«على فكرة، إحنا مشينا الفضائيات والصحفيين ودلوقتى انتم لوحدكم ومفيش شهود، ونقدر نعمل اللى إحنا عايزينه ونكتب فى المحضر اللى هانوديه معاكم للنيابة أى حاجة». كانت هذه كلمات رئيس مباحث العاصمة الحالى بصوت أجش أثناء بدء إخلاء محيط مجلس الشورى فجر الاثنين الماضى.
«طب إحنا ماعملناش حاجة واديكم اهوه شايفين أننا ماعملناش حاجة ومحدش شايل سلاح أو حتى طوب، والوقت بالليل والشارع اصلا مقفول بالحواجز من كل مكان يعنى مفيش تعطيل مرور»، كان هذا رد أحد الشباب عليه فى استفسار واستنكار لمحاولات قيادات الداخلية فض الاعتصام السلمى أمام مجلس الشورى بالقوة.
«مسالمين أو مش مسالمين احنا قررنا ان محدش هايقعد هنا يعنى محدش هايقعد هنا ومفيش نقاش». هكذا كانت إجابة رئيس مباحث العاصمة بصوته الأجش.
«دا إحنا قبل الثورة كنا بنعتصم هنا عادى، يعنى قبل الثورة ينفع ودلوقتى ماينفعش، وبعدين انتوا كده بتمنعوا الاعتصامات السلمية وتفضوها بالقوة، انتوا اللى بتشجعوا الناس على الاتجاه للعنف لإنهم بيلاقوا مفيش حل». كان رد الشاب عليه.
«ثورة إيه اللى بتتكلم عليها، الثورة دى بح خلاص، خلصت، كانت هوجة وخلصت وكل حاجة هاترجع زى الأول واحسن كفاية مسخرة». هكذا كان رد رئيس مباحث العاصمة على الشاب.
كان هذا حوارا بين أحد شباب 6 إبريل المعتصمين أمام مجلس الشورى للمطالبة بالإفراج عن زملائهم المعتقلين وبين رئيس مباحث العاصمة، وهذا يعكس الحالة النفسية التى تتحكم الآن فى ضباط الداخلية بعد الثورة وبعد وصول مرسى للحكم بالإضافة لعبارات كثيرة سمعتها شخصيا ويسمعها الكثيرون يتفوه بها ضباط الداخلية لتبرير الانفلات الأمنى وعودة الاهتمام بالنشاط السياسى وتعمد ترك البلطجية فى الشارع المصرى مثل: «مش دى الثورة بتاعتكو، مش انتوا اللى انتخبتوه، اشربوا بقى علشان تفرحوا بالثورة».. مع أن ضباط الشرطة هم أكثر المستفيدين من الثورة التى يعادونها، فلم ينقطع مرتب أحدهم منذ بداية الثورة، بل زادت مرتباتهم زيادات غير مسبوقة على عكس باقى طوائف الشعب.
ورغم أن يوم 25 يناير هو عيد الشرطة فى مصر إلا أنه بسبب العنف المفرط والقمع والاهتمام بمراقبة المعارضين وتعذيبهم وبسبب انتشار التعذيب والقتل أحيانا فى أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة، قامت الثورة المصرية فى نفس يوم عيد الشرطة المصرية، والآن تتكرر نفس ممارسات الداخلية من ضرب وتعذيب وتلفيق وقتل فى بعض الأحيان وكأن ثورة لم تكن.
وتحدثت فى المقال السابق أنه فى بعض الدول تم تغيير قيادات الداخلية بعد الثورات بالكامل وفى دول أخرى تم الإصلاح التدريجى، ولكن فى مصر لم يحدث أى نوع من أنواع التغيير أو الإصلاح ولا تزال القيادات الفاسدة تحكم الداخلية ولا تزال العقليات الاستعلائية تحكم الداخلية ولا يزال ضباط الشرطة يعتبرون أنفسهم أسياد البلد، ورغم أن الدستور السابق والحالى ينص على أن الشرطة هيئة مدنية دورها هو حماية أمن المواطن والحفاظ على ممتلكاته إلا أنه تم عسكرة الداخلية فى نهاية الستينيات ولا تزال العقلية العسكرية تحكمها حتى الآن.
وبسبب ضيق المساحة وبسبب عمق الموضوع فسوف أسرد باختصار عناوين لأفكار ومقترحات تم تقديمها بالفعل للمجلس العسكرى ثم الرئيس محمد مرسى من أجل إصلاح الشرطة ولكنهما تجاهلا أى إصلاحات مطلوبة لأن إصلاح الداخلية وإعادة هيكلتها ليست فى صالح الحكم المستبد.
يحتاج الأمر لتشريعات جديدة يسنها مجلس النواب لقوانين لتنظيم عمل الشرطة بما يحترم الدستور والقانون وحقوق الإنسان وكرامة المواطنين على أن يتضمن القانون معايير العاملين بجهاز الشرطة بشكل واضح بالإضافة لإعادة النظر فى اللوائح والقوانين الداخلية المنظمة لعمل الشرطة ويتم الاستعانة بخبراء القانون وخبراء حقوق الإنسان فى إعداد هذه القوانين وهو ما لم يحدث فى مجلس الشعب 2011 و2012 ولن يفعله مجلس الشورى الحالى وذلك لأن قضية إصلاح الشرطة وإعادة هيكلة الداخلية ليست على أولويات التركيبة التى شكلت مجلس الشعب المنحل أو مجلس الشورى الحالى وكذلك من الضرورى أن يكون لمجلس النواب دور رقابى دائم على جهاز الشرطة وأن تعلن وزارة الداخلية سنويا عن ميزانيتها وخططها.
ومن الأفكار المقترحة أيضا توسعة عضوية المجلس الأعلى للشرطة ليضم خبراء فى حقوق الإنسان وأساتذة فى القانون ويكون من سلطات المجلس الرقابة على أداء الداخلية ووضع الخطوط العامة لمنهج الوزارة بمشاركة شعبية أكثر ومنع التجاوزات، بالإضافة لضرورة الرقابة المستمرة من مجلس النواب على أداء الداخلية وتفعيل الجهات الرقابية داخل الوزارة ومن خلال النيابة أيضا بالإضافة لتفعيل دور ديوان المظالم الذى ضحكوا به علينا بعد فوز الرئيس مرسى.
وتفعيل دور المجلس القومى لحقوق الإنسان والتعاون مع الأجهزة الرقابية الأخرى لمراقبة أداء الداخلية وضمان عدم تحولها مرة أخرى لجهاز قمعى يعامل المصريين بسلطوية واستعلاء باعتبارهم أسياد البلد.
ويجب كذلك بدء الدمج لعناصر مدنية من دارسى القانون وخبراء حقوق الإنسان فى وزارة الداخلية، وإنهاء عسكرة وزارة الداخلية بصفتها هيئة مدنية كما ينص الدستور، وتعديل مناهج كلية الشرطة سواء للطلاب أو لخريجى كليات الحقوق.
تحديث الإدارة المدنية داخل الوزارة وأن يتولى المدنيون الأعمال المدنية وأن تتولى الشرطة الأعمال الشرطية فقط، لكى يتفرغ الشرطى لعمله الشرطى ولا ينشغل بأمور مدنية مثل إجراءات استخراج البطاقات والرخص وشهادات الميلاد وباقى الأعمال الإجرائية التى يستطيع المدنيون القيام بها.
الاهتمام برفع قدرات ضباط الشرطة وتعديل المناهج وإضافة مناهج كيفية التفاوض واحترام حقوق الإنسان وكذلك تحسين قدرات الوزارة فى التواصل مع المجتمع، وأيضا الاهتمام بمنظومة البحث الجنائى وإدخال استخدام العلوم والوسائل التكنولوجية، حيث إن تلك المنظومة حتى الآن لا تزال فى مصر تعتمد على مبدأ الاعتراف سيد الأدلة وبالتالى التعذيب من أجل الحصول على الاعتراف وإغلاق القضية.
يوجد عدد لا نهائى من الأفكار والمقترحات التى تم تقديمها بالفعل سواء للمجلس العسكرى الذى خلف مبارك ثم للرئيس مرسى، ولكن كليهما رفض تطبيق أى إصلاحات بحجج واهية.
وتوجد تفاصيل كثيرة وأبحاث على كل فكرة مقترحة لا تتسع المساحة لشرحها، ولكن الأهم هو هل هناك بالفعل إرادة لإصلاح الشرطة وجعلها أداة لحفظ الأمن وحماية المجتمع، أم ستظل الداخلية هى اليد الباطشة للحاكم؟
بما نراه الآن من عودة القمع والتعذيب واستعانة الرئيس المتآكلة شرعيته ببطش الداخلية، فنستطيع أن نؤكد أننا نحتاج ثورة جديدة، ثورة تصحيح.