حينما رَست السفينة الحربية كوينسى، وعلى متنها الرئيس الأمريكى روزفلت على شواطئ بحيرة التمساح بالإسماعيلية فى فبراير فى عام 1945م وذلك قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها. نزل ضيفاً على الملك فاروق وكان قد سبقه بالحضور الملك عبد العزيز العاهل السعودى آنذاك مع أبنائه واجتمع مع صاحب الضيافة والدار مرة والملك السعودى مرة أخرى وكانت الصور التى تم التقاطها مع أكبر زعيمين عربيين وتشابك الأيادى تعطى رسالة واضحة الدلالة مفادها أن ثمة تحالفات جديدة قادمة سيعاد معها ترتيب الأوراق وملفات المنطقة.
فها هو النجم الأمريكى المنتشى ببشائر النصر والمندفع بقوة عبر المحيط الأطلسى، جاء ليجد لنفسه موطئ قدم فى منطقة ذات الأهمية من الناحية الإستراتيجية بالغة. انتهت الحرب وبدت بريطانيا وفرنسا كأنهما تلملمان أوراقهما المبعثرة غير مأسوف عليهم قبل الإعلان الرسمى عن وفاتهما.
لكن بقيام ثورة يوليو من العام 1952 انقلبت الترتيبات والأوضاع وبدا واضحاً اتجاه مصر نحو المعسكر الآخر من النظام الدولى الجديد بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية إلى حين من الزمن وازداد المد الشيوعى تحت غطاء الاشتراكية.
إلى أن انقلبت الأوضاع مرة أخرى فى أعقاب حرب أكتوبر فخرج الحليف الروسى وانفتحت الأبواب الأمريكية المغلقة على مصرعيها أمام الصديق المصرى الحميم (هكذا وصف كارتر مصر) بعد اتفاقية السلام عام 1979، وأصبحت واشنطن هى القبلة السياسية التى يتجه إليها من يسكن فى قصر عابدين وما لبثت الدول العربية أن انتهجت نفس المسار لدرجة أن أصبح شهر يناير موسم الحج إلى البيت الأبيض ديمومة زعمائنا نراهم يتقاطرون إليها وكأنك تشاهد موسم هجرة الطيور أو الأسماك بحثنا عن الدفء والأمان.
وجاءت فترة الحرب على الإرهاب واتباع الولايات المتحدة سياسة من ليس معنا فهو ضدنا، وسقوط بغداد وشاهد الجميع تهاوى تمثال صدام حسين فى قلب العاصمة بغداد والمشهد بمثابة رسالة واضحة لكل ساكنى القصور. مما كان له أكبر الأثر فى تدثر حكامنا بالعباءة الأمريكية فأصبح استرضاء الجالس فى البيت الأبيض من رضا الرب. ففى رضاه البقاء والاستمرارية وغض الطرف عن أنظمتهم الشمولية وطلب المساعدة والعون أحيانا. مقابل فاتورة لا سقف لها من التنازلات التى يطول الحديث عنها. لدرجة أن حكامنا كانوا يعطونها هى وحليفتها إسرائيل أكثر مما يطلبون.
ولكن حينما نرى طائرة الرئاسة لم تهبط حتى الآن أمام البيت الأبيض. فهذا الأمر على غير المتوقع والذى جرت عليه العادة ويستوجب على الرئيس الجديد فعله أن يذهب ليقدم أوراق اعتماده لدى البيت الأبيض بعد أن نال ثقة شعبه. فى المقابل إحياء علاقات سياسية كانت تآكلت وزيارته إلى طهران وأديس أبابا ومكة وكمبالا ستى و الرياض وبرلين وإسلام أباد ونيودلهى وأخيرا الدوحة وكيب تاون.
إذن فنحن أمام مؤشرات لا تستطيع أن تخطئها العين المتابعة للمشهد المصرى بعد الثورة ستلاحظ أن ثمة تغير فى بوصلة السياسة الخارجية المصرية. ولا نذهب بعيداً أذا قلنا المنطقة بأكملها.
وأعتقد أن هذا التغير سيحتاج إلى وقت ليس بالقليل؛ فالارتباط كان طويلاً وممتدا عبر عقود من الزمن أدى إلى التشابك العميق فى المصالح فهناك قطاعات عريضة و كبيرة ذات بعد استراتيجى. على سبيل المثال كالسلاح وبعض الصناعات الحيوية؛ مما يستحيل معه الانفكاك المفاجئ لذلك كانت سياسة الانفكاك الديناميكى لا التصادمى.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة