اتخاذ موقف ما محدد معلوم الأبعاد والاتجاهات والأهداف... لم تعد الناس تحسد الناس على مال أو علم أو على ثقافة أو على عرق أو جنس أو نوع أو على لغة.
وإنما على موقف يتخذه المرء فى حياته حتى ولو هلك دونه، الناس بالناس والقرين بالقرين، والناس تعرف معدن بعضها على بعض، بعض من الرجال لو أودعته أهلك وأولادك لحافظ عليهم أكثر حتى من نفسك، بعض الرجال لو كل العالم وضع فى يديه على أن يتخلى على موقف اتخذه على نفسه لهان كل شىء، على أن يحيد عنه مثقال ذرة لظل يحاصر نفسه بنفسه إلى أجل غير مسمى.
ثم لماذا بعض الناس تحارب صاحب الموقف ذاك أنهم يرونه عقوبة لهم، لأنهم لم يكن فى مقدورهم اتخاذ موقف فى مجرى حياتهم حتى مع جناح بعوضة، ثم هل أصحاب نعمة المواقف منزهون هل هم معصومون، هل هم من أقوام أخرى؟ كلا لكنهم أصحاب أنفس رفيعة عزيزة، كل شىء فى سبيل كرامتهم يهون هم ناس عاديون يفرحون ويحزنون يسعدون ويتألمون ويشقون، لكن الله اصطفاهم بموهبة وملكة فن تسيير الحياة ونموها بالتراكم وبالإضافات وبالصقل والمعرفة وبالإصرار والعزم على النجاح.
هم رجال أنار الله قلوبهم وجعلهم يرون ما لا يراه الآخرون، يرون الذهب حجرا وترابا تذروه الرياح، ويرون المال ورقا لا يغنى ولا يسمن ولا يرد قضاء وقدرا، ويرون الجاه والانتماء إلى المركز نوعا من أنواع التعصب للرأى الجمعى أو الفردى خاطئا كان أم صوابا.
هم الأعلون ينتمون إلى مصافات أخرى غير راضين.
صحيح هم يخطئون بالفطرة لكنهم سرعان ما يتراجعون، الناس ضعاف الأنفس يحسدونهم، وتراهم فى كل واد يأتون على ألسنتهم بسفاسف الأمور، بما ليس فيهم، وبما لا يعرفون شيئا حقيقيا عن أنفسهم.
ولا من أمور دنياهم وكل هذا نجدهم فى كل مرة يظهرون يأخذون ينتصرون يربحون، حتى إن حاولت الأيدى الكريهة أن تخفيهم أو تطمس معالمهم فإنهم قوم خلقوا إلى عصر آخر إلى عصر نفى اللحظة ونفى المكان رجال من ذاكرة المستقبل.
صعب أن يكون لك موقف معين وتدافعه عليه بالنفس والنفيس وأن تقدم نفسك من أجله قربانا، كم أنتم محسودون يا أصحاب المواقف الرفيعة النبيلة، وحدهم ضعاف الأنفس ومعدومو الإرادة يعرفونكم، لكنهم لا يعترفون، ومع هذا هم دائما تراهم يبنون ويشيدون لكم مقامات عز وشرف وكرم، وكل كلمة تسقط من أفواههم تقع مستقيمة تحت أقدامكم لتصنع مقام تمثالكم المقدس طوبى لكم يا أصحاب المواقف عرفتم كيف تفوزون بإكليل الورد رغم أشواك غرور الحياة ، هل علمتمونا قليلا...؟ من أى مدرسة تعلمتم؟، ومن أى مذهب تنتمون...؟ ، ومن أى جنس أنتم...؟ ، ومن أى فئة....؟، هل أنتم فقراء...؟ ، هل أغنياء...؟ ، هل أنتم علماء...؟ ، هل أنتم ملوك أو وزراء...؟ ، بحق هذا الوقار الذى يحفكم من أى فئة أنتم، لماذا إذا خاطبكم الجاهلون، رددتم بابتسامة عريضة وكأنها شمس تبزغ على هذه الدنيا.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة