برنامج "أرض وقرض" مسعى طموح لعلاج أزمة المساكن بالسعودية

الأربعاء، 24 أبريل 2013 07:09 م
برنامج "أرض وقرض" مسعى طموح لعلاج أزمة المساكن بالسعودية صورة أرشيفية<br>
الرياض (رويترز)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما قرر الشاب السعودى فيصل الدخيل الذى يعمل بالقطاع الحكومى الزواج حاول أن يستأجر شقة قريبة من مكان عمله فى أقصى غرب العاصمة السعودية لكن ارتفاع أسعار الإيجارات سرعان ما أفقده الأمل.

يقول الدخيل الذى لا يتجاوز 25 عاما والذى تزوج قبل أقل من عام "أنا أداوم فى أقصى غرب الرياض وأسكن فى أقصى شرق العاصمة ويستغرق الأمر منى ساعة وربع الساعة إلى ساعة و45 دقيقة يوميا للذهاب إلى العمل والعودة منه.

"تتراوح أسعار الإيجارات فى الأماكن القريبة من العمل بين 60 و80 ألف ريال سنويا (16000 - 21300 دولار) ولا أستطيع دفع مبلغ كهذا، لذلك اضطررت للسكن فى مكان بعيد عن العمل مقابل 26 ألف ريال وهو سعر ليس بسيطا أيضا".

وطالما كان ارتفاع أسعار الإيجارات عاملا رئيسيا من عوامل التضخم فى المملكة. ووفقا لتقرير شركة الاستشارات العقارية "جونز لانج لاسال" ارتفعت أسعار إيجارات الشقق فى الرياض 80% فى 2012 متجاوزة وتيرة ارتفاع أسعار إيجار الفلل وهى 6%.

وبحسب تقديرات شركة الاستشارات سى.بى ريتشارد إيليس يعيش نحو 60% من المواطنين السعوديين الذين يقارب عددهم 20 مليونا فى شقق مستأجرة.

ومثله مثل الكثير من الشباب من مواطنى أكبر مصدر للنفط فى العالم يجد الدخيل امتلاك منزل خاص به أمرا غير قابل للتحقيق فى الوقت الراهن مع ارتفاع أسعار الأراضى وصعوبة الحصول على التمويل.

وقال الدخيل لرويترز: "أسعار العقار عالية جدا. كثير من الشباب وأنا منهم يرى أنه من المستحيل أن تحصل على بيت تمليك" كيف يمكن تدبير 1.4 مليون ريال لشراء منزل وهذا السعر لمنزل فى حى عادى جدا وليس فى حى راق".

وفى خطوة تهدف للتغلب على مشكلة نقص المعروض السكنى لاسيما لذوى الدخل المنخفض فى البلاد التى يعيش فيها نحو 29 مليون نسمة أعلن العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز فى 2011 عن تخصيص 250 مليار ريال (67 مليار دولار) لبناء 500 ألف وحدة سكنية للمواطنين خلال عدة سنوات.

لكن ظلت وتيرة تنفيذ برنامج الإسكان الطموح بطيئة الخطى رغم الثروة النفطية للمملكة إذ واجهت وزارة الإسكان صعوبات فى الحصول على الأراضى اللازمة لتنفيذ مشروعاتها.

وتعانى سوق الإسكان فى السعودية من عدد من المشاكل أبرزها النقص الشديد فى المعروض والزيادة المستمرة فى أسعار الإيجارات والمضاربة على الأراضى غير المطورة وطول فترة الحصول على التراخيص إلى جانب عدم توافر القدرة المادية بين معظم الشرائح التى يتركز فيها الطلب.

وبعد مرور عامين على الإعلان عن برنامج الإسكان أصدر الملك عبد الله الأسبوع الماضى قرارا بأن تمنح وزارة الإسكان المواطنين أراض سكنية وقروضا للبناء عليها فى خطوة من شأنها أن تغير الطريقة الحكومية القديمة لمنح الأراضى وتزيل أحد أكبر العقبات أمام استكمال برنامج الإسكان الضخم.

كما نص الأمر الملكى على تسليم جميع الأراضى الحكومية المعدة للسكن إلى وزارة الإسكان لتتولى تخطيطها وتنفيذ البنى التحتية لها ومن ثم توزيعها على المواطنين حسب آلية الاستحقاق.

وقال جون سفاكياناكيس الخبير الاستراتيجى لدى شركة ماسيك للاستثمار فى الرياض "القرار خطوة مهمة نحو سد الفجوة بين العرض والطلب، وستنخفض أسعار الأراضى مع تخصيص المزيد منها لوزارة الإسكان. لن تنخفض أسعار الأراضى لاسيما فى الرياض إلا بتوافر المزيد لاسيما أن معظم الأراضى لا تزال غير مطورة".

ويمكن بسهولة لأى شخص يقوم بجولة سريعة بالسيارة فى شوارع الرياض المزدحمة أن يرى مساحات شاسعة من "الأراضى البيضاء" وهى الأراضى غير المطورة فى أماكن سكنية جذابة مما يوضح تأثير المضاربات على سوق يعانى بالفعل من شح المعروض.

ويقول خبراء بالقطاع إنه يوجد ما يقارب أربعة مليارات متر مربع من الأراضى البيضاء داخل النطاق العمرانى لمنطقة الرياض ويمتلك رجال الأعمال نحو خمس تلك الأراضى ويحتفظون بها دون تطوير ربما للرغبة فى ارتفاع أسعارها لاحقا أو لصعوبة تطويرها سريعا فى ظل تعقيدات روتينية وتحمل تكلفة تزويدها بالخدمات والبنية الأساسية.

كما أن نظاما قديما لمنح الأراضى أدى لزيادة المساحات غير المطورة إذ لم يمتلك الحاصلون على تلك الأراضى الأموال اللازمة للبناء عليها.

يقول مايك ويليامز رئيس الأبحاث لدى سى.بى ريتشارد إيليس فى المنامة "وزعت وزارة الشؤون البلدية والقروية نحو 2.2 مليون قطعة من الأراضى بطريقة المنح لكن لا توجد بيانات توضح كيف جرت الاستفادة من تلك الأراضى".

ويضيف: "من المرجح أن معظم تلك الأراضى لا تزال غير مطورة وهذا يثبت أن نظام منح الأراضى غير كاف لمعالجة مشكلة الإسكان فى المملكة".

كان وزير الإسكان شويش الضويحى قال فى مارس أذار إن الوزارة تواجه صعوبة فى الحصول على أراض مناسبة لإقامة مشاريعها السكنية وإن ما حصلت عليه حتى الآن يمثل نحو ثلث ما تحتاج إليه.

ويرى سفاكياناكيس إن 1.3 مليون طلب قرض جرى تقديمهم لصندوق التنمية العقارى مقياس جيد على حجم الطلب. من ناحية أخرى ترى سى.بى ريتشارد إيليس أنه ينبغى بناء 85 ألف وحدة سنويا لتلبية الطلب الناتج عن النمو السكانى المتوقع.

ويبدو أن نقص الأراضى ليس العائق الوحيد إذ يرى خبراء بالقطاع أن البيروقراطية وعدم مشاركة القطاع الخاص فى تنفيذ المشروعات من أبرز الأسباب وراء تأخر تنفيذ برنامج الإسكان.

يقول الخبير الاقتصادى عبد الوهاب أبو داهش "خلال العامين الماضيين كانت وزارة الإسكان تضع استراتيجيتها ولم يكن لديها رؤية واضحة من الأساس فى كيفية معالجة مسألة الإسكان".

ويضيف: "كما أن البيروقراطية عامل آخر. هناك العديد من اللوائح والإجراءات التى لا تخدم القطاع العقارى بقدر ما تخدم المضاربة فى البيع والشراء".

وأعطى أبو داهش أمثلة على ذلك من بينها منح الأراضى فى أماكن بعيدة عن النطاق العمرانى ومنح الأراضى الكبيرة لمطورين عقاريين كبار يأخذون من ثلاث إلى خمس سنوات لتطويرها إلى مشروعات سكنية.

من جانبه قال المحلل العقارى خالد الربيش: "الإشكالية فى السوق العقارى هو أن الحكومة لم تكن ذراعا رئيسيا خلال السنوات السابقة فى توفير البنية التحتية الجيدة لتشييد المساكن وكان القطاع الخاص هو المنوط بهذا الأمر".

وأضاف أن ذلك أدى إلى تركيز المستثمرين على مدى عشرين عاما مضت على توفير الأراضى فقط.

وقال الربيش: "ثقافة السعوديين أصبحت تتجه لشراء الأرض ورسخ هذه الثقافة وجود دعم صندوق التنمية العقارى الذى يقرض للبناء.. المشروع الحكومى لم يضع قنوات أخرى لتوطين البناء مثل تأسيس شركة إسكان كبرى".

وأجمع أبو داهش والربيش على أن الحل الجذرى لمشكلة الإسكان يكمن فى إشراك القطاع الخاص فى حل المشكلة كونه أكثر دراية باحتياجات السوق.

ويرى أبو داهش أن معظم الأراضى الواقعة داخل النطاق العمرانى مملوكة لمطورين ومستثمرين فيما يقول الربيش إن محاولات القطاع الخاص ضخ المزيد من الوحدات للسوق يعوقها الارتفاع المستمر والمتزايد لإسعار الأراضى.

ويقول الربيش: "يجب أن تكون هناك شراكة بين الحكومة بقدراتها المالية والدعم والأراضى وبين القطاع الخاص بخبرته وقدرته على معرفة احتياجات السوق.. لتوفير وحدات سكنية بأسعار مناسبة للشريحة العظمى من المواطنين".

ويؤيد هذا الرأى أحد رجال الأعمال البارزين بقطاع الإسكان إذ يقول سلمان السعيدان الرئيس التنفيذى لمجموعة سلمان بن سعيدان العقارية إن تأخر الوزارة فى تنفيذ برنامج الإسكان يعود لضعف المعلومات المتاحة لديها وهو ما يفسر عدم وضع آلية لتوزيع المساكن حتى الآن.

ويضيف السعيدان: "هم تركوا مهمتهم الأساسية فى ترتيب السوق وتجهيز الدعم المناسب للمطورين. الوزارة ليست مقاولا أو منفذا ولا يجب أن تكون كذلك.. نحن كمطورين تعلمنا الكثير على مدى سنوات وصرنا نفهم ما هى متطلبات السوق".

وأشار إلى أهم العوائق التى تواجه المطورين عدم توافر البنية التحتية من مياه وكهرباء وتليفونات وإنارة ونقص المواد الخام التى يحتاجها القطاع والتى يجرى استيراد معظمها.
وخلال الاسبوع الماضى أصدر العاهل السعودى توجيهاته باستيراد عشرة ملايين طن من الأسمنت لتلبية النقص فى السوق المحلية نتيجة النمو العمرانى ومشروعات التطوير.

وقدر السعيدان الفجوة بالسوق بين 1.5 ومليونى مسكن مشيرا إلى أن تكلفة المسكن الواحد شاملة الإدارة والخدمات تصل إلى 600 ألف ريال.

ويؤدى نقص المعلومات الموثوقة إلى صعوبة تحديد النقص فى المساكن فى المملكة التى من المتوقع أن تشهد نموا سكانيا بنسبة 2.1% خلال 2010- 2015 وهو رقم يزيد كثيرا عن المتوسط العالمى البالغ 1.1%.

كان الوزير الضويحى قال فى يناير خلال برنامج تلفزيونى إن السوق بحاجة إلى 1.1 مليون مسكن وإن آلية التوزيع ستكون بعد عام وستكون عبر نقاط تمنح الأولوية للأرامل والمعاقين وكبار السن.

ويرى أبو داهش أنه بافتراض تطبيق الحلول المقترحة قد يستغرق الأمر عامين كى يبدأ تنفيذ برنامج الإسكان فيما يرى فهد التركى كبير الاقتصاديين لدى جدوى للاستثمار أن الانتهاء من البرنامج بأكمله قد يستغرق عشر سنوات، وبعيدا عن توقعات المحللين لا يزال فيصل الدخيل متفائلا بامتلاك منزله الخاص فى نهاية المطاف لكنه لا يتوقع أن يكون ذلك فى المستقبل القريب.

يقول: "بالطبع سأقدم على طلب أرض وقرض. يجب أن نأخذ بالأسباب لكن ربما يستغرق الأمر خمس سنوات حتى يبدأ دور الشباب الذين قد يأتون فى المرتبة الخامسة أو السادسة ضمن آلية التوزيع".









مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة