من المؤسف ما نراه اليوم – فى عصرنا هذا – من ألبسة المصريين.. شباب ورجال ونساء وربما شيوخ.. ألبسة ضيقة، غير متناسقة وغير مناسبة لأجسادهم.. ولا لعاداتنا ولا لمفاهيمنا الأخلاقية.. وكثيرون تغيرت قناعاتهم تجاه علاقة الملبس والشخصية فى فصلهما عن بعض!
الكثير يقلد تقليداً أعمى لملابس مجتمعات بعيدة عن عاداتنا وأخلاقنا وأعرافنا.. وكثيرون من يلبسون دون تفكير!.. وأصبح المشهد العام للشارع المصرى غريبا يعكس اضطرابات المصريين السلوكية والأخلاقية والنفسية!
منذ بدء الخليقة كانت وظيفة الملابس الأولى هى حماية الجسد من عوامل الجو من حر وبرد ومطر.. وغيرها ثم تبعتها وظيفة أخرى وهى ستر العورة وأول قصة - فى التاريخ – شاهدة على ذلك...قصة آدم وحواء التى ذكرت فى القرآن الكريم عندما حذرهم الله تعالى من الأكل من تلك الشجرة وعندما عصيا كلام ربهما كشفت عورتهما وخرجا من الجنة ونزلا إلى الأرض.. يبحثان عن ورق الشجر يتستران به.. وهكذا أصبحت هناك وظيفتان أساسيتان للملابس هما: الحماية والستر.
وعندما وصفت ملابس قوم لوط.. عكست انحرافاتهم الخلقية وميولهم الشاذة وغير السوية والتى ذكرت تباعا.. فصاحب الفطرة السليمة يميل إلى التستر والتغطية..
وفى أوروبا – بداية عصورها – كانوا يرتدون ملابس محتشمة وفاخرة فى نفس الوقت.. وكان يرتدونها الأمراء والنبلاء والملوك والأباطرة.. فكلما كان الرداء محتشما استهلك أمتارا عديدة من الأقمشة وبالتالى كانت تعبر عن ثراء وعز ومكانة صاحبها.
وفى الجاهلية قبل الإسلام كانت النساء الحرائر يرتدين ملابس محتشمة لتملكهن حريتهن وخصوصية أجسادهن وتشريفهن وسط القبائل..بعكس الإماء والجوارى فكن يرتدين ملابس مكشوفة وعارية.. لعدم تملكهن لأمرهن ولحرية نفوسهن وأجسادهن.. فالاحتشام دليل على عظمة النفس وعزتها وحريتها وعلو قدرها..
وتحث الأديان على الاحتشام فى الملبس حيث إنه دليل الوقار وحفظ حياء النفس وبالتالى إيمانها.. فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، "لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء" وكذلك"......الحياء شعبة من شعب الإيمان"..فتعرية المرء لجسده أو مساحات منه هو انسلاخ من حيائه الذى ينقص من إيمانه..
وإذا كان الحديث الشريف الشهير الذى يتوعد الكاسيات العاريات بأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها فكيف باللاتى قمن بتعرية أجسادهن بالفعل؟!
وفى المسيحية فقد كانت الحشمة من تعاليم عيسى عليه السلام وكانت من سمات ملابس القديسة مريم.. وقد جاء فى رسالة بطرس الأول (3:1) تحذير إلى ثيموتاوس(2:9) "...كما أريد أيضا أن تظهر النساء بمظهر لائق متزينات بالحياء والرزانة..)
وفى اليهودية قال علماء اليهود، "قال الله منذ اليوم الذى بنى فيه المعبد: الحشمة هى أمر مناسب".
فالاحتشام سلوك متحضر يحفظ للإنسان صورته وقيمته ومكانته
وفى علاقة اللبس بالشخصية...هناك المقولة الشهيرة..قل لى ماذا تلبس أقل لك من أنت !..
فالملابس تعكس هويات الأفراد والجماعات... وكما قال الكاتب باولو كولهو فى كتابهBrida "..إن الملابس تؤثر على العواطف وتعبر عن الأحاسيس مما يدلل على العلاقة الوطيدة بين الشخصية والملبس...
ومن هنا تأتى أهمية اللباس فى ضبط السلوك الإنسانى..
إن الأناقة وحسن المظهر وهندام الثياب ترغب فيه النفس البشرية بكل أجناسها.. ولكن كيف تكون أنيقا..هذا هو السؤال؟
نحتاج إلى التثقيف الملبسى بكل مترادفاته..إلى الإحساس بالجمال الحقيقى الذى ينعكس فى اختيارنا لملابسنا وأزيائنا..فعندما ترتدى ملابس ضيقة خارج منزلك – وأنا أتحدث عن الملابس التى تربطنا بمجتمعنا لا ملابسنا التى تربطنا بأنفسنا وخصوصياتنا – فأنت تسقط عنك حياؤك فى حركاتك وتصرفاتك وتعاملاتك.. والحياء ليس من سمات الأنثى فقط ولكنه من سمات الإنسان..فالحديث الشريف يقول "إن لم تستح فاصنع ما شئت".
أنت فى منزلك تأخذ راحتك بأكملها والتى تعبر عنها بملابس معينة..وفى غرفة نومك ترتدى ملابس شديدة الخصوصية وتتصرف بحرية كاملة وبالتالى لا تشعر بحيائك فى بيتك...ولكن الحياء يظهر فى الخارج وفى التعامل والتصرف خارج منزلك..وأول شىء تخرج به هو زيك وملبسك الذى يحفظ حياءك وكرامتك أمام الآخرين وأمام مجتمعك..
ودليل على كلامى هذا..عندما تتعامل مع فتاة محتشمة فى ملبسها تلاحظ حياءها فى كلامها وتصرفاتها بل وفى مشاعرها أيضا..فإذا نظرت إليها نظرة غير لائقة تشعر بالحرج والاضطراب وربما ترى احمرار وجهها!...ولكن يستحيل أن ترى هذه المشاهد مع فتاة اعتادت ارتداء ملابس ضيقة وكاشفة لجسدها ومفاتنه، لأن هذه الملابس أجبرت نفسها على إسقاط حيائها دون أن تشعر !!
كذلك الرجل الذى يرتدى ملابس ضيقة أو كاشفة لبعض جسده..فهو يقول فلتنظر إلى كيفما شئت!..وبالتالى يتصرف دون حياء ويتكلم دون حياء ويتحرك دون حياء وتضعف أخلاقه وتختل سلوكياته..
يجب أن نعيد صياغة مفاهيمنا حول الأناقة والطريق الصحيح إليها بالتثقيف والتذوق الملبسى السليم بما يوافق فطرتنا السليمة وتعاليم ديننا وعروبتنا وشرقيتنا وأخلاقنا وتراثنا وتقاليدنا..
وأخيرا سأقول مقولتى الأخيرة فى هذا الصدد والتى قد نشرتها على صفحتى على موقع التواصل الاجتماعى الشهير " الفيس بوك"
" إن الملابس المحتشمة تبعث على راحة النفس وطمأنينتها وبالتالى صيانة حيائها وكرامتها".
