من يحكم سيناء؟ سؤال صعب يحتاج إلى بحث دقيق للتوصل إلى حقيقة ما يجرى على أرضها.
هل القبائل هى التى تحكم أم إسرائيل أم حماس والجهاد أم الجماعات المتطرفة والمسلحة أم الفراغ والفوضى أم غير كل ذلك؟
القراءة فى واقع سيناء تشير إلى أن القبائل التى تضع يدها على الأرض هى الأكثر قدرة على التأقلم مع الواقع بحسب المكان لكل قبيلة.
وعلى الرغم من العرف الصارم وحدود القبائل معروفة فإنه تقع اشتباكات بين الحين والآخر بين أفراد القبائل لتعدى طرف على آخر ويسقط قتلى ومصابون كما حدث مؤخرا فى منطقة جعل بمركز بئر العبد.
بين أفراد من قبيلتى الترابين والأخارسة والقبائل رغم قوتها فإن التصدعات باتت تتخللها من خلال انشقاق أفراد عن القبيلة والانضمام لجماعات مسلحة فى ظل ملاحقة الأحكام الغيابية لعدد كبير من أبناء القبائل الذين لجأوا إلى الصحراء بعيدا عن أعين الأمن، هؤلاء معروفون لدى عشائرهم لكنهم يقضون الليل خارج البيوت، كان هذا الحال قبل الثورة فى ظل ملاحقة الداخلية لهم، لكن تغيرت الأوضاع بعد الثورة وهدأت الملاحقات الأمنية والمسلحون ينتقلون بسيارتهم من مكان لآخر مستغلين الفراغ الأمنى الكبير فى سيناء.
وأصبح السلاح فى متناول الجميع للدفاع عن النفس بالنسبة للأهالى فى الوقت الذى انتشر بشكل كبير مع بعض العصابات التى تقوم بعمليات واسعة للتهريب، سواء تهريب السلاح إلى غزة أو تهريب الأفارقة، وهى عصابات تحظى بنفوذ قوى، ويمكن أن تكون ضمن منظومة السيطرة على سيناء.
هذه العصابات تنتقل من مكان لآخر ويصعب تحديد مناطقها ومتغلغلة فى مختلف المناطق، على الرغم من هدوء نسبى فى نشاطها لأن بناء جدار إسرائيل على الحدود أدى إلى الحد من تهريب المخدرات والأفارقة.
وتمارس العصابات دورا فى الهجوم على مصانع الأسمنت واحتجاز السيارات وملاحقة بعض العابرين على الطرق وفرض إتاوات بالقوة وسط فراغ أمنى مخيف بوسط سيناء.
الشيخ عارف أبوعكر من كبار مشايخ سيناء يقول: الكارثة أن حدود سيناء مخترقة ولا يوجد أمن فى سيناء، كما أن هناك عدة أجهزة تتولى السيطرة فيما بينهم والحل فى توحيد كل الأجهزة تحت سيطرة القوات المسلحة.
وحول إمكانية سيطرة القبائل بصورة كاملة على سيناء قال: يمكن أن يحدث هذا لكن مع تعافى الأمن لأن القبائل لا يمكنها فعل ذلك منفردة لابد من بسط السيطرة الأمنية.
ونأتى إلى الضلع الثانى الأكثر قوة فى سيناء وهو عبارة عن مجموعات متفرقة من العناصر الجهادية بعضها يرتبط بغزة والبعض الآخر عناصر من مختلف المحافظات تعتنق أفكارا جهادية، وهى عناصر مسلحة بمدافع ومضادات للطائرات وتملك صواريخ متنوعة منها الكاتيوشا والجراد وصواريخ حديثة مهربة من ليبيا، هذه العناصر كامنة ولا تتحرك إلا فى أوقات محددة وتستهدف إسرائيل أحيانا، لكن لا تمثل تهديدا مباشرا لأمن سيناء، هذا رغم وجود عناصر متشددة أخرى تقوم بين الحين والآخر بالهجوم على بائعى السجائر فى شوارع العريش، وترفض الواقع المجتمعى بل وتكفره، كما حدث فى إحدى مناطق الشيخ زويد وتقوم بتكفير الرئيس محمد مرسى.
وتعتمد هذه العناصر على دعم كبير من حماس والجهاد فى غزة ولها انتماءات سلفية جهادية وبحسب المصادر، فإن هناك عناصر من السودان وأفغانستان وليبيا ودول أخرى تتواجد فى سيناء أيضا، وهى تمثل خطورة كبيرة لكن مواجهتها تقود إلى سيناريوهات دامية ما أدى إلى إرجاء مطاردتها.
مصادر أكدت أن العناصر قبلت بما تم عرضه عليها من قبل عناصر سلفية جهادية ومن قبل مساعد رئيس الجمهورية الدكتور عماد عبدالغفور وخلال زيارته لإنهاء ملف العنف فى سيناء.
هذه الجماعات سبق وقتلت اثنين من جواسيس الموساد هما منيزل وسليمان بريكات لقتلهما إبراهيم عويضة بالتنسيق مع الموساد فى أواخر أغسطس 2012.
وقالت فى بيان لها إن حادث اغتيال إبراهيم عويضة بريكات من قبيلة التياهة بوسط سيناء، تم عن طريق تفجير عبوات ناسفة زرعها له ضباط من الموساد الإسرائيلى بمعاونة أربعة من البدو وهم: سلامة محمد سلامة، هارب حاليا إلى إسرائيل برفقة زوجته، ومنيزل بريكات الذى قتل، وسليمان بريكات الذى قتل هو الآخر، ومتهم رابع.
وأوضحت الجماعات المسلحة أن الثلاثة سلامة وسليمان ومنيزل توجهوا فى اليوم الذى سبق اغتيال إبراهيم عويضة وباتوا ليلتهم فى إسرائيل وعادوا عن طريق الحدود وبرفقتهم أربعة ضباط من الموساد الإسرائيلى، بينهم خبير متفجرات وزرع عبوات ناسفة وكان كل ضابط إسرائيلى يحمل معه قرابة 20 كجم من متفجرات.
وأشارت الجماعات الجهادية إلى أن الموساد قد تلقى صفعة بعد الكشف عن أربعة عملاء لهم داخل الأراضى المصرية ونفذت حكم الإعدام فى اثنين منهم حتى الآن، ووعدت بالكشف عن المزيد من عملاء إسرائيل فى سيناء وملاحقتهم وإعدامهم.
وكشفت الجماعة أن عملية الاغتيال تمت بمحاولتين اخترق فيها أربعة ضباط صهاينة الحدود المصرية ووصلوا إلى طريق قرية «خريزة» بلد الشهيد مرتين: الأولى كانت مساء يوم الثلاثاء 3 شوال الساعة 9 وانسحبوا صباح الأربعاء الساعة الواحدة وفشلت المحاولة لعدم تواجد «إبراهيم عويضة» فى القرية لاستدعائه من قبل الأمن المصرى للاستجواب فى العريش يومها، وأما المحاولة الثانية التى نجحت، انسحب الضباط الصهاينة برفقة الجواسيس إلى خارج الحدود المصرية وكان هناك دعم ومراقبة للطريق بواسطة طائرات صهيونية بدون طيار.
وكان عويضة مشاركا فى معظم عمليات استهداف الصهاينة من سيناء، وأضاف بيان جماعة أنصار بيت المقدس أن الشهيد كان ذا خبرة ومهارة عالية فى الرصد على الحدود ودقة ملاحظة تحركات العدو، ومن أهم العمليات التى شارك فيها عملية إيلات الكبيرة 18 رمضان 1432هـ وكان فى فريق الإسناد بالعملية، وقام بنفسه بعملية استهداف حافلة الجنود الصهيونية بالقرب من إيلات «أم الرشراش» 3 رمضان 1433هـ والتى سقط فيها قتلى من الضباط اليهود ويدارون ذلك بأنها حافلة سياحية وكأن الحافلات السياحية تمر على النقاط العسكرية على الحدود.
وقال بيان الجماعة إن الجاسوس منيزل محمد سليمان سلامة الذى اكتشف المجاهدون تورطه فى العملية، تم عمل خطة سريعة للإيقاع به وتم القبض عليه بكمين محكم للمجاهدين وتم تصفيته بعد التحقيق معه والإدلاء بكل التفاصيل واعترافه بجرمه.
أما الجاسوس سليمان سلامة حمدان ففور تأكد عائلته من تورطه فى الأمر وعمله مع الموساد ضد أمته تبرأت منه وسلمته إلى أقارب الشهيد ليقتصوا منه.
أما الجاسوس سلامة محمد سلامة العويدة فقد هرب إلى داخل الكيان الصهيونى مكللاً بالعار والخزى منتظراً القصاص العادل.
ومن جانبه يرى الخبير الأمنى اللواء رشدى غانم أن سيناء تؤثر فيها أكثر من قوة: القوة الأولى هى القوات المسلحة ولها مكانة عريضة فى نفوس الأهالى.
القوة الثانية الأهالى أنفسهم والثالثة حماس وفتح وما تستغله الحركتان من الأنفاق ومن تسلل عناصرها من وإلى سيناء والقوة الرابعة الموساد الإسرائيلى بالإضافة إلى تجار الأنفاق وحملة السلاح.
مؤكدا أنه لابد أولا من إحكام السيطرة على الحدود وإغلاق الأنفاق بعدها سيبقى الخارجون على القانون، وهؤلاء يمكن للقوات المسلحة التعامل معهم، خاصة أن الشرطة أضعف فى المواجهات والتسليح لأن الخارجين على القانون لديهم ألغام ومتفجرات.
ومن جهته، فإن الناشط السياسى حاتم عبدالهادى السيد يرى أنه لا أحد يحكم سيناء، لأن فى المحافظة قيادتين إخوانية وأخرى تتبع دولة الإخوان وهى التى تحكم، والأمن على فوهة بركان.
وأضاف، أن هناك أيادى خفية تعبث فى سيناء وأمنها منها أذرع لحماس والبلطجية وعناصر وجماعات لا نعرف عنها شيئا وأيادى إسرائيل تدخل وتخرج فى أى وقت بدون رقابة أمنية.
وطالب حاتم، لبسط نفوذ الدولة على سيناء، أولا تحقيق المطالب الخاصة بالأهالى والتنمية، وثانيا الإفراج عن السجناء السياسيين ومن أخذوا ظلما وإغلاق الأنفاق قائلا: «وأول شىء جمع السلاح المنتشر».
أما الناشط والروائى مسعد أبو فجر فقال إن الأعراف والقيم هى التى تحكم سيناء بالفعل ولولاها لانهارت سيناء، والواقع أنه لا يمكن أن نحدد قوة بعينها يمكنها السيطرة على سيناء، الواقع يؤكد أنه لا أحد يسيطر على سيناء ربما الفراغ هو المسيطر، ثم إن تقليدية النظام وغباءه السياسى وراء استمرار أوضاع سيناء على ما هى عليه حتى الآن.
وعلى الصعيد الميدانى بعيدا عن رؤية أبو فجر فإن الجماعات المسلحة فى سيناء ترتبط بصورة وطيدة لفصائل فى غزة ممثلة فى حركتى الجهاد وحماس، كذلك ما تسمى حركة جلجت أو جيش الإسلام فى القطاع وتستطيع فصائل غزة أن تثير القلاقل فى سيناء بسهولة عبر عناصر متشعبة لا تقل عن 5 آلاف عنصر منها مسلح، كما توجد قوى مدنية تجارية ترتبط معها وهو ما يؤكد أن هذه الفصائل فى غزة لاعب أساسى فى السيطرة على سيناء. القوات المسلحة ممثلة فى المخابرات الحربية تملك قدرا كبيرا من السيطرة على سيناء عبر علاقات متينة مع القبائل ومع الشيوخ، خاصة الشيوخ الحكوميين فقرابة 700 شيخ حكومى يجتمعون بصورة دورية مع مختلف الأجهزة لبحث تداعيات الأحداث فى سيناء.
المخابرات الحربية نجحت 6 مرات فى إطلاق سراح رهائن أجانب اختطفوا أو احتجزوا فى سيناء من خلال علاقات مباشرة مع عناصر فاعلة فى سيناء، وهى تحظى باحترام كبير لدى المجتمع السيناوى.
فيما تحظى المخابرات العامة وجهاز شؤون القبائل بحظوة كبيرة أيضا.
سيناء تنتظر مصر..الخمسة الكبار «المؤثرون» فى شبه الجزيرة.. الجيش والقبائل وإسرائيل والجهاديون وغزة.. وحل مشكلة سيناء تبدأ بالتنمية وغلق الأنفاق
الأربعاء، 24 أبريل 2013 09:36 ص