قرأت مقالا رائعًا لـ "فولتير" فيلسوف الثورة الفرنسية وكاتبها وخطيبها، رسم فيه بقلمه الساحر الساخر صورة شافية للاستبداد، وقارن بين استبداد الفرد واستبداد الجماعة، وبالتمعن فى المقال، نجده صالحًا لكل زمان ومكان وينطبق تماما على ما نحن فيه الآن فى مصر.
يقول فولتير: الطاغية هو الحاكم الذى لا يعرف من القوانين إلا هواه، ويغتصب مال أتباعه، ثم يحشدهم ليستولى على مال الجيران.
ومثل هؤلاء الطغاة لا يوجد فى أوروبا وإنما يوجد فيها استبداد الفرد، واستبداد الجماعة وهذا النوع الأخير هو استبداد جسم بحقوق الأجسام الأخرى، وهو يستبد بفضل الشرائع التى أفسدها بنفسه!
ويتساءل فولتير: فى ظل أى استبداد تُفضل أن تعيش؟
ويجيب إجابة قاطعة: لا هذا ولا ذاك.
ولكنه يستدرك فيقول: ولكن إذا كان لابد من الاختيار فإن كراهيتى لاستبداد الفرد وتعسفه سوف تكون أقل من كراهيتى لاستبداد الجماعة؛ فالمستبد الفرد لا يخلو من أوقات يكون فيها طيبا.. أما مجتمع من الطغاة فإنه لا يمكن أن يكون لديه مثل هذا الوقت إطلاقا وإذا ألحق بى الطاغية ظلما فإننى أستطيع أن أنزع سلاحه بواسطة خليلته أو خادمه أو الكاهن الذى يسمع اعترافه، أما جماعة من الطغاة الوقورين فإن جميع وجوه الإغراء لا تفيد معهم فإن لم تكن هذه الجماعة ظالمة فهى على الأقل قاسية وفى كلتا الحالتين لا تمنح حسناتها إطلاقا,، لو لم يكن أمامى غير طاغية واحد فما على عندما أراه مقبلا إلا أن ألتصق بالحائط أو أنحنى أمامه باحترام أو أعفر جبينى فى التراب تبعا للعادة فى البلد.
أما إذا كانت هناك جماعة مؤلفة من مائة مستبد مثلا فإننى معرض لأن أكرر هذه المراسم مائة مرة فى اليوم وسوف يصبح هذا مملا جدا مع الزمن لا سيما إذا ضعفت الساقان ووهن الجسد. وإذا كانت لى مزرعة مجاورة لواحد من سادتنا هؤلاء، فإننى أداس بالأقدام وإذا وترافعت ضد قريب لواحد من هؤلاء الأسياد فإن الخراب سوف يلحق بى.. فكيف العمل؟ إننى أخشى أن يكون مآل الإنسان فى هذه الحياة أن يقوم مقام المطرقة والسندان.. فطوبى لمن ينجو بنفسه من هذا الاختيار.
للتذكير الذى كتب هذا الكلام هو فولتير ولست أنا وبالتأكيد هو لا يعرف الطاغية ولا الجماعة لأنه باختصار مات من زمااااان!!
فولتير