معصوم مرزوق

ماذا تعنى «الستينيات»؟

الأحد، 07 أبريل 2013 11:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدق الرئيس حين قال متأثراً: «الستينات.. وما أدراك ما الستينات»!!.. بغض النظر عما كان يرمى إليه!!.. وهو ما أشار إليه بعض أهل الرئيس وعشيرته عدة مرات، آخرها تصريحات عصام العريان السلبية عن عبدالناصر. من المحيط الهادر، إلى الخليج الثائر.. كانت أغنية وحلم الستينيات من هذا القرن، تلك الستينيات الجميلة!!.. كانت الحقبة الاستعمارية تحمل حقائبها وتغادر المنطقة قطعة قطعة، كانت الأرض تهتز بشدة فى كل العواصم العربية، واختلط الأمر على العرافين والمنجمين، وضاربى الودع حيث أصبحت (القومية العربية) الشبح الذى يؤرق بعض مراكز اتخاذ القرار الإقليمية والدولية، بينما الأرض تتفتق عن نظام عربى وليد، بدأ طفلا بذراعين ممتدين من القاهرة ودمشق، وحبلت كل امرأة عربية بجنين يحمل ملامح (صلاح الدين الأيوبى).
كانت ستينيات جميلة حقا!! ستينيات الآمال التى لا سقف لها، ستينيات المؤامرات التى لا خلاق لها، ستينيات انطلاق عدم الانحياز والوحدة الأفريقية، وتضافر الثوار من هافانا إلى هانوى، ستينيات عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وعبدالوهاب ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ويوسف شاهين، ستينيات الحرية والاشتراكية والوحدة. كم مرت مياه تحت الجسور منذ ذلك الزمن البعيد.. نكسة، عبور، بترول، انفتاح، كامب ديفيد، بيروسترويكا، جلاسنوست، تهاوى سور برلين، تفتت الامبراطورية السوفيتية، حرب الخليج الأولى، فالثانية، منظمة التجارة العالمية، عولمة، شرق أوسطية، أوسلو، وادى عربة.. إلخ.
كل هذه الأحداث فى عمر جيل واحد، كل هذه المتناقضات فى وعى نصف قرن، شموخ فانكسار فشموخ فانكسار.. متوالية النظام العربى التى تستعصى على المنطق والحساب، ففى زمن (الثورة) تعملقت أقزام الردة، وفى زمن (الثروة) انكمشت أفكار (الثورة)، وبين هذا وذاك توالت الأزمات القلبية على النظام العربى، أصبح مدمنا لغرفة الإنعاش، حتى انهار جهاز المناعة، وأصبح ذلك النظام كمن يعانى من مرض (الإيدز). لقد تصالح العرب مع طوب الأرض إلا أنفسهم، وعرفوا حلول الوسط مع كل الناس إلا جيرانهم، وفى حين اصطدمت الأحلاف العسكرية فى صخور الستينيات الناصرية، أصبح الوجود الأجنبى الآن مصدراً للاعتزاز والفخر والتباهى، وأوشك القرن الماضى على الرحيل فى حين عاد إلى المنطقة من غادروها فى منتصف القرن غير مأسوف عليهم، ومن المفارقات اللافتة للنظر أن الوجود العسكرى الأجنبى فى المنطقة كان فى السابق على حساب الأجنبى، أما الآن فقد أصبح على حساب صاحب المحل!!.. فالعرب يدفعون فاتورة الوجود الأجنبى مرتين، مرة لشراء وتكديس أسلحة لا تستخدم، ومرة لدفع نفقات الوجود العسكرى الأجنبى. لقد اهترأ النظام العربى،
أصبح به من الثقوب أضعاف ما به من النسيج، وحتى محاولات التنسيق الجهوية أو الثنائية تتم على أرضية من الريبة وعدم الثقة، حتى صار اجتماع طرفين عربيين يعنى ميلاد خلافات جديدة، بحيث أصبح من الأصح ألا يلتقيا، ومن الواضح أن الغنى يرتاب فى الفقير، والضعيف يكره القوى، ومع ذلك فمازال البعض ينشدون: وحدة ما يغلبها غلاب، و(الحلم العربى).

لقد طالب البعض بتأجير مبنى الجامعة العربية شققاً مفروشة كى تكون له ولو مرة فائدة ذات قيمة!! وأصبح ذلك المبنى يقف فى قلب القاهرة كشاهد على مقبرة النظام العربى، أو كدار للمناسبات فى أحسن الفروض، وقد قيل -وهو حق- إنه لو جمعت وثائق تلك الجامعة لأمكن أن يبنى بها هرم يطاول هرم خوفو، ولكنه هرم من ورق.

لم يعد المحيط هادراً، ولم يعد الخليج ثائراً.. بل تجرأ البعض ووصفوا العرب بأنهم ظاهرة صوتية، فالهدير لم يكن إلا صوتاً، ومثله الثورة، وأقفل القرن العشرون أبوابه ولايزال العرب يبحثون عن نقطة البداية، أو نقطة النهاية، حتى أتى الهدير الحقيقى مع أمواج العولمة المكتسحة كى تزيح أمامها تلك الأحلام البالية التى تتناثر فى بعض بقاع الشرق الأوسط وفى بعض العقول المراهقة المرهقة، إن أجيالا آتية فى رحم الغيب تنظر إلينا، وتنتظر منا أن نخوض آخر معاركنا من أجل الحرية. الحرية الحقيقية التى تعنى الكرامة والتقدم واستقلال الإرادة.. بالعمل.. العمل الكثير. فهل يمكن أن تعيد روح «الستينات» سيدى الرئيس؟؟.. هل لديك هذه القدرة؟؟.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة