النائب العام هو ممثل المجتمع فى استيفاء حقه فى العقاب عن كل فعل من شأنه أن يخل بكيانه وبقائه، وذلك من خلال مباشرة الدعوى الجنائية سواء بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة، فهو وحده وكيل الهيئة الاجتماعية فى مباشرة تحريك الدعوى الجنائية ومتابعة سيرها حتى يصدر فيها حكم نهائى.
لذلك حرص الدستور الجديد فى المادة ( 173 ) منه على التأكيد على استقلاليته الكاملة من خلال آلية تعيينه فجاء نص فقرتها الثالثة قاطعاً فى أن:
"ويتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، بناءً على اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله".
ومن ثم كان لزاماً على السلطة التشريعية إجراء تعديل تشريعى فورى للمادة ( 119 ) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972م والخاصة بتعيين النائب العام لتتفق وصحيح حكم المادة ( 173) من الدستور بما يحقق مراد المشرع الدستورى فى تعيين النائب العام إذ أن نص المادة الدستورية غير قابل للتطبيق بذاته ويحتاج إلى تدخل تشريعى لتفعيله، حيث إن المشرع لم يكن يرى حالياً ضرورة للتدخل إذ أن تطبيق النص واقعاً كان أمامه أكثر من ثلاث سنوات بعد العمل بالدستور، غير أن هناك الآن حالة واقعية باتت تستوجب من المشرع التدخل لضبط هذه المسألة حتى لا يحدث فراغ فى أى وقت فى منصب النائب العام، وعليه يجب وضع ضوابط لاختيار النائب العام فى ضوء النص الدستورى، على نحو ما نصت عليه المادة بادية الذكر.
وبالرجوع إلى النص الدستورى نجد أننا أمام مراحل ثلاث لتعيين النائب العام تتمثل فى:
ترشيح من يستحقون شغل هذا المنصب يعقبها اختيار من مجلس القضاء الأعلى لواحد أو أكثر لكل فئة من الفئات الثلاث التى حددها الدستور وهم (نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء الاستئناف والنواب العامون المساعدون) ثم صدور قرار التعيين من قبل السيد رئيس الجمهورية لأحد هؤلاء المختارين، فالترشيح قد يأتى من الجمعيات العمومية للمحاكم المعنية بأى آلية يضعها القانون سواء بالانتخاب أو غيره تضمن توسيع دائرة الاختيار وتحقيق قواعد العدالة ومبادئ الشفافية والعلانية وتكافؤ الفرص بين كل من يصلح لشغل هذا المنصب الرفيع لضمان وصول الأكفأ منهم بالفعل.
ثم يأتى بعد ذلك المرحلة الثانية اللاحقة على الترشيح وهى مرحلة الاختيار بناءً على الترشيحات السابق ذكرها، وقصد المشرع الدستورى فى ترك الاختيار لمجلس القضاء الأعلى واضح بجلاء فى التأكيد على استقلال السلطة القضائية، هنا يكون الاختيار وفق ضوابط محددة تتمثل فى شروط شغل المنصب التى يجب أن يبينها القانون كأن يكون المرشح قد جلس على منصة القضاء لمدة عشر سنوات على الأقل حتى لا يأتى إلينا نائب عام يتندر عليه البعض بأنه لم يسبق له أن أمسك بقلم رصاص فى حياته الوظيفية بمعنى أنه لم يجلس على منصة القضاء ويكتب مسودة حكم، حيث جرت العادة على كتابة مسودات الأحكام بالقلم الرصاص. وألا يكون قد سبق انتدابه بإحدى الجهات الحكومية لفترة تزيد على خمس سنوات انتهت قبل تعيينه بعشر سنوات على الأقل. واشترط حصول المختار على أغلبية خاصة وليس الأغلبية العادية من أعضاء مجلس القضاء الأعلى.. إلى آخر الشروط والضوابط التى يتعين على المشرع وضعها حماية للمنصب وتأكيداً على حيدته واستقلاليته وجدارة من يشغله.
وتنتهى هذه المرحلة باختيار مجلس القضاء الأعلى لواحد أو أكثر من كل فئة من الفئات الثلاث التى يعين من بينها النائب العام يتأكد هذا المعنى من العطف بالواو بين فئات الاختيار والتعقيب بينها دون التخيير بـ( أو ) أى لابد أن ينتهى الاختيار بعرض الفئات الثلاث على السيد رئيس الجمهورية ليعين هو من بينهم، فالتعيين يكون من متعدد هو هنا هذه الفئات الثلاث المعروضة وليس الاختيار هو الذى يكون من بين هذه الفئات الثلاث، إنما يكون الاختيار فى واحد أو أكثر من داخل كل فئة، يتأكد هذا المعنى كذلك من ورود عبارة" ...، بناءً على اختيار مجلس القضاء الأعلى، ... " كجملة اعتراضية بين فصلتين فى النص الدستورى أى أن يعين (النائب العام) من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العام المساعدين، فالتعيين يجب أن يكون من بين هؤلاء وليس الاختيار فقط والقول بغير ذلك - على فرض اختيار مجلس القضاء الأعلى لواحد فقط ليعينه الرئيس - يعنى تقييد سلطة رئيس الجمهورية فى تعيين النائب العام على خلاف النص الدستورى، كما يتأكد المعنى أيضاً من عبارة ( بناءً على اختيار ) وهى تختلف جذرياً عن لفظ ( باختيار ) إذ تحمل عبارة ( بناءً على اختيار ) فى طياتها الاختيار من بين بدائل متعددة، كما هو الحال عندما يذكر النص القانونى عبارة (بناءً على قانون) ليمايز بينها وبين لفظ ( بقانون ) .
بعد ذلك تأتى المرحلة الثالثة وفيها يقوم السيد رئيس الجمهورية بوصفه رئيس الدولة ورأس السلطة فى مصر بإصدار قرار تعيين النائب العام من الخيارات المعروضة عليه فيكون لديه وهو الرئيس المنتخب الحكم بين السلطات مساحة للاختيار من بين أعضاء الطوائف الثلاث المعروضة عليه (نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء الاستئناف والنواب العامين المساعدين) ولو أراد المشرع الدستورى غير ذلك لنص صراحة على أن: (يصدر رئيس الجمهورية قراراً بتعيين من تم اختياره من مجلس القضاء الأعلى) وهو ما لم يقله المشرع الدستورى.
بهذه الآلية المعروضة يصبح لدينا نائب عام ساهم جموع القضاة فى اختياره وتم تعيينه بآلية ديمقراطية شفافة جمعت بين سلطتين إحداهما منتخبة انتخاباً مباشراً من الشعب (رئيس الجمهورية) والأخرى مستقلة لا سلطان عليها لغير القانون (السلطة القضائية) وقد تم اختياره منهم بعد ترشيح جمعياتهم العمومية.
وحتى تكتمل هذه الصورة الناصعة التى قصدها المشرع الدستورى لابد من إعادة النظر فى تشكيل مجلس القضاء الأعلى بالشكل الذى يضمن تمثيل جموع القضاة على نحو يكفل العمل الجماعى من أجل صالح القضاة لاسيما وقد أصبح للمجلس سلطات وصلاحيات دستورية لم تكن موجودة قبل ذلك، والاقتراح هنا أن يزيد عدد أعضاء مجلس القضاء الأعلى ليصبح ثلاثة عشر أو خمسة عشر عضواً، سبعة منهم بحكم وظائفهم وهم الحاليون ( رئيس محكمة النقض، رئيس استئناف القاهرة، النائب العام، وأقدم اثنين من نواب رئيس محكمة النقض، وأقدم اثنين من رؤساء محاكم الاستئناف) وستة أو ثمانية منتخبين من الجمعيات العمومية لمحكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، فوجود العنصر المنتخب بمجلس القضاء الأعلى يتماشى المهام الجديدة المنوطة به على النحو الوارد بالدستور، ويدعم دولة المؤسسات التى عناها الدستور.
والله من وراء القصد وهو الهادى إلى سواء السبيل
طاهر عبد المحسن وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى يكتب: تعيين النائب العام فى الدستور الجديد
الإثنين، 08 أبريل 2013 05:14 م
طاهر عبد المحسن وكيل " تشريعية الشورى"
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الوهاب البرلسى بالنقض
مجلس القضاء الأعلى هو الذى يرأس النائب العام و هو فقط من يملك تعيينه يا أخ !
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري وأحب مصر بشده
سمك لبن تمر هندي.........