طاهر عبد المحسن

عزل النائب العام بين الشرعية الثورية والدستورية

الثلاثاء، 30 أبريل 2013 07:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد أثار حكم محكمة استئناف القاهرة– دائرة رجال القضاء– بإعادة المستشار/ عبدالمجيد محمود، لمنصب النائب العام، حالة من الجدل التى عمقها تعليق أستاذنا المستشار الجليل/ طارق البشرى، عليها– بتأييده للحكم المذكور– غير أن أهم التساؤلات التى أثارها ذلك الحكم، هو العلاقة بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية فى أعقاب الثورات وأيهما تكون الأوْلى بالرعاية والتطبيق فى مثل حالتنا.

هنا أرى لزاماً علىَّ التأكيد على جملة الحقائق التالية:
1- أن الثورة ضد نظام الحكم تكون فى أصلها عمل غير مشروع لأنه يقع بالمخالفة للنصوص الدستورية والقانونية القائمة والسارية وقت نشوبها، أياً كانت طبيعة هذه الثورة
– دموية حمراء أم سلمية بيضاء- وأن الثورة تعصف ليس فقط برأس الدولة، وإنما كذلك بكافة أركان نظام حكمه ومواليه من جذوره.

2- أنه يترتب على نجاح الثورة سقوط الدستور وتعطيل النصوص التشريعية المنظمة لنظام الحكم فى الدولة.

3- أنه لا تكون هناك أية قوة تنفيذية، كما لا تكون هناك أية شرعية سوى للقرارات التى تصدر عن السلطة الفعلية الحاكمة للبلاد وقت الثورة سواء سُميت هذه القرارات "إعلانات دستورية" أو "قرارات جمهورية" أو "مرسوم بقانون" فكلها ذات مرتبة واحدة.

4- أنه بعد نجاح الثورة تظل الشرعية فقط للقرارات الصادرة عن قادتها، حتى تتكون مؤسسات دستورية، فتنتقل إليها سلطات الحكم فى الدولة، بعد وضع دستور جديد وتشكيل برلمان منتحب يأتى بحكومة تدير دفة الأمور فى البلاد .

5- أن الدستور الجديد، ونصوصه تصبح هى الحديث الوحيد المعبر والكاشف عن إرادة الشعب بعد الثورة، وهو وحده الذى يبطل أى عمل أو قرار تمخضت عنه الثورة أو يحصنه ومن ثم فإن النصوص الانتقالية التى يتضمنها الدستور تتولى تبنى القرارات الصادرة عن السلطة الفعلية للبلاد حال الثورة أو إلغائها.

6- أن حكم إعادة النائب العام السابق ( عبد المجيد محمود ) أهدر نصوصاً دستورية قاطعة فى دلالتها جاءت لتقنن الشرعية الثورية بعد أن أقرها الشعب- مصدر السلطة وصاحب السيادة– بقبوله للدستور الجديد الذى تضمنها، بزعم عدم شرعيتها واستناداً إلى ما افترضت أنها مخالفة لما أسمته "مبادئ فوق دستورية" ومن ثم فقد أهدر إرادة الشعب فداءً لمبادئ غير دستورية وحتى هذه الأخيرة لا تتعارض البته مع مقتضيات الشرعية الثورية التى تنشأ لقرارات وأعمال الثورة.

حيث أقر الدستور صراحة فى المادة ( 236 ) سلطة كلٍ من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثم رئيس الجمهورية– بوصفهما السلطة الفعلية التى كانت تدير البلاد عقب الثورة - فى إصدار إعلانات دستورية خلال المدة من 11/2/2011م وحتى تاريخ العمل بالدستور، ثم ألغاها وأبقى نفاذ ما ترتب عليها من آثار فى الفترة السابقة على العمل بهذا الدستور، غير أن المحكمة ألقت بهذه النصوص عرض الحائط غير عابئة بدستور ولا بثورة، فجاء حكمها مخالفاً للدستور.

7- إن أحد مهام التشريع الأساسية بمختلف درجاته- دستوراً كان أو قانون- هو تلبية احتياجات المجتمع الذى يحكمه تحقيقاً لاعتبارات الصالح العام المتمثلة فى وجود دولة تقوم على مبادئ الحق والعدل والحرية والمساواة والتعددية، والتداول السلمى للسلطة، ولا شك أنه فى مراحل التحول الديمقراطى وخاصة أعقاب الثورات تكون هذه التشريعات موجهة ضد طغمة حاكمة- أشخاص بعينهم- سيطرت على مقاليد الأمور فى البلاد، لاسيما فى تنظيمها للمراكز القانونية الحاكمة التى لا يتصور أن يشغلها فى ذات الوقت سوى شخص واحد ( رئيس الجمهورية– رئيس الوزراء– النائب العام ... ) هؤلاء هم من قامت عليهم الثورة، هنا يصطدم التحول الديمقراطى بقواعده المعروفة التى تحكمه وأهمها قواعد الشرعية الثورية ونظرية السلطة الفعلية، مع قواعد الشرعية الدستورية والقانونية وأهمها العمومية والتجريد وتدرج التشريع والفصل بين السلطات والتوازن بينها، حينها لابد لعملية التشريع أن تسمو لتواكب حالة التألق النضالى للشعوب تحقيقاً للمصالح العليا للبلاد، فى هذا الإطار تأتى قواعد الشرعية الثورية مدعومة بمبادئ سيادة الشعب، وأنه مصدر كل السلطات وأن إرادته- صريحة كانت أو ضمنية- تعلو على كل سلطات الدولة وعلى أى قوة تقوم عليها هذه السلطات وتستعصى رقابتها على رقابة القضاء عموماً، هذا هو دور الشرعية الثورية التى تأتى لتحرر الأوطان من طغمة حاكمة مستبدة لن ترقى مفاهيم القواعد القانونية التقليدية ولا مفاهيم الشرعية لتواكب حركة الشعوب وتلبى احتياجاتها فى التخلص من هؤلاء توطئة لبدء عهد جديد.

وعلى ذلك لا يمكن تحت أى مفهوم وبموجب أى غطاء قانونى لثورة أقصت رأس نظام فاسد ألا تتمكن من إقصاء نائبه العام وقد كان رأس حربته والحصن الحصين له ولسدنته .

لذا تأتى قرارات الشرعية الثورية فى ضوء ما يجب أن يتحلى به المشرع الدستورى والقانونى من نزاهة وحرص على رعاية ثورة وليدة هدمت لتوها نظام مستبد فاسد فيكون أحرص ما يكون على تلبية احتياجات المجتمع الأساسية وأهمية استشراف المستقبل والحفاظ على المصالح العليا للمجتمع، ومن ثم فإن هذه القرارات تسمو لا ريب على اعتبارات العمومية والتجريد.

وعلى ذلك فإن الثورة على أثر نجاحها تمنح الأعمال والقرارات التى تمخضت عنها شرعية مطلقة لا سلطان لأية جهة عليها، حتى يصدر فيها قول فصل من الدستور الجديد، خاصة فيما تضمنته من الإطاحة برأس الدولة وسدنته وحاشيته وحراس نظامه، ولا يمكن أن تقاس أعمال وقرارات الثورة على أى تشريع أو دستور سوى ما تتمخض عنه الإرادة الشعبية التى يعبر عنها بجلاء دستور الثورة الجديد.

وحسبنا فى هذا الشأن ما قضت به محكمة النقض فى واقعة مماثلة من أن: "المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن القرار بقانون رقم 82 لسنة 1969 بشأن المجلس الأعلى للهيئات القضائية وإن صدر فى الأصل متجاوزاً حدود التفويض التشريعى الممنوح لرئيس الجمهورية بالقانون رقم 15 لسنة 1965، إلا أنه وقد ورد فى نص المادة 173 من الدستور الصادر فى 11 سبتمبر سنة 1971 ونصوص قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ما يدل على إقرار السلطة التشريعية له، فإنه يكون قد حاز قوة التشريع وأصبح قانوناً قائماً لا ولاية للمحاكم بإلغائه، ومن ثم فإن النعى ببطلان القرارين الجمهوريين المطعون فيهما لابتنائهما على قرار معدوم صادر من المجلس الأعلى للهيئات القضائية تبعاً لانعدام قانون إنشائه يكون على غير أساس".

(الطلبان رقما 80 و81 لسنة 50 ق "رجال القضاء" جلسة 29 من يونيه سنة 1982 )، فإذا كانت الشرعية الثورية التى تعبر عنها السلطة الفعلية فى الدولة قد أصدرت قرارات أقصت بها الحاكم وأعوانه ثم جاءت إرادة الشعب فصاغت نصوصاً أقرت بها هذه القرارات وحصنتها، فإن هذه القرارات تنتقل من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية وهى تعبر بجلاء عن انقضاء نظام حكم برجاله ورموزه.

وإذا كان الحكم سالف البيان إذ استعرض فى أسبابه مشهد الأحداث فإنه لم يُقم أى اعتبار لثورة يناير المجيدة، فإنه– وبمد الخط على استقامته- لم يبق له سوى أن يعيد رأس النظام استناداً إلى ذات الأسباب التى رددها فى حيثياته، فإذا ما انتهى إلى أن قرار إقصاء وعزل النائب العام السابق- وهو من رموز النظام الساقط- مشوباً بالعوار الدستورى والقانونى، فإنه يكون قد انتهى كذلك إلى أن عزل رئيس الجمهورية وإقصائه من منصبه يشوبه أيضاً العوار الدستورى والقانونى، الأمر الذى يستوجب إعادة الأمور إلى نصابها فيعود الرئيس المخلوع الذى ثار عليه الشعب إلى سدة الحكم.

يا سادة.. لا يمكن للقضاء أن ينظر فى الفراغ.. بعيداً عن المجتمع الذى يحكمه.. منطلقاً من أن ثورة عظيمة قد مرت من هنا، وأنه بحكم رسالته ومسئوليته التاريخية أحرص سلطات الدولة على الانتقال بهذه الثورة من التنظير إلى الواقع، وعلى اكتمالها لتطول المجتمع المصرى بأثره بدءً من منظومة القيم السائدة فيه، ومروراً ببنيته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وانتهاءً بنظام الحكم فيه.

هذه هى رسالة القضاء التى يجب ألا يخطئها..
والله من وراء القصد، وهو الهادى إلى سواء السبيل.







مشاركة




التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

عبد الوهاب البرلسى بالنقض

من انت لتحكم على القائمين على القضاء فى مصر و أحكامه و ما هو علمك و ما هى وظيفتك !

عدد الردود 0

بواسطة:

مستشار سيد عبد المنعم

الشرعية الثورية لا تحكم مصر يا أخ ! و عزل النائب العام السابق باطل و بأعتراف النائب الحالى

عدد الردود 0

بواسطة:

سيد بلال المحامى

يحكمنا رئيس هارب من السجن و رئيس وزراء محكوم علية بالسجن و نائب عام تعيينه باطل !

عدد الردود 0

بواسطة:

الغريب

لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون

عدد الردود 0

بواسطة:

ehab judallha

والأخ مين. ؟؟؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة