يتصدى مجلس الشورى الآن لعدة تشريعات لعل أهمها قانون السلطة القضائية وكذلك مناقشة الموازنة العامة للدولة تمهيداً لإقرارها.
وتستمد السلطات فى الدولة اختصاصاتها وسلطاتها من الدستور مباشرة بنصوص صريحة لا تقبل الاجتهاد أو التأويل أو التفسير.
فقد نصت المادة (82) من الدستور على أنه «تتكون السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الشورى ويمارس كل منهما سلطاته على النحو المبين بالدستور».
ومفاد هذا النص أن سلطات مجلس النواب وكذلك مجلس الشورى تُمارس حصراً وفقاً لنصوص الدستور فلا مجال كما أسلفنا لاجتهاد أو قياس أو تفسير أو تأويل. ولم يفرد الدستور نصوصا خاصة بسلطات مجلس الشورى على حدة، وإنما وردت سلطاته فى الأحكام المشتركة بينه وبين مجلس النواب وذلك فى الباب الثالث من الدستور بداية من المادة (82) حتى المادة (112) وذلك بعكس مجلس النواب الذى فصل الدستور اختصاصاته فى الفرع الثانى من الباب الثالث بداية من المادة (113) إلى المادة (131). وقد نصت المادة (101) فقرة أولى من الدستور على أنه «لرئيس الجمهورية، وللحكومة، ولكل عضو فى مجلس النواب اقتراح القوانين».
ويستفاد من هذا النص أن الدستور قد قصر حق اقتراح القوانين على ثلاث جهات حصراً هى رئيس الجمهورية والحكومة وأعضاء مجلس النواب مما مفاده وبصريح النص أن أعضاء مجلس الشورى ليس لهم الحق فى اقتراح القوانين، وقد يُرد على ذلك بأن المادة ( 230) فقرة أولى من الدستور فى الأحكام الانتقالية قد نصت على أنه «يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالى سلطة التشريع كاملة حتى انعقاد مجلس النواب الجديد».
وهذا قول مردود وغير صحيح إذ إن الدستور قد فرق بين حق الاقتراح للقوانين وبين تشريع القوانين بدليل أن الدستور قد أعطى حق اقتراح القوانين لرئيس الجمهورية وللحكومة ولكن ليس من سلطتهما التشريع ومن يجمع بين حق الاقتراح والتشريع هو مجلس النواب فقط وليس البرلمان بغرفتيه الذى يضم مجلس النواب ومجلس الشورى.
فاقتراح المشروع بقانون قد يأتى من رئيس الجمهورية أو من الحكومة فيتولى البرلمان بغرفتيه النواب والشورى سلطة التشريع فيخضع المشروع إما للموافقة وإما بالتعديل أو بالرفض ثم يرفع ما تم الموافقة عليه من المجلسين لرئيس الجمهورية للتصديق على مشروع القانون وإصداره وعندئذ يولد القانون الجديد.
ويلزم ليكون القانون دستورياً أن تكون خطوات إصداره قد تمت وفقاً لنصوص الدستور وعملاً بأحكامه فإذا ما صدر بالمخالفة لهذه النصوص قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون وبالتالى يُعتبر القانون باطلاً وكأن لم يكن، كما حدث حين أصدر الرئيس أنور السادات قانون الأحوال الشخصية سنة 1979 فى غياب مجلس الشعب – وهى سلطة استثنائية لرئيس الجمهورية مقيدة بحالات الاستعجال والضرورة – فقضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا القانون وأبطلته لأن رئيس الجمهورية أصدره فى غير حالات الاستعجال والضرورة فكانت نشأة القانون غير دستورية فأبطلته المحكمة.
وهذا الأمر ينطبق تماماً على المشروع بقانون الذى «اقترحه» بعض أعضاء مجلس الشورى بخصوص السلطة القضائية فى حين أنهم – وبصريح نص الدستور - لا يملكون هذا الحق المقصور على رئيس الجمهورية والحكومة وأعضاء مجلس النواب دون الشورى بصريح نص المادة (101) من الدستور كما سبق الإيضاح، وبناء على ذلك فإن استمرار مجلس الشورى فى مناقشة مشروع قانون ولد سِفاحاً يعنى سقوط هذا القانون وسيكون مصيره الإلغاء على يد المحكمة الدستورية العليا ومن أول جلسة.
وما سبق ينطبق أيضاً على ما يُجريه مجلس الشورى من مناقشة الآن حول الموازنة العامة للدولة.
ذلك أن المادة (116) من الدستور – فى الباب الخاص بمجلس النواب – قد نصت على أنه «يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك على النحو المبين بالدستور».
ومفاد ذلك أن مجلس النواب له اختصاصات محددة حصراً اختصها به الدستور دون مجلس الشورى – بخلاف سلطة التشريع الذى يشترك معه فيها – وأهم هذه السلطات تتمثل فى إقرار الموازنة العامة للدولة وسلطة الرقابة على السلطة التنفيذية بوسائلها الواردة فى الدستور كالاستجواب وطلب الإحاطة والسؤال وهى سلطات لا يستطيع مجلس الشورى أن يمارسها.
وقد عالج الدستور إقرار الموازنة العامة للدولة فى حالة غياب مجلس النواب – فلم يعهد بها لمجلس الشورى – وذلك فى نهاية المادة (116) التى نصت على أنه «وإذا لم يتم اعتماد الموازنة الجديدة قبل بدء السنة المالية عُمل بالموازنة القديمة لحين اعتمادها».
ونخلص من ذلك إلى أن ما يدور الآن من مناقشات فى مجلس الشورى حول الموازنة العامة للدولة هو مضيعة للوقت بل وتُنبئ عن عدم إدراك مجلس الشورى لسلطاته التى نظمها الدستور بنصوص قاطعة وبالتالى سيكون اعتماد مجلس الشورى للموازنة العامة للدولة – إن تم – هو والعدم سواء بسواء.
ويسرى ذات الأمر على ما يتم الآن من موافقات مجلس الشورى على القروض أو على قرض صندوق النقد الدولى المزمع إبرامه وكذلك مشروع قانون الصكوك حتى ولو كان مقدماً من الحكومة التى تملك حق اقتراح القوانين.
وآية ذلك أن المادة (121) من الدستور قد نصت على أنه «لايجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب».
ولا شك أن مشروع قانون الصكوك هو نوع من أنواع التمويل الذى يشترط الدستور على الحكومة – «لايجوز للسلطة التنفيذية» – أن تحصل على موافقة مجلس النواب عليه وبالطبع لا اختصاص لمجلس الشورى فى ذلك وقد يقول قائل إن مشروع قانون الصكوك تقدمت به الحكومة نعم هذا صحيح من حيث شكل تقديم مشروع القانون ولكن موضوع القانون هو «تمويل» لا يمكن للحكومة أن تحصل عليه دون موافقة مجلس النواب وينبنى على ذلك أنه لو أصدر مجلس الشورى هذا القانون ولو صدق عليه رئيس الجمهورية فسيكون قانوناً باطلاً مقضيا بعدم دستوريته حتماً.
كذلك قرض صندوق النقد الدولى الذى تُلح الحكومة وتسعى بدأب للحصول عليه من الصندوق فإنه وبصريح نص المادة – (121) من الدستور – لايجوز لها أن تتفق عليه إلا بعد موافقة مجلس النواب – غير القائم حالياً – ولايمكن لمجلس الشورى أن يوافق عليه لأنه لايملك هذه السلطة التى اختص بها الدستور مجلس النواب دون غيره.
ونخلص مما تقدم للنتائج الآتية:
1 - أن مجلس الشورى لا يمكنه إصدار قانون بتنظيم السلطة القضائية لأن من اقترحه لا يملك حق اقتراح القوانين الذى قصره الدستور على رئيس الجمهورية والحكومة وأعضاء مجلس النواب.
2 - لايجوز لمجلس الشورى إقرار الموازنة العامة للدولة فقد قصر الدستور هذه السلطة على مجلس النواب وحده.
3 - لا يجوز لمجلس الشورى مراقبة السلطة التنفيذية فى أعمالها.
4 - لا يجوز لمجلس الشورى الموافقة على القرض أو التمويل الذى تطلبه الحكومة وعلى الأخص مشروع قانون الصكوك وقرض صندوق النقد الدولى.
والقول بغير ذلك واستمرار مجلس الشورى فى مناقشة قانون السلطة القضائية وكذلك مناقشة الموازنة العامة للدولة تمهيداً لإقرارها وكذلك موافقته على القروض السابقة والقادمة هو غصبٌ لسلطات لم يمنحها له الدستور وستوقع البلاد فى فوضى عارمة نتيجة للحكم بعدم دستورية هذه القوانين وكذلك عدم دستورية القوانين الخاصة بإقرار واعتماد الموازنة وبطلان القروض.
وهل للمجلس إذا ما استمر فى ذلك أن يُلقى باللائمة على المحكمة الدستورية العليا ويتهمها النظام بأنها مُسيسة وتعوق مسيرة التحول الديمقراطى المزعوم كما حدث حين أبطلت المحكمة الدستورية العليا – وبحق – قانون انتخابات مجلس الشعب وهل سنشهد حصارات جديدة للمحكمة الدستورية العليا لمنعها من إصدار أحكامها؟ أم سيتم إقصاء جميع قضاة المحكمة الدستورية بتشكيلها الحالى بتمرير قانون باطل حتى لا تتمكن المحكمة من إعمال صحيح الدستور؟ والذى قام بوضعه وصياغته من يسعون اليوم لإهدار أحكامه.
استقيموا يرحمكم الله.
علاء عبد المنعم يكتب دراسة قانونية جامعة عن فوضى القوانين .. " الشورى " يغتصب سلطة التشريع .. وقوانينه مهددة بالبطلان .. وطبقا للدستور ليس من حق المجلس اقتراح القوانين والسلطة للرئيس والحكومة فقط
الثلاثاء، 30 أبريل 2013 02:49 ص