يحتفل العالم اليوم، فى الأول من مايو 2013، بالعيد العالمى للعمال، ذلك اليوم الذى يتظاهر فيه النشطاء العماليون من أجل حقوقهم، ويحتفلون بجهود الحركات العمالية الدولية والتى تسعى إلى تحسين ظروف العمل وتعزيز العدالة الاجتماعية.
ترتبط الحقوق العمالية ارتباطا وثيقا بالتنمية الاجتماعية داخل المجتمع. ومن أكثر الحقوق مركزية بالنسبة للعمال هو الحق فى التنظيم النقابى. ففى السويد والعديد من المجتمعات الديمقراطية، تستفيد الاقتصاديات من العلاقة المنظمة بين العمال من جهة وأصحاب العمل من جهة أخرى. فإن جوهر النموذج السويدى يقوم على مفهوم الاتفاق الجماعى، والذى يعتمد على إبرام الاتفاقات بين النقابات واتحادات أصحاب العمل دون أى تدخل من قبل الحكومة. فالحكومة تقوم فقط بتوفير إطار يشمل قوانين العمل والتوظيف. فلقد بنى سوق العمل فى السويد على ميراث طويل من التفاوض بين الشركات والنقابات من خلال هذا الإطار الحكومى، والتى تتفق جميع الأطراف على شروطه الأساسية، فخلال مرحلة التفاوض الدورى، والتى تعقد عامة بشكل سنوى، قد تتسم العلاقات بين الأطراف بالاضطراب كما قد تكون النتائج فى بعض الأحيان غير مضمونة. ولكن حينما يتم التوصل إلى اتفاق، فعلى جميع الأطراف الالتزام به حتى الموعد التالى للتفاوض. وبذلك فإن هذا النظام يكون بمثابة منبر يوفر للعمال مستوى مقبولا من الأجور دون الحاجة إلى وجود تشريع ينص على حد أدنى للأجور. ومن ضمن الأمثلة الحديثة فى السويد، ذلك الاتفاق الذى أبرم بين المجالس المحلية وموظفيها، خاصة النساء منهم الذين يعتلون مناصب مقابل أجور متدنية. حيث استطاع اتحاد العمال، من خلال التفاوض، أن يحصل على زيادة فى أجور تلك الفئة التى تتلقى رواتب منخفضة، وبذلك تم تفادى خطر الإضرابات.
فوجود مثل هذا النظام الذى يقوم على التفاوض يؤدى إلى استقرار القطاعات الاقتصادية. فمن ناحية، يساعد على تجنب تطرف القوى العاملة، وتفادى الإضرابات والاحتجاجات التى قد يكون لها آثار مدمرة من الناحية المالية. ومن ناحية أخرى، فإن توفير ظروف عمل جيدة من قبل أصحاب العمل يكون له ميزة تنافسية. وتعتبر السويد من أكثر بلدان العالم تنظيما من خلال النقابات، حيث ينتمى ما يقرب من 70 فى المائة من العمال السويديين إلى نقابة عمالية. فإن تجربة السويد الإيجابية فى هذا الصدد تعود إلى حوالى مائة عام ماضية.
وتستند الحقوق العمالية والحق فى التنظيم النقابى إلى إعلان الأمم المتحدة العالمى لحقوق الإنسان واتفاقيات العمل الأساسية المقننة من قبل منظمة العمل الدولية (ILO). وتشمل هذه الحقوق الحق فى الانضمام إلى الاتحادات العمالية، الحق فى العمل وفى حرية اختيار العمل، الحق فى شروط عمل عادلة ومرضية، كما أن للعامل حق الحماية من خطر البطالة. فلكل فرد -دون تمييز- الحق فى أجر متساوٍ على العمل المتساوى، وفى نيل مكافأة عادلة ومرضية تكفل له وأسرته -ولها ولأسرتها- عيشة لائقة بالكرامة الإنسانية.
فإن السويد وغيرها من الشركاء على أتم استعداد لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات مع مصر من أجل صياغة تشريعات جديدة وحديثة للنقابات العمالية وحقوق العمال تكون بمثابة ضمانة لحرية إنشاء الاتحادات، والحق فى التنظيم والتفاوض الجماعى. فوجود مثل هذا الإطار القانونى الموسع وفقا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية، والتى قامت مصر بالتصديق عليها، جنبا إلى جنب مع نظام تفاوضى بين أصحاب العمال والعاملين، سوف يساعد على تعزيز العدالة الاجتماعية، وتحسين النمو الاقتصادى والاستثمارات. كما من شأنه أن يؤدى لمزيد من الاستقرار والنمو فى مختلف القطاعات الاقتصادية.
فمع وجود هذا الإطار، سوف تكون جميع الأطراف رابحة، سواء العاملين أو أصحاب العمل أو الحكومة أو المجتمع.
فالأول من مايو هو يوم تقليدى لتظاهر العمال فى العالم أجمع، فى البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. آمل أن تكون تظاهرات عيد العمال فى مصر سلمية، وأن يؤخذ بأعين الاعتبار الأهمية الإستراتيجية لقضايا العمل من أجل إرساء التنمية فى البلاد. فذلك بمثابة خطوة فى طريق تحقيق مطالب الثورة المصرية من أجل إرساء العدالة الاجتماعية.
مالين شيرى سفيرة السويد بمصر تكتب لـ"اليوم السابع": دور النقابات السويدية فى تعزيز التنمية ..النظام الذى يقوم على التفاوض يوفر للعمال مستوى مقبولا من الأجور دون تشريع ينص على حد أدنى
الأربعاء، 01 مايو 2013 12:02 م