ضمن برنامجها الثقافى على هامش معرض أبو ظبى الدولى للكتاب 23، استضافت جائزة الشيخ زايد للكتاب فى "مجلس الحوار"، الفائز بفرع المؤلِّف الشاب - الأطروحات الجامعية لهذا العام الدكتور عادل حدجامى (المملكة المغربية) للحديث عن تجربته فى تأليف كتابه الفائز "فلسفة جيل دولوز فى الوجود والاختلاف".
قدم للضيف الدكتور محمد بنيس، عضو الهيئة العلمية فى الجائزة الذى استعرض السيرة العلمية والمهنية للدكتور حدجامى الذى ولد فى المملكة المغربية عام 1967، ودرس الفلسفة فى (جامعة محمد الخامس) بالعاصمة المغربية الرباط، وتخرَّج منها عام 1999، وانصرف إلى الدراسة فى الجامعة ذاتها ليتحصَّل على دبلوم الدراسات العليا المعمَّقة عام 2001، ومن ثم تحصل على دبلوم المدرسة العليا للأساتذة فى مكناس، وفى عام 2010 حصل على درجة الدكتوراه من (كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة محمد الخامس)، ويعمل حالياً فى الكلية ذاتها كأستاذ محاضر. وكتابه "جيل دولوز عن الوجود والاختلاف" هو أطروحة جامعية تحصَّل من خلالها على شهادة الدكتوراه، ورشحها لجائزة الشيخ زايد للكتاب - فرع المؤلِّف الشاب - الأطروحات الجامعية.
وفى بداية حديثه عرَّف الدكتور حدجامى بالفيلسوف الفرنسى جيل دولوز من خلال محورين؛ أولهما إنسانى يتعلق بتجربة دولوز فى الحياة كإنسان، وثانيهما يتعلَّق بالمجال المعرفى الذى اشتغل فيه دولوز، واهتماماته الأسئلة الفلسفية الكبرى، وخصوصيات اشتغالاته قياساً إلى الإطار الفكرى الذى تشكَّلت ضمنه ألا وهو نهاية القرن العشرين فى أوروبا بوصفها قارة.
وتطرق حدجامى إلى علاقته القرائية بهذا المفكر وبفكره، وبالمراحل التى مرّت بها هذه العلاقة، وأشار إلى الأسباب التى دفعته إلى اختيار هذا الموضوع دون غيره، والغايات التى كان يتغيّاها من ورائه، وقال فى هذا الصدد: "إنها غايات يمتزج فيها الذاتى بالموضوعي"، فبالنسبة لما هو ذاتى تطرق إلى علاقته بالمتن الفلسفى الدولوزى التى تعود إلى سنوات سابقة، والقراءات المتتالية لمؤلفاته، وللدراسات الفرنسية والأوروبية والغربية الأخرى التى تناولت فكره وفلسته فى الوجود والاختلاف وغيرها من مفاصل خطابه الفلسفى، تلك القراءات التى تواشجت نتائجها فى كتابه عن دولوز.
أما الجانب الموضوعى فيتمثَّل بما أكَّد عليه حدجامى من "فائدة جمَّة تعود على القارئ العربى عندما يقرأ كتاباً بهذا التحليل العميق والشامل لفلسفة جيل دولوز، خصوصاً وأن المكتبة العربية تفتقر إلى كتاب جامع يتناول فلسفة هذا الفيلسوف فى الوجود والاختلاف".
وفى معرض سؤال عن المنهج الذى اتبعه فى كتابه، أكَّد حدجامى أنه المنهج التحليلى المقارن الذى تابع فيه مسائل وقضايا فكر دولوز فى الوجود والاختلاف من خلال اللجوء إلى أغلب مؤلَّفاته المنشورة مستعينا بجملة من الدراسات التى صدرت باللغة الفرنسية تلك التى تناولت وجوه فلسفته، ناهيك عن التركيز فى المتن الدولوزى نفسه باعتباره المصدر النهائى لفكره، والفيصل فى فلسفته.
وألقى حدجامى الأضواء على مضمون كتابه من خلال استعرض القضايا الأساسية التى تناولها، ولما كان دولوز مولعاً بصناعة المفاهيم بعد معاينتها وجعلها مفاتيح رائقة لفكره وفلسفته، فإن الدكتور حدجامى أدام متابعتها وتحليلها وبيان أثرها فى بناء دولوز لفكره الفلسفي. وقال حدجامى موضحاً: "لقد ركَّزت فى تحليلى وقراءتى وبحثى فى كتابى (جيل دولوز عن الوجود والاختلاف) على مفاهيم مركزية فى فلسفة الرجل مثل: الهوية، والاختلاف، والتاريخ، والعقل، والوعي، للكشف عن عنصر الجدّة و الأصالة التى أضافها دولوز - موضوع البحث - فى كل واحدة منها قياساً إلى ما كان سائداً فى الثقافة الفلسفية الحديثة".
ولما كانت المكتبة العربية تفتقر إلى كتاب يحيط بفلسفة جيل دولوز، فإن حدجامى تحدث عن الصعوبات التى واجهته فى ترجمته وتعريبه للمصطلح الدولوزى ما دعاه إلى بناء ونحت مصطلحات عدَّة باللغة العربية تصل إلى روح المعنى الذى كان دولوز يقصده فى بعض مصطلحاته من دون التفريط بروح المفردة العربية ومبناها، وقال فى هذا الصدد: "إن السؤال الناظم الذى حكمه وكان دائماً حاضراً فى ذهن مؤلِّفه هو: كيف نؤلِّفُ كتاباً فى واحدة من أكثر الاتجاهات الفكرية المعاصرة جدَّة وتعقُّداً باللغة العربية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه اللغة الاشتقاقية والأسلوبية والجمالية؟".
وعن الظرفية التى أخذ فيها الكتاب طرقه إلى جائزة الشيخ زايد للكتاب، أكد الدكتور حدجامى قائلاً: "إن كتاب فلسفة جيل دولوز فى الوجود والاختلاف هو فى الأصل أطروحة جامعية تحصَّلت من خلالها على شهادة الدكتوراه بإشراف الأستاذ الدكتور (محمد سبيلا)، وعندما دفعته للنشر فى دار توبقال بالدار البيضاء صادفَ وأن أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب عن تلقيها الأطروحات الجامعية المنشورة فى كتاب ضمن فرع المؤلِّف الشاب، فكانت الفرصة متاحة، بل تاريخية، أمامى لكى أتقدَّم به إلى هذا الفرع حتى أخذ طريقه إلى القائمة الطويلة فالقصيرة، ومن ثم فوزه بهذا الفرع".
أما رؤيته فى جائزة الشيخ زايد للكتاب فقال حدجامى: "منذ إطلاقها فى عام 2006 وأنا أتابع أشغالها سنة تلو أخرى، وألاحظ هذا الاهتمام الحقيقى فى تشجيع وتقدير العلماء والمفكرين والباحثين وأساتذة الجامعات والمبدعين فى كل مكان، وإذا كان هذا يدل على شىء فإنه يدل أيضاً على أصالة هذه الجائزة، وكيف لا وهى تحمل اسم الرمز العربى الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله؟ فترانى، وفى هذه المناسبة المشرقة فى حياتي، أشكر دولة الإمارات العربية المتحدة، قيادة وشعباً، وأشكر لجنة القراءة والفرز، ولجان التحكيم، والهيئة العلمية، ومجلس أمناء الجائزة، رئيساً وأعضاء، على هذا التكريم الرائع، وفى النهاية تبقى جائزة الشيخ زايد للكتاب منارة لامعة فى سماء عالمنا المعاصر".