قصة أول إضراب عمالى فى التاريخ قام به المصريون قبل 3500 عام..عمال دير المدينة دخلوا فى إضراب سلمى.. وقائدالتظاهرات "بن انوكى"يطالب بالعدالة وصرف الأجور المتأخرة ومحاربة الفساد وإيصال صوتهم إلى الفرعون

الأربعاء، 01 مايو 2013 12:59 م
قصة أول إضراب عمالى فى التاريخ قام به المصريون قبل 3500 عام..عمال دير المدينة دخلوا فى إضراب سلمى.. وقائدالتظاهرات "بن انوكى"يطالب بالعدالة وصرف الأجور المتأخرة ومحاربة الفساد وإيصال صوتهم إلى الفرعون صورة أرشيفية
(د ب أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى إطار الاحتفال بعيد العمال الذى يوافق اليوم الأربعاء الأول من مايو، يستعيد المصريون عبر ذاكرتهم التاريخية الضاربة فى أعماق التاريخ صور ومشاهد أول إضراب عن العمل وأول تظاهرات عمالية فى التاريخ، وهى الوقائع التى جرت فى منطقة دير المدينة التاريخية فى أحضان جبل القرنة، غرب محافظة الأقصر، قبل 3500عام.
ويسترجع المصريون، بحسب الباحثة المصرية هبة صوان، كيف استطاع العمال فى مصر القديمة أن يحصلوا على حقوقهم بالتظاهر السلمى، وكيف وقفت الشرطة إلى جانبهم آنذاك.

ويأتى حنين المصريين إلى الماضى فى ظل ما تشهده الساحة السياسية فى البلاد من حالة استقطاب غير مسبوقة ومعارك وجدل سياسى تفجر فى أعقاب نجاح ثورة يناير، ولم ينته حتى اليوم، ووسط مطالب بأن يتحول "دير المدينة" الذى شهد تفجر أول ثورة عمال فى التاريخ إلى متحف للثورات يسجل قصص ومشاهد الثورات العمالية والشعبية.

وتقول الباحثة هبة صوان إن أهمية هذه المنطقة "تعود لوجودها بين واديين شهيرين وهما وادى الملوك الذى كان يضم أجساد ملوك مصر، ووادى الملكات الذى كان يضم أجساد ملكات وأميرات مصر الفرعونية، ما يعنى ارتباط المدينة بهذين الواديين، فبين أحضان جبل القرنة التاريخى غرب الأقصر تقع مدينة أطلق عليها قدماء المصريين اسم "مكان الحق" وكان يطلق على قاطنيها اسم "خدام مدينة الحق" وتعرف فى العصر الحالى باسم "دير المدينة" وهى فى الجزء الجنوبى من جبانة طيبة - الاسم القديم لمدينة الأقصر- .

وتقول الأثرية المصرية منى فتح الله إن هذه المدينة التى تعد أول مدينة عمالية فى التاريخ تأسست فى بداية عصر الأسرة الـ18 واستمرت إلى نهاية الأسرة 20، مما يعنى أن عمرها حوالى 5000 سنة، وبعد بداية تأسيسها بقليل تعرضت لحريق هائل، ولكن الدولة بنتها من جديد قبيل عهد الملك العظيم تحتمس الثالث.

وتابعت، وعندما جاء الملك المارق - كما سماه المصريون القدماء - إخناتون استعان بأهل هذه المدينة ليساعدوه فى تأسيس عاصمته الجديدة فى تل العمارنة بمحافظة المنيا، ولكن دير المدينة ازدهرت فى عصر الرعامسة - عصر الأسرتين 19 و 20 -.

وأوضحت أن سكان المدينة كانوا من أمهر حرفيى وعمال مصر فى أزهى عصورها، فقد كان يقطن بها الحجارون وقاطعو الأحجار، كما ضمت النقاشين الذين نقشوا أروع المناظر فى العالم، بالإضافة إلى مصممى المقابر وأمهر الرسامين فى العالم القديم.

ويروى المدير العام لآثار الأقصر الدكتور منصور بريك تاريخ وتفاصيل أول إضراب وتظاهرات عمالية فى التاريخ، فيقول إن هذا المكان وقبل آلاف السنين وتحديدا فى العام التاسع والعشرين من حكم الملك رمسيس الثالث وفى اليوم العاشر من الشهر السادس مر العمال المتظاهرون على نقاط حراسة المقبرة ومن أمام أعين الحراس الموجودين صوب معبد الملك تحتمس الثالث حيث اعتصموا خلفه.

وحسب بريك، حاول مسئولو إدارة جبانة طيبة الغربية إقناع العمال المتظاهرين بالدخول إلى المعبد لمناقشة مطالبهم، ولكن العمال المتظاهرين رفضوا، ثم داروا السور المحيط بمعبد الرامسيوم، ووصلوا إلى الجزء الجنوبى منه، وجاء لهم الكاتب بنتاورت "لكى يسكتهم وأعطاهم خمس وخمسين كعكة".

ويقول بريك إن العمال المتظاهرين عادوا إلى معبد الرامسيوم ثانية، واعتصموا بعد جدال مع كهنة المعبد ودخلوا إلى فنائه، فجاء إلى المعبد الكاتب بنتاورت ورئيس الشرطة منتومس وبعض مسئولى الإدارة وأثناء إقناعهم، ذهب بنتاورت إلى عمدة طيبة لعرض مطالب المتظاهرين ولكنه عاد خالى الوفاض.

واستمر العمال يعرضون مطالبهم فى توفير المأكل والمشرب والملبس، وطالبوا بعرضها على فرعون مصر رمسيس الثالث أو وزيره "تو".

ويشير الدكتور منصور بريك إلى أنه فى اليوم الثالث عشر حدث أمر عجيب وهو أن رئيس الشرطة منتومس - ربما تعاطف مع العمال لعدم توفير الإدارة حلولا لمشاكلهم - طلب من العمال المتظاهرين التجمع من أجل قيادتهم للاعتصام فى معبد سيتى الأول بالقرنة، وحاولت الإدارة إيجاد حلول مؤقتة، فقررت صرف كمية من القمح لكل عامل من المتظاهرين. وبحسب بريك، لم يف هذا حاجة العمال فلجأوا إلى طريقة جديدة وهى الاعتصام ليلا وهم يحملون المشاعل.

ويقول بريك، فى اليوم الثامن والعشرون من بدء التظاهر والاعتصامات كان الوزير "تو" عائدا من مهمة جمع تماثيل الآلهة من المعابد المحلية جنوبى الأقصر من أجل عيد تتويج الملك الذى كان يقام فى منف - العاصمة القديمة لمصر - وحاول رئيس الشرطة الجديد "نب سمن" مقابلته أثناء مروره بالأقصر من أجل عرض مطالب العمال المتظاهرين، ولم يستطع الوزير سوى إيجاد حل مؤقت، وهو صرف نصف الأجور المتأخرة.

وتابع، شهدت تلك التظاهرات الاعتصام بمعبد الملك مرنبتاح، وعندما حاول عمدة طيبة مناقشتهم صرخوا فيه مما جعله يهرب ويرسل لهم الجناينى منيوفر ومعه كميات من القمح ليوزعها عليهم.

وبعد أيام من التظاهر قام زعيم العمال "بن انوكى" بعرض مطالب العمال والمشاكل التى تحدث فى الجبانة من وراء الفرعون، ووجه اتهامات خطيرة لاثنين من المسئولين المهمين وهما وسرحات وبنتاورت وهى سرقة أحجار من مقبرة الملك العظيم رمسيس الثانى وثور مرقط وعليه علامة معبد الرامسيوم ومجامعة ثلاث سيدات متزوجات.

كما ألمح إلى تستر الوزير حورى على هذه الجرائم، وطالب العامل بعرض المطالب والاتهامات على رمسيس الثالث أو وزيره تو، وتمثلت تلك المطالب فى صرف الأجور المتأخرة ومحاربة الفساد الذى تفشى بين رؤسائهم وإيصال صوتهم إلى فرعون مصر ووزيره.

واستجاب الحكام لتلك المطالب، لينتهى أول إضراب وتظاهرات عمالية يشهدها التاريخ غرب الأقصر قبل أكثر من 3500 عام.

وبحسب عالم المصريات الدكتور أحمد صالح عبد الله، فقد بلغ عدد سكان هذه المدينة فى أوج ازدهارها 400 أسرة، أى أن معدل السكان كان حوالى خمسة آلاف نسمة - متضمنة أسر العمال والشيوخ والأطفال - وكانوا ينقسمون إلى مجموعتى "أهل اليمين" و"أهل اليسار"، وربما كان انقسامهم عائدا إلى طريقة عملهم فى المقابر الملكية التى كانوا يعملون بها، حيث يقسم العمل إلى مجموعتين، إحداهما تعمل يمين المقبرة والأخرى على اليسار.

وكان المسئول عن كل مجموعة، سواء فى المقبرة أو المدينة شخص يحمل لقب "كبير العمال"، يعينه الوزير وكان يقوم بتوزيع العمل على العمال، ويشرف على توزيع الحصص التموينية "الأجور"، ويساعده فى عمله "نائب كبير العمال"، ثم يأتى فى المرتبة الثالثة "كاتب المقبرة" الذى كان يسجل العمل المنفذ فى المقبرة الملكية، ويسجل المتغيبين عن العمل، ويوزع مواد وأدوات البناء من المستودعات الملكية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة