فجر انسحاب المجموعة "الاستشارية"، صاحبة الخبرة فى مجال النقل البحرى واللوجستيات بقيادة الدكتور عصام شرف وزير النقل ورئيس الوزراء الأسبق، من المشاركة فى وضع وتنفيذ مشروع قانون لتنمية محور قناة السويس تساؤلات عديدة وعلامات استفهام لدى العاملين والمهتمين والباحثين فى مجال النقل البحرى بمصر.
جاء الانسحاب فى وقت عصيب تمر به صناعة النقل البحرى بمصر، خاصة مشروع شرق بورسعيد والميناء المحورى، الذى اعتبره خبراء الملاحة بمصر أنه قادر على قيادة قاطرة التنمية المصرية، وأيضاً بعدما تعطل تنفيذ المخطط العام للمشروع، الذى قام بتصميمه أكبر مكاتب تخطيط الموانئ فى العالم وأطلقته الحكومة فى مؤتمر عالمى فى أكتوبر2008.
وكان من المفترض وفقا للمخطط العام، أن تنتهى مرحلته الأولى عام 2015 وتضم ثمانية مشروعات فقط بمنطقة الميناء، فى الوقت الذى لا يعمل بالمنطقة حالياً فى منتصف 2013 سوى مشروع واحد لمستثمر أجنبى "دانماركى"، وهى محطة قناة السويس للحاوياتs c c t، وهذا الأمر جعلها فى وضع احتكارى بالنسبة لنشاط تداول الحاويات، وبما يعد شهادة على عدم جدية حكومات ما قبل الثورة وبعدها فى استكمال المشروع الكبير الذى يحول المنطقة إلى دبى أو هونج كونج جديدة بمصر.
ولعل سبب الحزن والدهشة التى دارت بين خبراء النقل البحرى وخاصة المحبين لهذا الوطن، هو الخبرات التى اكتسبها غالبية أعضاء فريق عصام شرف من التعامل مع المعطيات الدولية فى المجال قبل سنوات طويلة من وضع المخطط العام وبعده، ثم اشتراكهم فى وضع لبنات تنفيذ "الحلم الكبير" التى تلت وضع المخطط العام، ومنها وضع المعايير الأساسية لكراسة شروط تنفيذ المشروعات بواسطة أفضل عشر أساتذة من الجامعات المصرية على مدار عام ونصف بداية من 2006، أى بعد افتتاح محطة الحاويات بالمشروع العملاق على يد الرئيس السابق حسنى مبارك بعامين، وتكلف ذلك ملايين الجنيهات من خزينة الدولة ووزارة النقل، بما فى ذلك مؤتمرات دولية ودعوة خبراء بعينهم على مستوى العالم عام 2006، والمؤتمر الدولى فى أغسطس 2008 ببورسعيد أثناء وجود محمد لطفى منصور على رأس وزارة النقل.
وأرجع باحثون فى مجال النقل البحرى واللوجيستيات دهشتهم من انسحاب "الفريق الاستشارى" إلى علمهم بأن الفريق المنسحب يضم كل نجوم الصف الأول فى تلك الصناعة التى تمثل الخبرة فيها العنصر الرئيسى والمهم، ويتزامن مع تلك الدهشة مخاوف من أن يتولى تسيير المشروع شخصيات قليلة الخبرة، أو ليس لها علاقة بالنقل البحرى، ومخاوف أخرى من انقطاع التواصل بين مجموعة العمل الجديدة وبين شخصيات لديها خلفية عن الخطوات الجادة والمثمرة التى اتخذت خلال الأعوام الماضية، والتى كان على رأسها أعمال التسويق التى قام بها أحد أعضاء الفريق، والذى كان يتولى رئاسة ميناء بورسعيد فى فترة وضع لبنات المخطط العام، ونتج عن جهوده أن تصل الآن موانئ بورسعيد إلى احتلال المركز الثانى بجدارة فى تداول الحاويات على مستوى موانئ البحر المتوسط والأول على الموانئ الأفريقية، ووفقاً لمعدلات التنمية بالنشاط بالميناء، سيحتل المركز الأول على موانئ البحر المتوسط العام المقبل.
ولعل ما زاد من مخاوف المهتمين بمجال النقل البحرى، تصريحات وزير النقل الحالى حاتم عبد اللطيف، أثناء زيارته الأسبوع الماضى لميناء شرق بورسعيد عن نية الحكومة إعداد مخطط عام جديد للمنطقة فى غضون ثمانية أشهر، ما يوحى بعدم الاعتبار بالمخطط القديم، برغم أنه نفى إلغاء المخطط العام القديم فى تصريحات صحفية عقب نشر ما قاله بشرق بورسعيد فى وسائل إعلامية.
وحذر خبراء وباحثون فى اقتصاديات النقل البحرى من خطورة اختزال مشروع شرق بورسعيد فى محطة حاويات وحيدة وهى العاملة الآن فقط منذ افتتاح المشروع للعمل فى 2004، وأشار الخبراء إلى خطورة عدم تنفيذ المشروعات بالمخطط العام وأهمها تأخر شق القناة الجانبية للميناء لاستيعاب حركة السفن التى ستتعامل مع المحطات والأرصفة الأخرى التى سيتم إنشاؤها، وقال الخبراء أن هذا التأخير من شأنه أن يكرس الاحتكار للمستثمر الدانماركى الوحيد الذى حصل على حق الانتفاع بالمحطة الحالية ويعطى الفرصة – طالما أن مشروعاتنا معطلة - لإسرائيل لتقود الصناعة والخدمات اللوجيستية بمنطقة جنوب وشرق البحر المتوسط، وكما خططت لها أمريكا فى خطة الشرق الأوسط الجديد، وفقاً لذلك فمن الطبيعى ألا تنمو منطقة شرق بورسعيد التى تبعد عن جنوب إسرائيل والأراضى المحتلة حوالى 200 كم فقط حتى لا تتعارض مع التنمية الإسرائيلية – كما يواجه المشروع تحديات أخرى تتمثل فى تهديدات غير معلنة لـتأثيره على مصالح بعض الدول فتحاول أن تدمره، ويتوه حلم مصر الاقتصادى فى أن تقود منطقة شرق بورسعيد قاطرة التنمية بمصر.
عداد السفن المزايدة مع مشروعات الميناء المستقبلية القريبة مما يعد كارثة حقيقة، ووفقاً لرأى محمود التهامى عبد الرحمن الباحث فى اقتصاديات النقل البحرى، فإن السفن المتعاملة مع ميناء شرق بورسعيد حركتها مقيدة بنشاط قناة السويس، لأنها تستخدم الممر الملاحى للقناة، لذلك فإن عدد السفن المتعاملة مع ميناء شرق بورسعيد ترتبط بعلاقة عكسية مع عدد السفن العابرة للقناة، ولما كانت الأرقام تشير إلى زيادة عدد السفن بقناة السويس فإن من الطبيعى أن يقل عدد السفن المتعاملة مع ميناء شرق بورسعيد الذى لا يعمل سوى بواحد على سبعين جزءاً من طاقته المخططة.
وقال التهامى، إنه من المعروف أن ميناء بورسعيد تم التخطيط له على أن يكون ميناء متكامل يضم عدداً كبيراً من محطات حاويات ومحطات لسفن البضائع العامة ومحطات لسفن الدحرجة ومحطات لوقود السفن ومحطات للصب السائل، فإن الوصول إلى تحقيق كلمة "ميناء" على المشروع لم يتم حتى الآن لأن الحاصل الآن، إن بشرق بورسعيد "محطة حاويات فقط" اسمها "شركة قناة السويس للحاويات".
وتابع: أياً كان الأمر فالميناء يتطلب قناة ملاحية مستقلة عن قناة السويس تستوعب عدد غير محدود من السفن وفى المواعيد المناسبة لعمليات تشغيل الميناء وليس وفقا لخطط تشغيل قناة السويس وهذه هى مصلحة الوطن، أما ما يحدث حالياً فهو يخدم الشركة الدانمركية الموجودة حاليا فى ميناء شرق بورسعيد وهى مجرد شركة تدير محطة واحدة على رصيف حاويات طوله 1200 متر يضاف إليها 1200 متر أخرى قريبا فى مراحل تالية، وهذا يشكل احتكارا يجبرنا عليه الوضع الحالى لقيود الدخول والخروج إلى الميناء، مؤكداً أن تعطيل شق هذه القناة كان يرجع قبل الثورة إلى سوء التخطيط وغياب الإرادة السياسية عن تنمية المنطقة وكأن أحداً يحاول أن يعرقل مصر من الانطلاق لتنمية سيناء، والآن يرجع إلى التردد فى اتخاذ القرار.
وأضاف التهامى، أن إنشاء من 3 – 5 محطات أخرى بميناء شرق بورسعيد قبل عام 2015 يمثل قوة دفع كبرى لمخطط الميناء ككل والمنطقة بأسرها وسوف تستفيد المحطة الأجنبية العاملة حاليا فى الميناء، حيث تصل ساعات الانتظار للسفن المتعاملة معها إلى 14 ساعة وبالطبع فإنه لا يضير مصر أن يستفيد المستثمر الأجنبى، ليكون ذريعة لجذب المستثمرين على مستوى العالم لمصر دون غيرها من الدول.
وأكد التهامى "أنه من غير الجائز ان يكون أمر إنشاء قناة ملاحية مستقلة لأى ميناء محل جدل، ويؤكد أيضاً أن إنشاء ميناء شرق بورسعيد لم يقوم فقط على مجاورته لقناة السويس وإنما قام على عبقرية المكان الذى يتوسط العالم، وتظل قناة السويس هى قناة السويس، ويظل ميناء شرق بورسعيد مستقلاً، خاصة وان التخطيط قائم على أن تكون منطقة شرق بورسعيد منطقة اقتصادية العائد منها يفوق أضعاف أضعاف ما تجبيه الخزانة العامة من دولارات قناة السويس.
وأشار التهامى إلى أن عقد الامتياز الذى تم بين الحكومة المصرية وبين الشركة الأجنبية فى ميناء الشرق تضمن عدة نصوص تجعل المستثمر فى وضع احتكارى، أهمها "ضمان الدولة المصرية بألا يزيد حجم التداول بميناء بورسعيد عن 600 ألف حاوية وبميناء دمياط عن 1.2 مليون حاوية، والمحطتان تديرهما شركات وطنية مملوك معظمها للحكومة، ثم أنه من الواضح أن محطة بورسعيد الوطنية بميناء غرب بورسعيد تداولت مليون حاوية (بعد تعديل العقد وفك الاحتكار فى 2007 مقابل زيادة مدة الامتياز 14 عاما - رغم ذلك فقد تضررت المحطات الوطنية بسبب انسحاب بعض الخطوط الملاحية إلى المحطة الأجنبية ولم يكن ذلك يحدث لولا إلغاء بند الاحتكار فى ملحق العقد الذى كتب فى 2007، كذلك ما كانت الحكومة المصرية سوف تستطيع التعاقد على أنشاء محطة حاويات جديدة بميناء دمياط بطاقة 2 مليون حاوية .
و قال: يبدو ان المفاوض المصرى لم يكن جادا فى كسر الاحتكار الذى منح لمجموعة - أيه بى موللر – المستثمر الاجنبى بشرق بورسعيد – أو أن المستثمر كان أكثر ذكاءً من المفاوض المصرى، فالذى يبدو فى نصوص العقد المعدل أن الأجنبى قد تنازل عن حقه فى الاحتكار مقابل زيادة مدة العقد 14 سنة إضافية، وبناء على ذلك سمح بإطلاق العنان للمحطات الوطنية، ورضخ لطلب الحكومة ببيع 20% من الأسهم للحكومة الصينية التى سعت لإنشاء محطة حاويات ثانية فى شرق بورسعيد بواسطة إحدى شركات الخط الملاحى العالمى كوسكو.
وقد اتضح أن المستثمر الدانماركى كان أكثر ذكاءً، لأنه تبين لنا أن الاتفاق مع شركة الحكومة الصينية، كان جزءاً من اتفاق كبير يعطى الحق للشركة الدانمركية بإنشاء محطة حاويات بالصين مقابل بيع 20% من أسهم الشركة الدانمركية للجانب الصينى بمصر، أما الشركة الصينية فقد اكتفت بنسبة المساهمة بميناء شرق بورسعيد وأنشأت محطة حاويات مستقلة بميناء - بيريه باليونان - بعدما سددت للحكومة اليونانية 60 مليون دولار لتسمح لها باستغلال أرصفة الميناء وإنفاق60 مليون دولار أخرى لتطوير المحطة اليونانية.
التهامى: وقال لابد من شق القناة الملاحية الآن ليصبح ميناء وليس محطة حاويات، وأن ذلك سيؤدى إلى الإسراع فى تنمية منطقة شرق بورسعيد ككل، وتفعيل مشروع ميناء شرق بورسعيد بالكامل الذى أصبح متاحا الآن بعد أن كان مغلقاً.
يذكر أن مجموعة المستشارين التى كان يقودها الدكتور عصام شرف بمشروع تنمية محور قناة السويس تعلم تلك الأمور بكامل تفاصيلها الدقيقة، فمن سيكمل مسيرة التفاوض مع المستثمر الأجنبى، وما هى الشركة أو بيت الخبرة العالمى الذى سيضع مخططا عاما جديدا للمنطقة الأكثر أهمية بين موانئ العالم؟
يذكر أن قراراً جمهورياً صدر عام 1997 بتخصيص 220 كيلو متراً مربعاً لإقامة المشروع العملاق بشرق التفريعة "شرق بورسعيد" وتم تقسيم المشروع إلى - ميناء محورى 35،4 ك م 2 - ومنطقة صناعية 87،6 ك م 2 - ومنطقة سياحية وإدارية واستزراع سمكى وأراضى زراعية، وطرحت الأراضى للمستثمرين وتقدمت 12 شركة تم تخصيص 44 كيلو متراً مربعاً لـ11 منها، وأقامت الحكومة خط سكة حديد من بئر العبد إلى الميناء المحورى وطريق دائرى وشريانى بطول 24 كيلو متراً وخط للغاز الطبيعى ومحطتين محدودتين للكهرباء والضغط العالى ومحطة للضغط المنخفض وأخرى لمحولات النقالى، بالإضافة إلى محطة تنقية مياه.
ومن المعروف وفقاً لأبحاث خبراء الملاحة، أن عمليات تطوير الموانئ أو إنشاء الجديد منها يكون وفقا للحركة السريعة فى تنمية العمل بنشاط الحاويات المتلاحق كل يوم، وأن الشركات الكبرى والخطوط الملاحية العالمية سوف لا تنتظر من يتأخر عن التطور، فالدول التى تستغل الفرص وتنشئ الموانئ بخدماتها وتسهل الإجراءات للمستثمر الأجنبي، تكون قبلة للاستثمار العالمى، مثلما حدث فى طنجة بالمغرب التى أنشأت ثلاث محطات حاويات فى الوقت الذى بدأت فيه التنفيذ بعد إنشاء محطة وحيدة حتى الآن بشرق بورسعيد منذ تسع سنوات، فيجب الإسراع فى إنشاء المحطات متعددة الأنشطة بشرق بورسعيد قبل 2015، حتى لا تفوت على مصر فرصة كبيرة، سوف لا تجدها مرة أخرى.
"اليوم السابع" يفتح ملف تأخر مشروعات شرق بورسعيد.. انسحاب مجموعة عصام شرف يثير مخاوف على مستقبل صناعة النقل البحرى.. باحثون: الآن يجب شق القناة الملاحية الجانبية قبل إنشاء محطات جديدة
الأربعاء، 01 مايو 2013 03:03 م
حاتم عبد اللطيف وزير النقل