قال الناقد الدكتور يسرى عبد الله، إن رواية "الشهير بسراييفو" للكاتب على سيد على، والصادرة عن دار روافد، تعبر عن كتابة تدرك موقفها من العالم، فتعرف أين تقف؟ ومع من؟ طارحةً أسئلة مختلفة عن الوطن الذى تبدل، والزيف الذى تفشى، والآمال التى تتداعى، فى رصد موضوعى ودقيق لتحولات الأمة المصرية، وصعود القوى الرجعية داخلها بأنماط تفكيرها، والمعادية لحركة التاريخ وتقدمه صوب الأمام.
جاء ذلك خلال الندوة التى عقدت أمس الأحد، بمقر دار ومكتبة نفرو للنشر، لمناقشة رواية "الشهير بسراييفو"، والتى نظمها تيار الثقافة الوطنية، وشارك فى مناقشة الرواية كل الروائى خالد إسماعيل والناقد الدكتور يسرى عبد الله.
وقال الناقد الدكتور يسرى عبد الله، "تبدو الرواية المصرية فى سعيها الحثيث لمعرفة الواقع واختبار جوهره الثرى معنيةً أكثر بذلك الآن وهنا، ومشغولة بانفتاح النص الأدبى على محيطه الاجتماعى وأفقه السياسى والثقافى، فبدت مبتعدة الآن عن الغرف المغلقة، والأبنية المعقمة التى لا تصنع عوالم تخييلية بل تصنع أنماطًا زائفة من الوعى بالنوع الأدبى من جهة، وتزييفًا للواقع المسكون بالتحولات من جهة ثانية".
وأوضح "عبد الله" أنه من هنا يبدأ الروائى على سيد على حين يبتعد بنصه عن قشرة السطح المزيفة للواقع، فلا يتمثلها أو يدعى وصلاً ساذجًا معها، بل يخترقها ليعيد صوغ الواقع جماليًا على نحو ما فيه من قبح، وفساد وابتذال، وتداعى مجتمعى، واصلاً ما بين العام والخاص، عبر بطله الممزق الواقف على شفا الحافة "الشيخ أحمد" بانتهازيته المعبرة عن تناقض اجتماعى فادح، نقف من خلاله على أعتاب مجتمع شكلى يحتفى بالمظهر لا المخبر، يعنيه مثلاً وجه "أحمد" الذى يشبه الوجه الطيب والمألوف للممثل محمد رياض، كما يصفه الكاتب، أكثر مما يعنيه مسلكه وطريقة تعامله مع العالم، وفى الآن نفسه، يعنيه غطاء رأس نادية "حجابها" أكثر مما يعنيه خياناتها الدائمة الروحية والجسدية لزوجها، نحن وباختصار أمام حالة تعرية شاملة لمجتمع قرر أن يحذف الجوهر لصالح المظهر الخادع، والمستتر بأقنعة الزييف الاجتماعى والنفاق الرخيص، وعبر سرد يعتمد على التنوع ينبى الكاتب على سيد على نصه الروائى موظفًا ضمير المخاطب "الأنت"، وبما يحمله من قدرة أشد على المراجعة ومسألة الذات وكشف أقنعتها الداخلية.
وقال الروائى خالد إسماعيل، "عندما قرأت رواية "الشهير بسراييفو" وجدتنى أسترجع ما قرأته حول أنماط القمع فى ظل علاقات إنتاج رأسمالية، تقهر الفقراء، وتحولهم إلى كائنات مشوهة، مزدوجة، لها وجهان، وجه يجرى التعامل اليومى له، وآخر سرى خفى تتحق به المتعة، ووجدت أن الرواية ترصد حالة الذين تعلموا، وبحثوا عن فرص عمل فى المدينة، فلم يجدوا سوى المناطق العشوائية، ومن نشأ التشوه، أو التمرد المشوه، وهو تمرد فردى كما هو فى الرواية، الذى يأخذ شكل الحيلة، لا المواجهة المبنية على أساس الوعى الطبقى المعروف، فالشيخ أحمد خريج كلية الحقوق، صار بالحيلة إمامًا وخطيبًا يحفظ الآيات والأحاديث التى تنهى عن الغش والزنا والسرقة والكذب، لكنه فى الوقت نفسه يحمل "كارنيه" أو بطاقة "مزورة" باسم وزارة الأوقاف ليستطيع بها الوقوف على المنبر، كل يوم جمعة، خطيبًا مهاب الجانب موقرًا من جانب الناس أصحاب الوعى المحدود".
وأوضح "إسماعيل" أن الرواية تكشف أنه لو لم يكن فى المجتمع ثقافة سلفية، تم نشرها فى ضوء برنامج وخطة أمريكية خليجية أنفقت فى سبيلها الملايين من الدولارات، ما استطاع الشيخ "أحمد" الاختباء وراء لقب "الشيخ"، وما فكر فى الارتزاق المادى والمعنوى من هذا اللقب الذى حظى طوال أربعين عامًا بهيبة وتبجيل كبيرين.
وأشار "إسماعيل" إلى أنه فى الإطار ذاته شخصية الزوجة، الباحثة عن النشوة، وهى نتاج لحالة من ثقافة العفة الزائفة، والتحريم القاتل لروح الإنسان، ومن خلال ما سرده الكاتب فى روايته نستطيع إدراك أبعاد مأساة هذه الزوجة فهى ضحية لعملية "ختان"، ويطوف الروائى ببراعة فى عالم الشيخ أحمد ليكشف للقارئ الجانب الأسرى له، حيث قدم لنا صورة دالة لزوجته الملبوسة بجنى أفغانى يتكلم الأوردية، ليوضح بهذه الصورة مشهدًا غنيًا بتفاصيل سيطرة الفكر السلفى على عقول الطبقات الشعبية الواقع عليها الإفقار المقصود والتجهيل المنظم المغلف بخطاب سلفى موغل فى القدم يقدم الحلول المريحة لهؤلاء المحرومين على هيئة أحاديث ومرويات مأخوذة عن الكتب الصفراء المؤسسة للتخلف الفكرى والمكرسة للتناقض الطبقى بأن الجنة للفقراء تعويضًا عن الدنيا.