لم يحصل عمال مصنع سمنود للوبريات (شمال القاهرة)، على مرتباتهم منذ ثلاثة شهور بسبب توقف مصنعهم لعدم توافر القطن، أما فى مدينة المحلة (دلتا النيل) بالقرب منهم، فيعمل أكبر مصنع للمنسوجات فى مصر "غزل المحلة" بـ30% من طاقته فقط، لعدم توافر المواد الخام ما يهدد بتسريح العمال.
هذه الأوضاع ومثيلاتها تنذر بعواقب وخيمة، أو "انفجار عمالى"، فالعمال طرقوا كل الأبواب لحل المشكلة حتى أنهم عرضوا المساهمة من مرتباتهم، إلا أن الشركة القابضة لم تتحرك، ووعود وزير الاستثمار أسامة صالح بضخ أمول للمصانع لم تنفذ.
وشهدت مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 ارتفاعا شديدا فى وتيرة الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات التى قادتها الفئات العمالية، التى ترفع مطالب اقتصادية واجتماعية، ومطالب أخرى خاصة بتحسين بيئة العمل.
ومع احتفال العمال بعيدهم اليوم الأربعاء، أظهرت بيانات "مؤشر الديمقراطية" التابع للمركز التنموى الدولى بمصر، الصادرة مؤخرا، أن الاحتجاجات التى وقعت فى الأشهر الثلاثة الأولى فقط من عام 2013، بلغت 2782 متجاوزة الاحتجاجات التى وقعت على مدار عام 2010، والتى بلغت 2210، كما فاقت أيضا إجمالى الاحتجاجات التى وقعت طوال عام 2012، والتى بلغت 2532 إضرابا واحتجاجا، فى عيدهم الثالث بعد الثورة، عمال مصر لا زالوا فى انتظار الفرج.
ويقول سيد حبيب، القيادى العمالى بشركة غزل المحلة، وهو أحد المشاركين فى الإضرابات الكبرى فى المحلة قبل الثورة عام 2008، وبعد الثورة عام 2012، "إن الأوضاع الآن أصبحت سيئة جدا، وسياسة الحكم تسير على نفس النمط، وهنالك حراك عمالى غاضب، ربما ينقلب إلى مظاهرات وإضرابات إذا لم يتم الاستجابة للمطالب المشروعة".
ويطالب العمال المصريون من قبل ثورة 25 يناير الثانى 2011، بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وتطبيق حد أدنى وأقصى للأجور، وإقرار قانون الحريات النقابية للسماح لهم بتنظيمات أكثر قوة تعزز من قدرتهم على التفاوض مع أصحاب الأعمال والدولة.
إلا أنه وفى العيد الثالث للعمال بعد الثورة، اليوم الأربعاء، فإن عمالا مصريين يجدون أنفسهم مضطرين للتظاهر فى ميدان التحرير، مهد الثورة على الرئيس السابق حسنى مبارك، ضد تدهور أوضاعهم فى ظل أزمة اقتصادية سببها الاضطراب السياسى المستمر منذ عامين، ويقول الكثيرون منهم إنه لا يوجد سبب للاحتفال، ويتهمون الرئيس المصرى الحالى محمد مرسى وحكومته باتباع نفس سياسات النظام السابق.
وتحذر نادين عبد الله، باحثة زائرة متخصصة فى الحركات الاجتماعية بالمركز الألمانى الدولى للدراسات فى القاهرة، من أن استمرار الأوضاع يهدد الاستقرار فى مصر، موضحة أن قوة أى نظام هى فى أحداث أكبر قدر من التوافق بين القوى السياسية والاجتماعية، وأن من مصلحة النظام الحالى التوافق مع القوى العمالية، خاصة أن البلاد مقبلة على فترة صعبة ستشهد ارتفاعا فى الأسعار.
وتلفت عبد الله إلى "أن الدولة قد تكون فى حالة لا تسمح لها بالاستجابة لمطالب العمال، إلا أنها لم تعمل حتى على تلبية المطلب التنظيمى للعمال بإصدار قانون الحريات النقابية الذى سيؤدى إلى استقرار فى سوق العمل".
حيث إن مخاوف العمال تؤكدها الأرقام، فبحسب اتحاد العمال الرسمى فقد وصل عدد العمال المفصولين بعد الثورة إلى 35,000 عامل، كما تم غلق أكثر من 4,500 فى نفس الفترة، وانعكست هذه الأرقام فى معدلات الاحتجاج، حيث تشير إحصائيات مؤشر الديمقراطية التابع للمركز التنموى الدولى بمصر إلى تضاعف متوسط الاحتجاجات خلال 2013 إلى 4 أضعاف المتوسط عام 2010.
ويقول كمال أبو عيطة، رئيس الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة، "إن العمال جزء أساسى من الدولة، ولكن أحوالهم تتراجع أكثر وأكثر إلى الخلف، ومسلسل فصل النقابيين بسبب نشاطهم مستمر أكثر من أيام مبارك، وكذلك تسريح العمالة، ورفض الدولة استرداد مصانع منهوبة، وحرياتنا النقابية فى تراجع مستمر".
ويضيف أبو عيطة أن تزايد الاحتجاجات ليس له هدف سياسى، ولكنه يعكس تراجع الحقوق، وهو مستمر ويعنى مزيدا من الإضرابات وتزايد احتمالات "ثورة الجوع"، موضحا أنه لن يحتاج العمال إلى الاحتجاج إذا كان هنالك نقابة توحد جهودهم، وتسعى وراء حقوقهم من خلال المفاوضة الجماعية مع الإدارة، فالإضراب يحدث لفتح قناة اتصال فقط.
وينتقد العمال قانون النقابات الحالى، الذى لا يسمح للعمال فى صناعة ما، إلا بالحق فى تكوين نقابة عامة واحدة على مستوى الجمهورية، و"النقابات تكون الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ويصدر قرار من السلطة التنفيذية بإجراء انتخاباتها، التى عادة ما كانت تشهد تزويرا فى عهد الرئيس السابق مبارك، وكانت لا تتدخل فى حل مشاكلهم، كما أن هذا النظام الذى يخضع الاتحاد العام للنقابات لسيطرة السلطة التنفيذية يسمح للحاكم بالسيطرة على الحركة النقابية العمالية"، بحسب قيادات عمالية.
ويخوض العمال مناقشات مع وزير القوى العاملة خالد الأزهرى، المنتمى للإخوان المسلمين، حول قانون نقابات جديد من المقرر إصداره قريبا، بخلاف القانون الذى أعده الوزير السابق، أحمد البرعى، إلا أن نادين عبد الله تقول أن "القانون الذى تدعمه جماعة الإخوان يعطى سلطة مركزية أكبر للاتحاد الرسمى".
وتشير عبد الله إلى أن أكثر من 65% من القوة العاملة فى مصر، التى تبلغ أكثر من 23 مليون نسمة، غير منضم لأى تنظيمات نقابية، وعلى الرغم من التطور الذى تشهده الحركة النقابية، إلا أن إدماج هؤلاء يجب أن يحظى بأهمية شديدة.
وتغيرت قيادة الاتحاد الرسمى مرتين منذ ثورة 25 يناير/كانون الثانى 2011، حيث تمت الإطاحة برئيس الاتحاد الأسبق حسين مجاور، عضو الحزب الوطنى "الحاكم سابقا"، وتم تعيين لجنة لإدارة الاتحاد، قبل أن يعدل الرئيس المصرى محمد مرسى قانون النقابات لمنع من هم فوق سن الستين من العمل النقابى، لتأتى إدارة جديدة فى نوفمبر/ تشرين الثانى الماضى.
ويتفق جبالى المراغى، رئيس الاتحاد الحالى، مع القول بأن الوضع "سيئ"، ولكنه يقول "إن العمال أذكياء ويعلمون أن الاتحاد بجانبهم، حيث أجريت أكثر من 2800 مفاوضة جماعية من النقابات العامة التابعة للاتحاد، مضيفا "أنه منذ تولى (المراغى) الإدارة الجديدة فى نوفمبر/تشرين الثانى الماضى، أصبح رئيس النقابة العامة ملزما بالتواجد مع العمال فى الإضراب".
ويرفض المراغى أن تكون هناك أكثر من نقابة عمالية، حيث ستتشتت جهود العمال فى التفاوض مع الإدارة".
ويقول "إن الاتحاد ليس تابعا تبعية كاملة للجهة الإدارية، وإنما هى تصدر قرارات الانتخابات فقط"، متهما المطالبين بالتعددية النقابية بالفشل فى دخول الاتحاد عن طريق الانتخابات، ويسعون "للأضواء والشهرة"، على حد قوله.
وانتقد المراغى قانون العمل الحالى الذى وصفه بـ"المجحف" حيث يتيح لصاحب العمل فصل العامل تعسفيا، وفى حالة اللجوء للقضاء لا ينفذ الحكم مقابل غرامة مائة جنيه فقط "15 دولارا"، مشيرا إلى أنهم "الاتحاد العام" طالبوا رئيس الوزراء هذا الأسبوع بتعديل قانون التأمين الصحى، وقانون العمل، وأن يشارك الاتحاد فى صياغة التشريعات الخاصة بالعمال، وتم مقابلة طلباتهم بـ"جدية"، كما يرى.
وفى تقرير لـ "مؤشر الديمقراطية" أشار إلى الإضرابات التى قادها العمال بنسبة 50%، ولم يتحدث التقرير عن الإضرابات التى وقعت فى عام 2011، والتى شهدت الثورة، وفيما يلى أبرز الاحتجاجات العمالية فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير بمصر.
-إضراب سائقى السكك الحديدية (أبريل 2013)
حيث نظم سائقو السكك الحديدية إضرابا استمر لعدة أيام، وتوقفت خلالها حركة القطارات تماما، مطالبين بصرف بدل إضافى وزيادة الحوافز، وتم إنهاء الإضراب بعد تدخل الجيش، وتوفير سائقين على قوته.
- إضراب عمال وبريات سمنود (دلتا النيل) (أبريل 2013)
نظم عمال شركة وبريات سمنود "متخصصة فى صناعة الصوف" إضراب شامل عن العمل لعدم صرف رواتبهم لأكثر من ثلاثة أشهر، ولا تزال احتجاجات العمال مستمرة.
- إضراب عمال مصنع فرج الله فى مدينة الإسكندرية شمال مصر (فبراير 2013)
نظم عمال مصنع فرج الله للمنتجات الغذائية إضرابا شاملا للمطالبة بتثبيت العمالة المؤقتة، وتحسين المرتبات وصرف نسبة العمال فى الأرباح، إلا أن رد الإدارة كان بإغلاق المصنع قبل أن تعود فى قرارها بعد التوصل إلى تسوية مع العمال.
-إضراب سائقى مترو الأنفاق (نوفمبر 2012)
نظم سائقو مترو الأنفاق بالقاهرة إضرابا شاملا عن العمل، للمطالبة بإقالة رئيس جهاز المترو، وصرف بدلات إضافية، واستمر الإضراب لعدة ساعات صاحبها شلل مرورى فى العاصمة، قبل أن يستأنف السائقون العمل بعد تقديم رئيس الجهاز استقالته.
- إضراب سائقى النقل العام (سبتمبر 2012)
نظم سائقو حافلات النقل العام إضرابا شاملا، للمطالبة بنقل تبعية هيئة النقل العام إلى محافظة القاهرة بدلا من وزارة النقل، أو إنشاء جهاز مستقل للهيئة يتبع رئاسة الوزراء، واستمر الإضراب عدة أيام قبل أن يتدخل الجيش بتوفير أتوبيسات بديلة تابعة له لتسيير حركة النقل.
- احتجاجات عمال غزل المحلة (دلتا النيل) (يونيو– يوليو 2012)
تظاهر عمال شركة غزل المحلة للنسيج، للمطالبة بمساواتهم بعمال مرفق النقل العام فى زيادة مكافأة نهاية الخدمة للعمال الذين يبلغون سن التقاعد من شهر لشهرين عن كل عام خدمة، لافتين إلى أنهم قطاع منتج، ويجب تقديرهم مثل القطاعات الأخرى.
واستمر عمال غزل المحلة فى إضرابات مستمرة طوال شهرى يونيو ويوليو، وأعلن عمال شركة غزل طنطا "دلتا النيل" عن تضامنهم الكامل مع إضراب عمال شركة غزل المحلة.
- إضراب المراقبين الجويين (أكتوبر 2011)
نظم المراقبون الجويون بمطار القاهرة إضرابا جزئيا لمدة أربع ساعات، بعد إلغاء زيادة فى المرتبات، ما تسبب فى إرباك حركة المسافرين.
فى عيد العمال.. 2782 احتجاجا فى الثلاثة أشهر الأولى لـ2013.. مقارنة بـ2210 عام 2010.. وزيادة الغضب ينذر بـ"انفجار عمالى".. وتحسين الأوضاع وتطبيق حد أدنى وأقصى للأجور والحريات النقابية أبرز المطالب
الأربعاء، 01 مايو 2013 01:26 م
أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة