تفاصيل مؤامرة مخابرات صلاح نصر للقضاء على "سرور" برواية طلال فيصل

الأربعاء، 24 أبريل 2013 11:48 ص
تفاصيل مؤامرة مخابرات صلاح نصر للقضاء على "سرور" برواية طلال فيصل غلاف الرواية
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تفاصيل الشهور الست الأخيرة فى حياة "نجيب سرور" وتفاصيل القبض عليه بعد اعتدائه على ضابط وتحويله لمصحة العباسية وتعذيبه بالكهرباء وبأدوية المهدئات الكبرى للقضاء عليه
تطرح رواية «سرور» للكاتب والمترجم طلال فيصل، الصادرة مؤخرًا عن دار الكتب خان عدة أسئلة حول رواية السيرة الذاتية، وهى الفن الذى لا يقترب منه الروائيون فى الكتابة العربية إلا بحذر، خاصةً ما إذا كانت شخوص هذه الروايات فى الماضى القريب أو المعاصر؛ أو لا يزال بعضهم على قيد الحياة.

وفيما تعرض المكتبات الفرنسية أو الإنجليزية سنويًا أكثر من رواية من هذا النوع، رواية السيرة الذاتية والتى تبدو فى الأدب الغربى نوعًا مستقرًا وراسخًا بين الفنون الروائية، تبدو المكتبة العربية متوجسة من هذا النوع من الروايات، ربما خوفًا من الملاحقة القضائية، وربما للطبيعة المحافظة للمتلقى العربى، والتى تجد حذرًا فى التعامل مع شخصيات المشاهير بشىء من التحرر، والذى يحتاجه الروائى لكتابة مثل هذا النوع من الروايات.

يجىء اختيار الشاعر والمسرحى الراحل «نجيب سرور» «1932-1978» موضوعًا للرواية، بحياته المثيرة للجدل، وتفاصيلها الصاخبة واصطداماته العنيفة مع السلطة ومع أبناء جيله، ليؤكد الأسئلة التى تريد الرواية طرحها، وتثير من جديد سؤالاً حول مدى حرية الكاتب فى تناول الشخصيات العامّة، باستخدام الخيال الروائى.

الرواية التى تتخذ محورها الشهور الستة فى حياة نجيب سرور، عام 1969، وتم حبسه فى مصحة الأمراض العقلية بالعباسية، يستخدم فيها أسلوب الرواة المتعددين، والمزج بين الوثائق الحقيقية الرسمية والمتخيلة لصياغة الحياة الدرامية العنيفة لذلك الكاتب.

نرى فى الرواية عملية القبض على نجيب سرور، واقتياده لنقطة الشرطة العسكرية والتى تقوم بتحويله لمصحة العباسية.

وفيما تلتزم الرواية بالصرامة والحياد فى عرض الأحداث يبدو كل شىء غائمًا، فنحن نستمع لوجهات النظر المختلفة حول الحدث الواحد بحيث يبدو كل شىء ممكناً، وكل شىء قابلاً للتصديق؛ بين التقارير الطبية لدخول نجيب سرور مصحة العباسية ومتابعة حالته وبين ما يكتبه سرور نفسه عن التجربة، لا يمكن الوصول ليقين محدد، ولا حقيقة واضحة؛ فبينما تؤكد التقارير اقتياده لنقطة الشرطة العسكرية بعد تحرير محضر سكر وتشرد له واعتدائه بالضرب على الضباط، ثم تحويله منها لمصحة العباسية، ثم اعتدائه على الأطباء ما استلزم تحويله لمادة أربعة «وهى عنبر الخطرين فى مصحة العباسية فى ذلك الوقت»، على الناحية الأخرى نقرأ على لسان نجيب سرور تفاصيل الاعتداء عليه، المؤامرة التى أعدتها له مخابرات صلاح نصر لإدخاله مصحة العباسية، وتفاصيل تعذيبه بالكهرباء وبأدوية المهدئات الكبرى حتى يقضوا عليه تماما، أو كما نقرأ على لسانه فى الرواية «أشعر بالاطمئنان قليلاً، المطمئن لا يضل أبدا، من الذى قال هذه العبارة من المتصوفة، الجيلانى أم ابن عربى أم ابن الفارض، أصبحت ذاكرتى بالغة الرداءة هذه الأيام، «يلعن أبوالأطباء النفسيين على أبوالعلاج بالكهرباء على بهايم أمن الدولة الذين لا يفرقون بين متطلبات العمل ومتعتهم الشخصية فى التعذيب، ولكن فى أحيان أخرى تسيطر علىّ حالة من العدم والخواء» ثمّ لا نلبث فى آخر الرواية أن نقرأ وجهة نظر مختلفة لطبيب آخر أشرف على علاجه وساعده فى الخروج من العباسية، بما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة وقابلة للنظر.

أحد الأسئلة التى تطرحها الرواية بقوة، هى مدى حرية الكاتب فى عرض وجهة نظر الشخصيات فى بعضها البعض، خاصة أن بعض هذه الشخصيات لا يزال يعيش بيننا للآن؛ نقرأ على لسان نجيب سرور نفسه يقول: «عبدالوهاب، من قال أنى لا أحبه؟ بالعكس، تعجبنى شخصيته وموسيقاه الشبيهة باللصوص الظرفاء الذين نقرأ عنهم فى الروايات الفرنسية.. يسرق من هنا ومن هناك. لا تزال حكايته مع رءوف ذهنى ماثلة فى البال - وغيره كثيرون - مصّ دمهم وبنى منهم مجده الشخصى.


لست غبيا حتى أنفى عنه كل موهبة؛ أدرك جيدا ذكاء ومعرفة عبدالوهاب الموسيقية ودأبه الشديد فى العمل وحرصه على الحياة ونهمه لكل ما يتعلق بها، المال والطعام والصحة والنسوان.. بل وحتى وسوسته التى اشتهر بها هى أحد صور نهمه للحياة. يا دكتور، أنت تسمع عبدالوهاب فى الإذاعة، ولم تره فى الجلسات الخاصة، تعليقاته أو طريقته وهو يأكل الدجاج - أكلته المفضلة - أو يغازل هذه الراقصة أو تلك المطربة».

كما يتردد أكثر من مقطع - حاد اللهجة - تعبر فيه الشخصيات بحدة عن رأيها فى أشخاص بالاسم، مثلما نقرأ على لسان زوجة نجيب سرور، السيدة ساشا، قولها: «لو كان نجيب يشرب الحشيش بدلاً من الخمر التى فتكت به، ربما كان زمانه عايش بيننا الآن، لكن كله مقدر ومكتوب، كله قسمة ونصيب» ربما يفسر هذه الحدّة فى لهجة الكتابة طبيعة الشخصية التى تتناولها الرواية، فالشاعر والمسرحى نجيب سرور مشهور بقصيدته «.. مّيات» والتى استخدم فيها أسلوبًا جارحًا وألفاظًا شديدة الخشونة فى انتقاد أبناء جيله، مستخدماً أسمائهم، «وجدير بالذكر أن شهدى، ابن نجيب سرور، حين قام بنشر هذه القصيدة على موقع إلكترونى عام 2001، تم القبض عليه بتهمة نشر مواد إباحية!» وكذلك فى كتابه المجهول «هكذا تكلم جحا» الذى يعبر فيه بحدة وبلغة مقذعة عن رأيه فى الفنانين من أبناء جيله، وربما يكون أفضل تعبير عن طبيعة حياته الغربية ذلك المقطع فى الرواية، نقرأ على لسان زوجته ساشا «كان يترك الشقة وينزل لمقهى «على كيفك» فى المنشية بملابس ممزقة وشبشب.

كان يضحك مع الناس ويُضحكهم ويرقص وسطهم، لم يكن يطيق الحياة بعيدًا عن الناس أو التصفيق، وكأنّه كان يرد على الذين منعوه من التمثيل بأن جعل من الشارع خشبة هائلة لمسرحه المتنقل وموهبته الطاغية، يا إلهى كم كانت موهبته طاغية! كان يخرج من «على كيفك» وحوله مظاهرة صغيرة من المتفرجين رواد مسرح، يمسك الشبشب ويلقى به على صورة مرسومة فى الشارع للسادات، الذى باع مصر لليهود، ثم يعود لى آخر الليل مرتديا «ليّة» خروف - لم أستطع أبدا أن أعرف من أين كان يجئ بها يا تُرى».

يمكن تفهم الحرج الذى تستشعره الرواية العربية من هذا النوع الأدبى، لاسيما أن خيطًا رفيعًا يقع بينه وبين الكتابة الفضائحية، وهو بحاجة لحذر من كاتبه وقارئه معًا، فحين تبدأ فى استخدام أسماء حقيقية لا يمكنك بالضبط معرفة الواقع من الخيال، وهو الأمر الذى يشغل كثيرًا بال القارئ العربى المولع بالبحث عن الحقائق الشخصية داخل الروايات، وكثيرا ما تجدُ فى الرواية الكثير من المواقف التى لا يمكن معرفة الواقع من الخيال بدقّة فيها، أبرزها مشهد نجيب سرور فى شقة الممثل الشهير زين العشماوى، حيث سيقرأ قصيدته أميّات وسط مجموعة من الفنّانين فى تلك الفترة، هنا نقرأ على لسان شخصية جلال الساعى، الطبيب المسؤول عن نجيب سرور: بعد قليل تأتى المطربة شريفة فاضل، وكانت فى أول مشوارها الفنّى، وتجلس جوارى ضاحكة - ويبدو أنها كانت قد ثملت قليلاً، تطوق عنقى بذراعيها:

- مكسوفة ليه يا بيضا؟
فتضج الضحكات من حولى، ويقول حسين كمال:
- تخيلى. لسة فيه رجالة بتتكسف!
فيعلق نجيب سرور بشكل صارم لا يخلو من مرح:
- بالراحة على الراجل يا ستّى، ده دكتور محترم مالوش فى الهلس بتاعكم ده.

وهو السؤال الأكثر حضورًا فى هذه الرواية المثيرة للجدل، مدى حرية الروائى فى التعامل مع الشخصيات العامة، بأسمائها الحقيقية، ومدى حريته فى التعامل، بل والتدخل فى التاريخ والوثائق الرسمية، مستخدما خياله الشخصىّ والروائى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة