك يبكى والحصيرة المهلهلة الممزقة تبكى، وهو أقسى على القلب من أى بكاء، فهو يضرب كفاً بكف لتفاؤله بحكومة رفعت الدين لواء بينما حملت الجوع لعمال السياحة دون بريق أمل، واهتز كوب الشاى فى يدى وأنا ألمح دمعة كبيرة تقف فى عين الرجل الصلد الذى لم تحن ظهره حقائب السياح، الرجل أقسم أنه لو دعى لمليونية مظلومى السياحة لخرج معهم ولو بلبوصاً إشارة إلى حالته المالية المنهارة التى أجبرته على بيع ما يملك ولم يبق إلا أن يبيع هدومه .

وعندما وصلت منزلى رأيت برنامجا يبدو فيه معالى الوزير مشرق الوجه زاهيا يكاد يقفز من مقعده من رجرجرة ضحكته وهو يعدنا بعودة الإيرانيين .

لا أدرى لماذا ذكرتنى ضحكته المجلجلة بدمعة عم ابراهيم .. وبثورة البلابيص ..





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

mohamed

ايام الزمن الجميل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة