ضمن فعاليات المهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته السادسة، وفى إطار فعل الحرية الذى قامت لأجله معظم الثورات، والذى لم تبتعد عنه كثيرا الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير، قدَّم المخرج أحمد يسرى عرض "أنت لسَه حر" للكاتب لينين الرملى، على مسرح المتربول.
أشار الناقد عبد الناصر حنفى، إلى أنه عندما يناضل الفنانون من أجل البقاء، وعندما يتكاتف معهم المسرحيون بكل فئاتهم، وعندما يظهر مثل هذه العروض من براثن هذه الظروف إذن فهناك أمل، وعندما يعطى مسرح متربول هذا النموذج فى احتواء فرقة بور سعيد وإضافته، فإن الأمل يكاد يكون حقيقة تبشر بالبقاء وتؤكد القدرة على الاستمرار، بهذه المعانى العميقة بدأ الناقد العميق عبد الناصر حنفى، ندوته قبل أن يخوض فعل التأمل الذى يجيده، والذى أجله بعد تقديمه للناقد الجاد طارق رغب.
بدأ طارق راغب مداخلته النقدية بالحديث العام حول الفعل الأساسى الذى تعرضه المسرحية وهو المقاومة من أجل رفض القهر الذى تتم ممارسة من خلال السلطات بكل مفاهيمها، الأب التقاليد، الأمن، مؤكدا أن كل من هذه السلطات تمتلك المبرر لوجودها ولفعلها، فهى وإن كانت تقف أمام غيرها فإنها تفعل هذا لأن ذلك هو مبرر الوجود كما أنها تعتقد أنها هى وحدها التى تملك الصواب، ولم يقف حد ممارسة القهر عند الأشياء المعلومة بل تتطاول إلى التفاصيل، حيث حب البنت لزميليها، ومدرس الفصل، ونظام الجامعة، والزواج، والممات، والعرض عبر هذه الأنماط المتعددة من ألوان القهر يعرضها بشكل مختلف، هذا الاختلاف الذى لم يقف عند العرض فقط بل لفت نظره الدقة فى طرح المصطلحات، حيث كُتب على البانفلت دراماتورج ولم يكتب إعداد، حيث الأول يتعامل مع إعادة طرح الرؤية من نفس الوسيط والثانى يتعامل مع وسيط أدبى آخر ونقله إلى المسرح.
كما أن المخرج تعامل مع الفكرة مبتعدا حينا ومقتربا حينا من الطرح الذى قدمه لينين بحسب الحاجة إلى تأكيد فكرته وتوضيحيها، حيث استفاد من البناء الدرامى للينين بقدر من الذكاء والحساسية، حيث قنن مواطن الرقص والغناء وجعلها فاعلة ومؤكدة على الحالة التى يعيشها شباب هذا الجيل، كما أكد أن ما أثلج صدره هو قدرة هذا الفريق على تجاوز المعوقات التى واجهوها.
لكنه مع هذا أشار إلى ضرورة الوقوف حول التفسيرات الدرامية للإضاءة، حيث إنها حملت أوزانا زائدة لو تخلص العرض منها لظهر أكثر قوة وتماسكا.
وقد أكد عبد الناصر حنفى على حيوية العرض، وإن كان أبدى تعجبه من ظهور حياة الأفراد بين ترنبيته وطبلة، مؤكدا أنه قد شاهد العرض من قبل، وكان الدق على الحديد بما فيه دلالة درامية أعمق وكأنها تقود الإنسان وتشكل مصيره فى حالة من التصاعد والسعى لتجاوز الضغوط التى يمرون بها، ولذلك فقد تحول العنصر الموسيقى هنا لعنصر غير فعال بعكس ما كان متوقعا منها، ولهذا فإن عازف الترمبيطة يحتاج إلى التدريب وعلى عازف الأورج أن يجرب نفسه أثر حتى يصل إلى الإتقان المرغوب. كذلك فإن قيام وعودة العازفين عليه أن يكون مبررا فلا توجد مجانية فى المسرح، ولأنه يقدر هذه الفرقة فقد أكد عليهم أن الارتباك لا ينبغى أن يظهر على المسرح وأنهم قادرون على تجاوزه بما لديهم من قدرات واضحة فى القدرة على التغلب على كثير من المشكلات، ولم يخرج الممثل الذى قام بدور عبده بالقرة على تجاوز المألوف لدرجة أن عبد الناصر حنفى خشى أن يكون الممثل متعال على الدور الذى يلعبه رغم أن البطولة معه، فلابد له لإذن أن يتحكم فى حركة الجسد بحيث تظهر عليه آثار الزمن والضغوط.
ولكنه أكد أن العرض يفتح آفاقا للتفكير ومساحات للتأمل تليق بالبورسعيدية الذين يملكون من الطاقات الكثير ولكن الملاحظات الإجرائية لا تكون إلا مع العروض المتميزة التى تحتاج منا إلى السعى المتكرر لتأكيد جودتها.
وقام الحاضرون بتقديم الإنجاز الذى قدمته فرقة بور سعيد مؤكدين أن البقاء ممكن لكنه لن يكون واقعا إلا بالمزيد من البذل.