التاريخ المكتوب هو ذلك المأخوذ عبر وثائق يستقى منها الحدث، والوثيقة ليست بالضرورة ورقة مكتوبة ومختومة من جهة فى الدولة بل من الممكن أن تكون شهادة لصانع حدث أو حتى فيلم تم تصويره للحدث، والعجيب أن كل رؤساء مصر من أول نجيب وحتى السادات كتبوا ما يشبه المذكرات فنجيب كتب "كنت رئيسا لمصر"، جمال عبد الناصر كتب "فلسة الثورة"، أما السادات فقد كتب كتابين رائعين هما "ثورة على النيل" و"البحث عن الذات"، ولكن مبارك لم يكتب شيئا، وأعتقد أن ما تبقى من عمره لا يكفى لكتابة مذكراته وهذا ليس مدحا فيه ولا ذما أيضا فمبارك صاحب البضع وثمانين عاما، كيف تسع ذاكرته لحكم ثلاثين عاما شهد فيها أحداثا كثيرة منذ أن كان طالبا فى الحربية ثم الجوية وانتهاء بثورة أدخلته السجن.
مذكرات نجيب جاءت فى فترة كان الناس يبحثون عن فترة غائبة فى تاريخ مصر منذ عام 1952، وحتى إعلان عبد الناصر رئيسا للجمهورية وأزمة مارس التى أطاحت بنجيب، مذكراته لا تخلو من الهجوم على عبد الناصر ووصفه بأنه مجرد قزم ديكتاتورى تحكم فى شعب قوامة 30 مليونا ـ فى تلك الفترة ـ وأرزاقهم، فكانت مذكراته منقسمة إلى نصفين الأول يصف فيه نفسه بالبطل أما الثانى فيهاجم عبد الناصر وسياساته كاملة، وليس ذلك غريبا من رجل حكم عليه بالنفى فى بيته بالمرج بقية عمره والطبيعى أن يصب جام غضبه على الرجل الذى فعل به ذلك.
جمال عبد الناصر كتب فلسفة الثورة فى فترة متقدمة من عمر ثورة يوليو يشرح فيها أسباب القيام بالثورة، وتنظيم الضباط الأحرار وعمله قبل الثورة ضد الإنجليز والملك وذكرياته فى بدايات الثورة، ولم يكتب أى شىء بعدها وانشغل بهموم الوطن وفقط.
أما السادات فكتب ثورة على النيل، وكان يكتب فى جريدة الجمهورية، ولأنه حافظ للقرآن الكريم، فكانت لغته العربية مضبوطة، كما كان يكتب بسلاسة رقيقة وفى ثورة على النيل عظم من شأن الثورة وشأن عبد الناصر، ولكن فى البحث عن الذات، عظم من شأن نفسه حتى قال فى إحدى الصفحات إنه أنشأ تنظيم الضباط الأحرار وسلمه لعبد الناصر بعد سجنه فى قضية مقتل أمين سامى.
المذكرات عادة لا يؤخذ بها كوثيقة للتاريخ، لأنها تكتب بشكل ذاتى منفرد للغاية فالضرورة هنا تحكم أن يكتب الشخص من واقع مشاهداته وعينية ولا يكون الحُكم محايدا بل يتصف بالشخصانية إلى حد كبير.
هنا سؤال لابد أن يطرح ترى لو حاول مبارك كتابة مذكراته كم من الأشخاص سيحاولون منعه فالرجل يعرف الكثير بل الكثير جدا ومشترك فى الكثير بل الكثير جدا " لاحظ الغمز واللمز فى كلامى " لذلك أرجو من كل من عمل فى النظام السابق سواء طليقا أو محبوسا أن يكتب مذكراته بحيادية شديدة، لتكون وثيقة للتاريخ، ولنا نحن الشباب والشعب لنعرف على الأقل لماذا قامت الثورة أو هل كان من الضرورى أن نقوم بالثورة
وللحديث بقية.
