رأفت محمد السيد يكتب: نهر النيل من التقديس إلى الضياع

الثلاثاء، 09 أبريل 2013 02:01 م
رأفت محمد السيد يكتب: نهر النيل من التقديس إلى الضياع نهر النيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المسلمات التاريخية، أن نهر النيل بالنسبة لمصر والمصريين ليس فقط شريانا للحياة ومرادفا للتنفس، بل هو أيضا جزء من الوجدان العميق لأبناء هذا الشعب على مر العصور،‮ باعتباره واهب الحياة،‮ ‬وسر الوجود‮، وقد لا يعرف الكثيرون أن نهر النيل من فرط أهميته للمصريين منذ فجر التاريخ، أن الفراعنة قدسوه فى بعض المراحل،‮ ‬وجعلوا منه إلها وسموه‮ "‬حابى‮"‬، وكانت تقدم له القرابين فى عيد وفاء النيل‮.

وعندما زار هيرودوت مصر،‮ ‬أدرك هذا الارتباط الأزلى العميق،‮ ‬فأطلق مقولته الشهيرة‮ "‬مصر هبة النيل‮"، ورغم أن نهر النيل هو الحياة بالنسبة للمصريين إلا أن المسئولين فى مصر لم يفطنوا حتى هذه اللحظة إلى حجم الخطر الذى يحيط بنا، والمؤامرات التى تدبر للتحكم فى موارد مياه نهر النيل، لاسيما من عدونا اللدود الذى يتربص بنا على الحدود، فقد شغلت الصراعات السياسية الدائرة بين الأحزاب والأفراد لتحقيق مصالح شخصية المجتمع ككل، إلى حد عدم إدراك خطورة ما نحن فيه الآن.

إنه خطر عام قد يتسبب فى هلاك المصريين جميعا، فهل يتصور أحد أن المستقبل القريب جدا ستكون فيه نقطة المياه أغلى من نقطة البترول، هى سنوات قليلة لو لم نستيقظ من ثباتنا العميق، ويتحقق ما أقول وما قاله قبلى الكثير.

فمنذ أن انفجر الخلاف حول الاتفاقية الإطارية لمبادرة حوض النيل، وتوقيع عدد من دول المنابع بشكل منفرد "اتفاقية عنتيبى" فى مايو‮ ‬2010، أصبحت أزمة مياه النيل أحد الشواغل الرئيسية فى مصر، لاسيما بعد أن وقعت أربع دول هى إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا فى 14مايو 2010، بعد مشاورات مكثفة جرت فى مدينة عنتيبى الأوغندية،‮ ‬ثم سرعان ما لحقت بها كينيا بعد ذلك بوقت وجيز، لتجد مصر نفسها فى مواجهة مفتوحة بشأن قضية من أخطر القضايا التى تتصل بشكل مباشر بأمنها القومى، ‮ ‬وقدرتها على توفير الوسائل والإمكانيات اللازمة للاستمرار فى عملية التنمية،‮ ‬وتوفير سبل العيش لأبنائها، حيث كانت هذه التطورات مفاجئة وغير مفهومة، ‬فى سياق التصريحات المطمئنة التى عاش المصريون فى ظلها لسنوات.

وكالعادة أصبحت الأزمة ما بين التهوين تارة، والتهويل تارة أخرى من جانب الإعلام حيث لوحت بعض الأقلام إلى الحديث عن الحرب الحديثة بشكل أو بآخر، ولجأ البعض الآخر إلى التهوين من شأن الأزمة، أو ما قد يترتب عليها‮.

وأصبحت قضية المياه واحدا من الموضوعات الجاذبة لوسائل الإعلام، بحثا عن المعلومات والتحليلات، فى محاولة لاستكشاف الآفاق المحتملة لهذه التطورات‮.

ولايقف الأمر عند حد توقيع عدد من دول المنابع بشكل منفرد، ولكن تجاوز الأمر ذلك بكثير بالنسبة لأزمة الخلاف حول نصوص الاتفاقية الإطارية، والكيفية والطريقة التى تعاملت بها مجموعة الدول التى وقعت هذه الاتفاقية،‮ ‬فقد كان لها مؤشرات وإشارات ودلالات أخرى كثيرة تعكس أن مكانة مصر وثقلها الإقليمى فى حالة تراجع كبير‮.

‬ وقد ساد الإحساس لدى قطاع كبير من المهتمين والمتابعين بأن الأزمة ليست مقتصرة على مطالبات من دول المنابع بشأن احتياجاتها التنموية، ‬بل تتجاوز ذلك بكثيرلتحقيق أهداف أخرى ذات طابع سياسى وإستراتيجى بالنسبة لتصورات وطموحات بعض القادة فى هذه الدول، يضاف إلى ذلك انفصال جنوب السودان وتحوله إلى دولة مستقلة، مما مما زاد الأمور تعقيدا، لاسيما وأن مشروعات استقطاب الفواقد التى كانت تعول عليها مصر فى الحصول على كميات إضافية من المياه،‮ ‬تعينها على سد الفجوة المتزايدة فى احتياجاتها‮.‬

وعقب التغيرات التى حدثت ‮عقب ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير، والانشغال المصرى بالتفاعلات الهادفة إلى بناء نظام سياسى جديد، قامت دولة سادسة من دول المنابع،‮ ‬هى بوروندى‮ ‬بتوقيع اتفاقية عنتيبى، الأمر الذى سوف يقود إلى دخولها حيز التنفيذ، وقد تبع ذلك إعلان إثيويبا عن البدء الفعلى فى إنشاء سد النهضة، أو سد الألفية العظيم لتخزين مياه النيل، وزيادة حقها بمعدلات فائقة من اشقائها العشر دول "حوض النيل مما يسبب أضرارا كبيرة لقتل الثروة الزراعية والحيوانية، وتعطيش الموارد البشرية، وتصبح نقطة المياه فى الفترة القادمة عملة نادرة لمصر والسودان، متجاهلة اللجنة الثلاثية المصرية الإثيوبية السودانية التى تفاوضت من قبل لتقييم أثاره السلبية، كما تجاهلت أيضا كل الاتفاقيات التاريخية التى تلزمها بعدم البناء إلا بموافقة مصر".‬

وينبغى فى النهاية أن نؤكد أيضا أن ما تحصل عليه مصر من المياه، هو حق أصيل لها،‮ ‬وليس منحة من أحد، لأنه هبة من الله منذ آلاف السنين،‬ كما أن مجريات الحياة الاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬وقدرة مصر على البقاء على قيد الحياة تتوقف على نهر النيل،‬ ومن ثم،‮ ‬فإن مصر لديها قضية عادلة يجب أن تكون على رأس أولوياتها، على الحكومة المصرية أن تظهرللعالم كله أنها ستدافع عن هذه الحقوق المدعومة بالتاريخ،‮ ‬وبالقانون،‮ ‬وبالاحتياجات التى لا يمكن الاستغناء عنها‮، ما أسوأ حالك أيها النيل العظيم فبعد أن قدسوك أهملوك لدرجة الضياع وضياعك هلاك للمصريين، حفظ الله مصر وحفظ شعبها العظيم.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة