من الأمور الصعبة والمربكة جداً أن أجمع فى هذه المقالة بين مفاهيم قد يبدو بعضها للوهلة الأولى متناقضا وربما متقاطعا،ً وقد تكمن الصعوبة فى الجمع بين مفهومين غير منسجمين ( ديمقراطية ودكتاتورية ) وبالرغم من وجود هذا التناقض إلا أننى أعتقد وبكل ثقة أن بينهما مودة ورحمة، فهما يلتقيان ولا يتقاطعان أبداً، أقصد ممارسات مبارك والرئيس مرسى. من المعلوم أن المعنى الابتدائى للديمقراطية هو أن الرئيس أو الحكومة يجب أن يأتى عن طريق الشعب وبالتالى يكون مسئولاً أمامه حتى يختبر على الدوام مدى تمثيله له ومعرفة أن ادعاءه التعبير عن الإرادة العامة ورعاية مصالح الشعب لا يزال سارى المفعول. إلا أن الذى فعله الرئيس (محمد مرسى) فى تجربته القصيرة فى إدارة شئون الدولة المصرية هو (خداع) الرأى المصرى العام مثلما فعل سلفه السابق الرئيس (حسنى مبارك) وفى تقديرى ما فعلا هذا إلا لجهلهما التام بسمات المجتمع المصرى فدفع (مبارك) ضريبة جهله وفى اعتقادى أن الرئيس (مرسى) يقف فى الدور إن لم يلحق نفسه ويتنبه للمزاج المصرى العام وثورته المجيدة والمبادئ والأهداف التى قامت من أجلها. وما انتشار المظاهرات وكثرة الاضطرابات إلا بداية لانفجار شعبى يجعل كل من تجاوز هذا الشعب نسياً منسياً. عملياً قد حفلت تجربة الرئيس مرسى بتدخلات فجة وربما غليظة فى مجال حقوق الفرد والحريات العامة والخاصة مرة بالتنظيم وأخرى بالتوجيه والتعبير والتغيير والتآمر والضبط والإحضار لبعض مثقفى الرأى العام والنخبة من صحفيين وناشطين وغيرهم. وإلغاء دور القضاء المستقل فى الدولة الديمقراطية بشكل لم يشهده حتى نظام ( مبارك ) وما فعله الرئيس مرسى يعد انتهاكاً صريحاً لقيم الديمقراطية والمبدأ الأساسى الذى تنهض عليه كمفهوم وممارسة وواجبات الدولة الديمقراطية تجاه شعبها ومؤسساته. فالناظر لتجربة (مرسى الإخوان) الديمقراطية بتمعن يكتشف وبكل سهولة وبساطة أنها بحاجة لإعادة صياغة حتى تصبح ديمقراطية فعلية يتسنى لها قيادة دولة محورية مثل مصر لكننى أشك فى نيات الإخوان وأرى أن مستقبل مصر يسير نحو التمزق لأن الوجدان الثقافى لجماعة الإخوان المسلمين ينزع إيدلوجياً بشكل أحادى يهضم حق جموع المصريين فى التعبير عن أنفسهم وثورتهم. والغريب والمضحك فى ديمقراطية مرسى أنه يفعل ذلك عن طريق القانون وإن شئت الدقة قل (مجلس الشورى) الذى أصبح جهازاً تشريعياً يتخذ طابع (الهواة) وليس المتخصصين الفنيين، مما ترتب على عمله العديد من الأخطاء مثل القوانين الخاصة بالانتخاب وممارسة العمل السياسى وغيرها وأعتقد أن مشكلة التشريع فى مصر لا يمكن تجاوزها إلا عن طريق انتخاب مجلس الشعب الذى هو لازمة من لوازم وأدوات الديمقراطية وإلغاء مجلس الشورى الذى يكلف ميزانية الدولة الكثير بلا طائل إذا أراد الإخوان بناء دولة القانون والحريات التى تنهض فيها المواطنة كأساس للحقوق والواجبات وليس مزاج الجماعة لأن الديمقراطية فى حقيقتها تعتمد على تباين الآراء وتقاطعها. فما تراه الجماعة جمالاً يراه البعض قبحاً وما تعتقده الجماعة حكمة يظنه الآخرون حمقاً وما تراه عدلاً يرونه ظلماً وهكذا لأن الديمقراطية ترفض فرض أى تعبير أخلاقى أو دينى أو فلسفى أو فرض أيدلوجيا معينة على بقية أعضاء المجتمع لأن من حق الناس أن يعتقدوا ما يشاءون من وجهات النظر، فالحقيقة نسبية وغير معصومة من الخطأ وبالتالى الحكم عليها مؤقت كما أن أغلبية الإخوان الحاكمة اليوم ليست هى الأغلبية الحاكمة غداً. فعلى الرئيس مرسى حتى ينجو من مصير مبارك عليه أن يتمثل الرغبات الحقيقية للشعب فى البناء والمواطنة والنهضة! والبعد عن فوبيا الاستهداف والخطر المرتقب و(الأصابع) التى تقف على الأبواب بجوار العمالة والارتزاق والطابور الخامس والطرف الثالث. وكف جهازه التنفيذى عن التدخل المستمر فى أجهزة الدولة الأخرى. والبحث عن هيئة استشارية فنية متخصصة تساعده على اتخاذ القرار الصحيح وتجنبه مغبة الوقوع فى الأخطاء التى ظل يحفل بها خطابه الرسمى وتصريحاته الفجة فى مختلف المناسبات نتيجة لغياب المعلومة التى يمنحها المستشار الوطنى الأمين والتى تحقق قدراً معقولاً من الاستقرار يسهم فى الإجابة على كثير من الأسئلة التى تساهم فى مهام البناء وتجعل (مشروع النهضة) واقعاً ملموساً.
أحمد موسى قريعى يكتب: مصر بين ديمقراطية مرسى ودكتاتورية مبارك
الجمعة، 10 مايو 2013 07:29 ص
مرسى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة