توالينا الأحداث و تذكرنا، و تمر بنا الأيام ولا تبعدُنا عن تاريخ لم يمر عليه أكثر من اثنين وأربعين عاماً. و هذه السنون لا تعبر عن فترات زمنية بعيدة فى عمر الأوطان. وتأتى أمامنا مقارنة بين زعيمين هما الأكثر احتراما ً فى عصر مصر على مر العصور المتتابعة قديما ً وحديثاً. فعاش السادات بطل الحرب والسلام أياماً عصيبة وقت توليه حكم البلاد. فقد تولى الحكم وسط تربص من مراكز القوى وقتها فى الدولة المصرية الحديثة بعد عهد الملكية. وقتها كانت الأمور فى تخبط واضح على المستوى الداخلى، فلم تكتمل مواصفات الدولة الديمقراطية. ولم يكن للحياة السياسية فى مصر متطلع إلى النضج السياسى. حيث كان حكم مصر إبان ذلك فى يد الضباط الأحرار بعد ثورة يوليو. ولم تكن مصر تعيش خارجيا فى ظروف أحسن حالا ً وأكثر حرية من ظروفها الداخلية. فقد كانت مصر تعيش فترة ما بعد نكسة 67، و ما اعتلاها من إحباطات وأطماع الغرب بها. وفى وسط ذلك كان السادات أحد رجال الضباط الأحرار، و الذى تم إختياره خلفا لعبد الناصر يتمتع بالحنكة السياسية والإخلاص الوطنى. و لكن كان من حوله من زملائه يشكلون الخطر الأكبر على وجوده. فكانت مراكز القوى هى عبارة عن رجالات الدولة من وزراء و غيرهم ممن لديهم المصلحة فى عدم وجوده. ولم تكن مراكز القوى هى الوحيدة التى تدبر للخلاص من السادات ولكن كان الضغط الشعبى له أثر سلبى ضده و كان سلاحا مؤثرا مع أعدائه. فلم يكن سهلا على شعب مصر أن يتقبلوا أحداً بعد زعيمهم المحبوب جمال عبد الناصر. وهكذا كان التحدى أمام السادات قوياً وكان البديل عاصفا وكان الأمل متأرجحاً وكان النصر من عند الله هو الخطوة للعبور بالسادات إلى بر الأمان، والعبور بمصر كلها إلى شاطىء الاستقرار.
و لم يستطيع السادات من القضاء على مراكز القوى إلا بعد أن اجتاز الحاجز النفسى بينه و بين الشعب المصرى، و بعد أن اكتسب دعم هذا الشعب.
واليوم مثل البارحة، فمراكز القوى التى عانى منها السادات كانت معلومة، أما الآن فيواجه مرسى نفس الظروف، إلى جانب وجود مراكز قوى خفية. فتمثل الأحزاب السياسية بقيادة منافسيه فى سباق الرئاسة مراكز قوى واضحة، و تمثل عقيدته فى تحويل مصر من الدكتاتورية والعنف ضد الشعب إلى الحرية المطلقة وإلغاء المعتقلات للسياسيين مركزاً للقوى مؤثراً بدرجة لا نهاية لها على وجوده فى الحكم. و تتمثل مراكز القوى الخفية فى الرئيس السابق و رفاقه و حاشيته و أولاده. وهؤلاء يستخدمون كل ما أتوا به من قوة المال و النفوذ لتحطيم ما يحاول الرئيس الجديد من بنائه. ولم يكن لهم أن يتخلوا عن ذلك لو كان غير مرسى قد اعتلى الحكم.
والحقيقة التى لا يختلف عليها اثنان أن مؤسسات الدولة لا يوجد بينها و بين الرئيس أى تعاون. فمن يسيطر عليها لا يرغب فى أن يكون مرسى هو حاكم مصر. ويساعدهم فى ذلك تخليه عن ممارسة القوة القانونية ضدهم.
والسؤال الآن. هل ينجح مرسى فى تخطى كل مراكز القوى لتحقيق الاستقرار؟
