لابد لنا أن نعترف أن عقودا من القمع والاستبداد والدكتاتورية وانعدام الحرية لا يمكن أن تمر علينا مرور الكرام. كل الشعب عانى من ملك فاسد واحتلال غاصب إلى رئيس دكتاتور يتحفنا برئيس آخر أكثر دكتاتورية. أعتقد أن عقود الفساد والاستبداد أفرزت سموم فكرية ونخبة تعانى من إعاقة ذهنية وثقافية اللهم إلا القليل. سموم العنف والشطط والتهويل والمبالغة.
هب الشعب وانتصر على جلاديه وانتصرت الثورة ووجد الشعب نفسه بدون قيادة ولكن جيش مصر الوطنى كان فى جهوزية تامة تعودنا عليها واستلم المهمة وانجزها باحتراف أبهر العالم كله. جيش حافظ على الدولة المصرية العتيدة وحمى إرادة الشعب بإخلاص منقطع النظير وسلم الأمانة وانصرف إلى ثكناته.
من اللحظة الأولى خرجت علينا سموم الكبت والمعتقلات والاستبداد فى صور متعددة، وما زلنا لأكثر من عامين نعانى كل يوم له قصته وما زالت تتوالى علينا إفرازات وسموم هذه المرحلة التى اخرجت أسوا ما فينا.
عانينا وما زلنا نعانى من ضعف نفوسنا وكانت النتيجة انتشار ظاهرة البلطجة فمنا من مات بدون أسباب، عانينا من انتشار ظاهرة قطع الطرق وتعطيل المواصلات، عانينا من ظاهرة الغش فى الغذاء والدواء وظواهر النصب والاحتيال والأختام المزورة، وظواهر الاعتداء على المستشفيات والمدارس والجامعات، وظواهر الإتجار فى السلع المدعومة مثل الدقيق والغاز والسولار والبنزين.
مما زاد الطين بلة منا من ارتكب جرائم باسم الثورة، مصابين بوثائق مزورة وحتى شهداء ما زالوا أحياء، حرق ومحاولات اقتحام وحصار للمؤسسات لم تسلم منه مؤسسة مهما كانت سيادية ومهما كانت وطنية اعتداءات وخروج على سلمية الثورة نال من السفارات والمقرات الأمنية ووزارة الدفاع وماسبيرو والمجمع العلمى ومجلس الوزراء والقصر الجمهورى. وما زال بكل أسف مسلسل الإجرام الثورى والملثمين الثوريين بغطاءات سياسية مستمرا وما زالت شوارعنا مغلقة بجدران أسمنتية.
من إفرازات وسموم الكبت والقهر والاستبداد والمعتقلات نخب وجماعات وجمعيات تسمى نفسها بأسماء إسلامية وملتحفة بالمظهر الإسلامى ومتذرعة بأهداف تطبيق الشريعة الغراء حلم المسلمين وغير المسلمين ولكن منهم من هو متعجل ومندفع نحو السيطرة على مفاصل الدولة والعمل بكفاءة ضعيفة لا تناسب مكانة وحجم الدولة المصرية، منهم من لا يستطيع الفصل بين فقه الدولة وفقه الجماعة، منهم من يقبل وجود السياحة الإسرائيلية ويرفض وجود سياحة إيرانية، منهم من دعى إلى تأييد الدكتور محمد مرسى علنا وفى نفس الوقت يذهب ويؤيد الفريق شفيق سرا، منهم من حاصر المحكمة الدستورية ودار القضاء العالى، منهم من حاصر مدينة الإنتاج الإعلامى ومقر الأمن الوطنى، منهم من يحرض أو يهدد بمقاتلة الجيش، منهم من يهدد بحصار منازل القضاة. هل ذلك ما هو إلا هدم للدولة والتأسيس للفوضى؟.
من إفرازات وسموم الاستبداد أيضا نخب إعلامية وصحفية لا تستطيع أن تمارس مهنتها الإعلامية بدون بث الإشاعات والأكاذيب واللف والدوران على الخلفية الأيدلوجية والإكثار والمبالغة فى نشر وتكبير السلبيات وطمس معالم الإيجابيات وكان مصر لم تنجب أى كفاءات أو إفزاز أو إيجابيات.
من إفرازات الاستبداد خلق أجيال من النخب الثقافية والسياسية طالما فشلت فى العمل الميدانى بين أبناء الشعب العمل على أرض الواقع ففضلت الظهور على شاشات التلفزيون وإرسال رسائلها السوداء المتشائمة على تويتر بكل لغات العالم التى نعرفها والتى لا نعرفها. أحزاب كرتونية لا نعرفها إلا من رئيس الحزب الذى لا يتغير إلا بالانشقاقات.
من إفرازات الاستبداد الذهاب إلى المناطق المحظورة وأهمها نسيج الوطن ومحاولات هدم ملحمة التعايش والانصهار بالتحريض على الاعتداء على دور العبادة والرموز الدينية ومنع أى نوع من أنواع المجاملات ونشر ثقافة الكراهية.
بالرغم من هذه الإفرازات السامة والسيئة فى عصر الحرية الحقيقية والديموقراطية الحقيقية الذى نعيشه اليوم فى مصر بعد عقود من الاستبداد والقهر، أقولها بكل صدق ويقين إننى ممتلئ بالتفاؤل والاستبشار وأقول إن نهضة مصر حتمية وقادمة لا محالة والأسباب واضحة أبصرها أمام عينى وأعمدتها جيش وطنى لا يتوقف دقيقة عن العمل والبناء، راية الأزهر الشريف ترفرف خفاقة تحتضن راية الكنيسة المصرية فى حب ووئام وهما مرجعية المصريين فى الدنيا والدين، وقضاء شامخ، وشباب نبيل ومخلص شغوف ومتشوق للحرية والديمقراطية ومتمسك بالسلمية والإصلاح التدريجى، وعمال ومهنيين فى كل التخصصات يقدسون العمل والانتاج.
كل هؤلاء جاهزون وينقصنا الإرادة السياسية والصادرة من قيادة سياسية محنكة تتميز بالحصافة التى تتطلبها المرحلة. الشعب والجيش والأزهر والكنيسة فى انتظار تصحيح المسار الحالى والعمل من أجل مصر ومصالحها العليا.
من هنا من على هذا المنبر أريد أن أبعث برسائل من مواطن مصرى بسيط إلى قادة قواتنا المسلحة وجيش مصر العظيم الضامن للأمن الداخلى والخارجى ومدرسة الوطنية وحماية الإرادة والشرعية الشعبية الحرة بدون لعب أى دور فى السياسة فهو ملك الشعب وعلى مسافات متساوية من الجميع لا يحمى ولا يحتمى بأى فصيل سياسى مهما كان. هو الداعم لكل القوى الأمنية والسيف البتار المرفوع فى وجه أعداء الوطن فى الداخل والخارج.
رسالة إلى رئيسنا الشرعى والذى اخترناه بملئ إرادتنا الحرة لأول مرة فى حياتنا أطالبه بالثبات فى وجه المشككين والتسلح بالقانون والدستور مرتديا وشاح رئيس لكل المصريين ومسئول أمام الشعب عن القصاص للشهداء واستعادة حقوق الفقراء والضعفاء والحفاظ على استقلال القضاء ملاذ المظلومين وإرساء مبادئ العدل والمساواة وانطلاق مسيرة النهضة والرخاء متمسكا بالديمقراطية والحرية.
رسالة إلى القيادات السياسية والحزبية لترك الشاشات والميكروفونات والتوقف عن التويتات والنزول من أبراج الاستعلاء والنزول إلى الشارع لنتنافس فى خدمة هذا الشعب فى مجال السياحة والزراعة والصحة والبيئة ومجالات أخرى كثيرة وأهمها تعلم مبادئ الديمقراطية والحرية والتمسك بها.
أمامنا مهمة جبارة وعظيمة لإنجاز مشروعنا الوطنى القادر على مواجهة التحديات التى تفرضها علينا مكانة وموقع مصر فى التاريخ والجغرافيا شئنا أم أبينا، مصر فى قلب العالم مصر هى قلب الأمة الإسلامية والعربية مصر هى صانع أساسى لتاريخ هذا العالم.
حفظ الله مصر حفظ الله أزهر مصر وكنيسة مصر وجيش مصر وكل عام والمصريين جميعا بخير.
د. عبد الجواد حجاب يكتب: إفرازات وسموم القمع والاستبداد
الجمعة، 10 مايو 2013 05:41 ص