اشتهر النظام السابق بقبضة أمنية خانقة مقيدة للحريات زادت الأمر وطأة على نفوس المصريين وزادتهم معاناة، فقد كانت تلك المنظومة الأمنية تقوم على التضييق والإرهاب النفسى للمواطنين وبسط يد أمن الدولة فى التعامل مع كل الناس لتأمين النظام الحاكم ومعاونيه، وليس لحفظ أمن وحماية المواطن فى الشارع وكانت العقيدة الشرطية تضع أمن النظام كأولوية، وتعتبر ذلك حماية وتأمينا للأمن القومى للوطن، مما تسبب فى ظهور الكثير من الخارجين عن القانون، الذين يحملون السلاح ويفرضون سطوتهم، ونفوذهم على الأحياء الشعبية والعشوائيات وفرض الإتاوات والتهديد للمواطن البسيط المسالم، ومع إهمال أمن الشارع لصالح أمن النظام توغلت طبقة البلطجية، وزاد دورها فى الشارع حتى بدأ المواطنون يلجأون إليهم لتأمين أرواحهم وحمايتهم مقابل حماية حياتهم وممتلكاتهم وإعادة الحقوق المغتصبة ممن استولوا عليها رغما عنهم مقابل الانصياع لأوامر البلطجية ودفع إتاوات دورية فهم يتولون عنهم الكثير ويحمونهم فى كل المواقف أكثر من الشرطة التى لا تستطيع أن تحميهم، وقد يتعرضون للمتاعب إذا لجأوا لها خاصة إذا كانت تحمى نفوذ أى صاحب سلطة أو مال أو أى شخص ينتمى للحزب الحاكم.
وبمرور الوقت أصبحت رجالات الدولة البارزة وكبار رجال الأعمال يعقدون صفقات مع البلطجية لحماية مصالحهم وتصفية خصومهم السياسيين والمنافسين.
وتحول البلطجية لأمر واقع فى المجتمع يعيدنا لعصر الفتوات حيث لم يكن هناك قانون سوى قانون القوة والسلاح، لم تحاول القوات الأمنية انتزاع تلك البؤر الإجرامية من المناطق الفقيرة والأحياء الشعبية لأنهم كانوا سندا لهم بل إن الشرطة نفسها كثيرا ما صنعت هؤلاء البلطجية وقوت شوكتهم للاستفادة منهم عند الحاجة وكانت لديهم قوائم كاملة بأسماء هؤلاء المسجلين خطر ومعتادى الإجرام، إلا أنها لم تكن تحرك ضدهم إلا فى الوقت المناسب الذى لم يعد فيه منهم فائدة أو تم التضييق الشعبى عليهم ومحاصرتهم شعبيا وإعلاميا حتى بدأت تظهر أنواع من الجرائم البشعة الغريبة عن مجتمعاتنا العربية كتعليق شخص أو تقييده وتعذيبه حتى الموت انتقاما منه وتمثيلا به.
كان ذلك واضحا جليا ممثلا لتراخى القبضة الأمنية، فقد ربى الأمن ذئابا بشرية لا يدينون بالولاء سوى للمال والقوة ولمن يدفع أكثر، أو على الأقل غضوا الطرف عنهم وتركوهم يكبرون ويستوحشون ويحيزون السلاح والأدوات التى مكنتهم فيما بعد من أن يكونوا سببا رئيسيا فى كسر الداخلية وتقويض الأمن.
فتلك الفئة الإجرامية من أصحاب السوابق وأرباب السجون ومن لديهم الكثير من الدراية بخفايا الأمن وأسلوب التعامل معه.
استطاعت فى غضون أيام أن تشتت قوته وتهاجمه بمنتهى الضراوة والوحشية لتقتل الجنود وتحرق الأقسام وتستولى على الملفات والأسلحة والذخائر من تلك المنشآت الشرطية والأمنية التى اقتحمتها بالإضافة لتهريب المساجين ومعاونة المحكوم عليهم فى فتح السجون وإرباك القوات التأمينية حتى يتمكنوا من الهرب والفرار جميعا.
فولاؤهم لمن يدفع لهم ولا انتماء أو وازع من ضمير يردعهم عن خيانة وطنهم مقابل المال.
فضلا عن وجود تنظيمات على الأرض تسعى وتخطط لاقتحام السجون وحرق الاقسام بشكل ممنهج واضح لكل ذى عينين حتى تشل حركة النظام وتفرق قوة الداخلية وتحرر مساجين سياسيين ومعتقلين ينتمون لجهات خارجية، فاستغلت تلك التنظيمات البلطجية أسوأ استغلال لتحقيق أهدافها بمعاونة عناصرها المدربة على حمل السلاح لتبدأ حلقة إجرامية منظمة لم تعيشها مصر فى تاريخها من قبل بعدما أصبح السجناء والمجرمين إضافة للبلطجية والمسجلين خطر طلقاء خارج السجون وبأيديهم أسلحة الداخلية المسروقة وذخائرها إضافة للهرج والفراغ الأمنى الذى سمح للكثير من الخارجين على القانون بفتح ورش لتسليح السلاح غير المرخص سواء النارى أو الأسلحة البيضاء، فضلا عن السلاح الذى يهرب فى تلك الفترة من كافة مداخل مصر عبر الحدود مع ليبيا والسودان وعبر الأنفاق فى سيناء لذا فقد بدأ العصر الذهبى للبلطجية الذين تعد نفوذهم الأحياء الصغيرة والشعبية والعشوائيات إلى أرقى المناطق السكنية التى باتت مطمعا للبلطجية وقطاع الطرق وتجار المخدرات ومحترفى تجارة الأعضاء البشرية، وصار توقيف الناس بالسلاح وخطف ذويهم أو تجريدهم مما يملكون وسرقة سياراتهم أمرا اعتياديا بل وصل الجبروت بتلك الفئة الضالة لإجبار الأشخاص على توقيع عقود بيع لاملاكهم وسياراتهم مقابل اطلاق سراحهم وتركهم يعودوا احياءا وأصبحت ظواهرالسطووالقتل فى وضح النهار أشياء اعتيادية فى حياة المواطنين . وتوغلت طبقة البلطجية وزاد دورها فى الشارع وأصبحت سلاحا مسلطا على رقاب الجميع لأن ولاءهم لمن يدفع أكثر ولا مكان للقيم والأخلاقيات فى ممارساتهم الاجرامية، وللحديث بقية إن شاء الله.
غادة عطا تكتب: الثورة ما بين حلم التغيير وظلال المؤامرة (3)
الأحد، 07 أبريل 2013 10:14 م