رؤساء أمريكا اللاتينية مولعون بـ"تويتر".. ربما أكثر من اللازم

عندما تدفق مليون من أبناء الأرجنتين الغاضبين على الشوارع فى وقت سابق من الشهر الجارى، احتجاجًا على حكومة الرئيسة كريستينا فرنانديز، قررت أن تدون رسالة عبر موقع تويتر تلتها رسالة أخرى ثم أخرى.

قالت فى إحدى هذه التغريدات "نعم.. أنا عنيدة بعض الشىء وكبيرة فى السن أيضاً.. لكن فى النهاية أنا محظوظة لأنى بلغت هذه السن الكبيرة.. أليس كذلك؟"، كما أنها تحدثت عن لوحة الفسيفساء التى تعود إلى القرن التاسع عشر فى قصرها "الرائع"، ومزايا برنامج تابع للحكومة لمحو الأمية.

فى نهاية اليوم كانت فرنانديز قد أرسلت 61 تغريدة خلال تسع ساعات، وهو معدل كبير حتى بمعايير أمريكا اللاتينية، حيث يتعامل الرؤساء وغيرهم من كبار الساسة مع مواقع التواصل الاجتماعى بحماس كبير لا يضاهيه حماس فى أية منطقة بالعالم.

منح ولع الزعماء السياسيين فى أمريكا اللاتينية بموقع تويتر على وجه الخصوص ملايين المتابعين فرصة للاطلاع عملية صنع القرار وقت حدوثها، وفى كثير من الأحيان على أكثر أفكار زعمائهم خصوصية، لكن هذا الوضع أشعل جدلا حول ما إذا كان بعض الزعماء يبالغون فى نشر هذه الأفكار، بلا قيود، مما يجعل السياسة تتسم بقدر أكبر من الاستقطاب، ويجعل المواجهات تأخذ طابعًا شخصيًا، وربما يجعل الزعماء أنفسهم فى صورة غير محببة عندما ينشرون كلامًا عن محادثات مع غرباء داخل دورة المياه على سبيل المثال، كما فعلت فرنانديز هذا الشهر.

وقال ألان كلاترباك مدير مجموعة (آر.إيه.بى) ومقرها بوينس إيرس، والتى تسعى لتحسين درجة تحضر الخطاب السياسى "كل من يستخدم تويتر يعلم أنه فى بعض الأحيان تكتب شيئا ما وتضغط على زر الإرسال دون أن تفكر مليا فى الأمر. هذا وضع خطير فى السياسة... ورأينا أمثلة كثيرة على هذا".

وأضاف "يجب أن نجعل زعماءنا السياسيين يرقون إلى معايير مختلفة... نرى رسالة تقول.. أنا أتناول شطيرة الآن.. وتفكر فى قرارة نفسك وتقول.. ومن يكترث بهذه المعلومة؟"

ومع شهرة زعماء أمريكا اللاتينية من أمثال فيدل كاسترو الذى كان يلقى خطبا مدتها خمس ساعات بالخطاب المنمق فليس من المدهش أن بعض الزعماء فى العصر الحديث تبنوا منبرا جديدا للتعبير عن أنفسهم من خلاله لكنهم يسعون جاهدين أيضا لتقليص العبارات التى تعبر عن أفكارهم بحيث لا تتجاوز 140 حرفا، كما أن الساسة يوجهون الإهانات لآخرين حتى قبل عصر تويتر مثلما وصف الزعيم الفنزويلى الراحل هوجو شافيز الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بأنه "شيطان" فى الأمم المتحدة عام 2006، لكن ما من شك أن هذه التكنولوجيا جعلت القدح والذم يصل أسرع من أى وقت مضى.

وبعد انتخابات فنزويلا المحتدمة الشهر الجارى والتى أجريت لاختيار زعيم بعد رحيل شافيز كانت هناك لحظات تبادل فيها المرشحان الهجوم عبر تويتر، حيث أشار نيكولاس مادورو الذى فاز بالانتخابات فى نهاية الأمر إلى المعارضين باعتبارهم "فاشيين" وقال "فى إطار كراهيتهم العمياء ويأسهم هم قادرون على كل شيء"، أما المرشح الخاسر انريكى كابريليس فقد استخدم تويتر للتشكيك فى النتائج بعد ساعات من إغلاق مراكز الاقتراع أبوابها قائلا "أصبح يوجد رئيس غير مشروع!".

كما استخدم زعماء فى دول أخرى تويتر وإن لم يمكن بنفس القدر. الرئيس الأمريكى باراك أوباما له استخدام قوى لكن صفحته الشخصية تقول إنه يرسل بنفسه عددا محدودا فقط من التغريدات، وحتى يوم الجمعة كان قد مر عليه نحو شهر دون أن يرسل تغريدة بنفسه.

وعلى العكس من ذلك فإن زعماء أمريكا اللاتينية الأكثر إفراطا فى استخدام تويتر هم فرنانديز ومادورو والرئيس الكولومبى خوان مانويل سانتوس والرئيس المكسيكى انريكى بينا نييتو ويرسلون جميعا كما يقول المساعدون نسبة كبيرة من التغريدات بأنفسهم.

كان الأكثر شعبية على الإطلاق شافيز الذى كان لديه أكثر من أربعة ملايين متابع على تويتر قبل وفاته فى مارس، لكن ليس كل رؤساء أمريكا اللاتينية يحبون تويتر. فعلى سبيل المثال توقفت ديلما روسيف رئيسة البرازيل عن إرسال التغريدات عقب انتخابها مباشرة عام 2010. وقال أحد مساعديها "تعتقد أنه مضيعة شديدة للوقت"، لكن بالنسبة لآخرين أصبح ذلك جزءا من هوياتهم.

منذ أن ترك رئيس كولومبيا السابق ألفارو أوريبى منصبه عام 2010 كان يرسل فى بعض الأحيان عشرات التغريدات يوميا منتقدا سانتوس لضعفه فى ملف الأمن ضمن انتقادات أخرى يوجهها له.

ويقول منتقدو أوريبى إنه بخس قدر نفسه ويعوق عمل خلفه الذى اختاره بتدخله المتكرر فى شؤون الحياة اليومية. لكنه لم يبد أى مؤشر على التراجع بل وعلق فى مكتبه صورة ساخرة لنفسه وهو يمسك جهاز بلاكبيرى يرسل عبره التغريدات.

قال أوريبى عبر البريد الالكترونى "إنه يتيح التواصل المباشر دون وسطاء.. الخطر يكمن فى انه يغرى الناس بالرد طبقا للانطباعات الأولى لذلك أحاول تجنب رؤية الكثير من الاستفزازات التى تصل".