حينما قُطعت الكهرباء منذ عدة سنوات لساعات قليلة، فى إحدى الولايات لأمريكية، كادت عمليات النهب والسطو والسرقة والرعب أن تقضى على الولاية، وحين ضرب إعصار ساندى الولايات المتحدة، نشرت وسائل الإعلام الأمريكية أخبارا عن عدة حوادث نهب وسرقة فى نيويورك ونيوجيرسى، فى الوقت الذى عانى فيه المواطنون من الأضرار التى تسبب فيها الإعصار.
كما أفادت صحيفة نيويورك بوست، أنها تعرضت لسطو ونهب كثير من المحلات التجارية ومحطات الغاز فى شبه جزيرة روك أوى فى نيويورك، وجزيرة كونى.
كما ذكرت الصحيفة أن شرطة نيويورك سيتى، شددت دورياتها فى المناطق المنكوبة بإعصار ساندى، ونفذت عمليات مفاجئة فى أنحاء المدينة، وغير ذلك كثير فى أكبر دولة فى العالم لديها أقوى جيش وأقوى جهاز شرطة FBI، وأقوى جهاز مخابرات CIA.
فى مصر المحروسة، نحن لا نعانى من تعصب مُفرط للوطن chauvinism- لكننا نعرض حقائق تعكس معنى "مصر المحروسة" من ربها، ثم من شعبها، فقد قال الله تعالى فى سورة يُوسُف "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، وقد سار على أرضها إدريس ويوسف وموسى وعيسى والعذراء وغيرهم من خير خلق الله، لقد أدار شئونها يوسف-عليه السلام، ففاض خيرها على غيرها من البلدان، وفى زمن المجاعة التى ضربت المدينة المنورة أرسل عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص "حاكم مصر" طلبا للغوث والنجدة، فقال له سأرسل لك مددا أوله عندك فى المدينة وأخره عندى فى مصر، تعبيرا عن ضخامة المدد، وغير ذلك كثير لا يمكن لمقال أن يحصيه.
شعب مصر يصنع المعجزات، كان عبد الناصر يقول ولا يفعل "قال سنلقى إسرائيل فى البحر فألقت به خارج سيناء بأكملها"، ولقد استطاع الصهاينة أن يحتلوا الجولان من سوريا والقدس من الأردن وسيناء وغزة من مصر "حيث كانت غزة تحت الإشراف المصرى"، وانهار الجيش المصرى بفعل الإهمال والاستبداد والظلم والفساد وسوء الإدارة، وضُربت الطائرات المصرية على الأرض فى مرابضها، وترك الجنود الدبابات والمدفعية، ولاذوا من سيناء بالفرار سيرا على الأقدام، ولم يعد فى مصر جيش إثر هزيمة يونية 1967، فمن الذى حمى مصر؟ حماها ربنا، ثم شعبها العظيم المتحضر، فلم يجرؤ الصهاينة على مواجهة الشعب المصرى بعد أن قضوا على جيشه.
ثم استطاع الشعب العظيم، أن يُعيد بناء جيشه فى زمن قياسى، وفى السادس من أكتوبر 1973 عبروا القناة، ودحروا الغزاة، ودوت فوق ربوع سيناء صيحات "الله أكبر"، فزلزلت حصون العدو وأرهبته، وأبكت قادته فهرعت أمريكا لنجدته.
وحين أذهل الشعب المصرى العالم بثورته فى 25 يناير 2011، مما دفع أجهزة إعلام العالم كله تتفرغ لمتابعة الحدث فى بث يومى على مدار الساعة، وقدم المصريون نموذجا جديرا بالتقدير والاقتداء، وخرجت المظاهرات فى كثير من دول العالم تؤيد الشعب فى ثورته، وهم يرفعون شعارات "فلنكن كالمصريين".
فى 28 يناير انهارت الشرطة المصرية كما انهار الجيش المصرى فى يونية 1967، فمن الذى حمى مصر؟ حماها ربنا، وقام الشعب المصرى بحماية مُقدرات الوطن، كما قام بحماية حدوده فى 1967 م، فلم نشهد اعتداء على مسجد أو كنيسة أو مؤسسة أو بنك، إلا ما كان من فلول نظام، وهنا اتضح للمصريين من المسئول عن إثارة الفتن، ورعاية البلطجة والإجرام.
حقٌ لنا أن نفخر بوطننا حين نعرف أن بعض السفارات الأجنبية ترسل تقارير إلى وزارات خارجيتها، تقول: نحن فى عجب وذهول مما يحدث فى مصر، فبعض وسائل الإعلام تُظهر أن مصر لا أمان بها حين يتم التركيز على بعض البؤر المتوترة صغيرة العدد والتأثير، والمحدودة جدا فى أماكنها، ولكن الإعلام يُصدر للناس تضخيما لها، بينما الحقيقة تعكس أن المصانع والبنوك والشركات والمؤسسات تعمل، والطرقات وإن كانت فى زحام إلا أن المركبات تسير، والموانئ الجوية والبحرية تستقبل القادمين والبضائع المستوردة، ويسافر المسافرون وتنقل البضائع المصدرة، والناس تأكل وتشرب وتتعلم وتذهب للمستشفيات وتتسوق وتتنقل من مكان لآخر، وتنام فى آمان عجيب فى ظل غياب كبير لمؤسسة الشرطة، والتى لم تعد تعمل بكفاءة حتى الآن بعد مرور أكثر من سنتين.
وأفادوا أن معدل الجرائم وسرقة السيارات والمحلات والأشخاص والمنازل، وإن كانت موجودة إلا أنها فى أدنى حدودها حين يتم مقارنتها مع دول أخرى تعمل فيها الشرطة ليل نهار، دولة لن تسقط، ووطن لن ينهار.
من قام بالعنف أو حرض له لا يعبر عن جموع هذا الشعب الطيب الكريم، إننا قد نجد مواطنا يأكل قطعة من الجبن مع بصلة صغيرة فى حقله، أو ساندوتش من الفول فى مصنعه، أو يجلس على الرصيف ممسكا ببعض أدواته فى انتظار من يأتى إليه ليحفر له أرضا، أو يهدم له سورا، أو ينقل له مواد البناء، لكننا نجده فى أغلب الأحيان أعظم وأكثر تحضرا من مواطنى البلاد الغنية المتقدمة، ولما لا؟ وهو يختزن قيم دين يعرف منها الحلال والحرام، كما يختزن تراثا حضاريا عبر آلاف السنين بما يعكس أمرا يُشبه اليقين أن هذه الدولة لن تنهار، وأن هذا الوطن لن يسقط، وأن المرجفين فى الداخل والخارج لن يزحزحونا عن إيماننا بربنا، ثم بشعبنا قيد أنملة.
فالله سبحانه تحدث عن أمنها، وعكس الشعب المصرى فى كثير من مواقفه تحضرا أذهل كثيرا من المراقبين فى شتى أنحاء العالم.
نحن فى أزمة "نعم" لدينا سوء أداء إدارى على كل المستويات، وغابت الرؤية والخيال، ونستحق أفضل من هذا، يتآمر على الوطن قوى من الداخل والخارج، لكن ربنا أخبرنا أنه "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" – فاطر 43، فلن يرهبنا كيد الكائدين ولا مكر الماكر ولا خيانة الخائنين، لكن الذى يزعجنا فعلا هو "سوء الأداء"، وهو محل نظر الله لأنه "سبحانه" قد يحجب النصر والتوفيق لا بسبب قوة ومكر الأعداء والخصوم، ولكن بسبب تقصيرنا، فلا أمريكا ولا الصهاينة بقادرتين على احتلال مصر، أو تركيعها أو تجويعها، ولا الفلول بقادرين على العودة إلى الحكم، ولا الجيش براغب فى السلطة، ولا بعض دول الإقليم بقادرة على تغيير مصر، فمما نخاف؟ ومما نرتبك؟ إننا قادرون على تجاوز أزماتنا، وإنجاح ثورتنا، وإنجاز أهدافها من خلال الاعتماد بصدق، وإنكار الذات، وتحقيق شراكة وطنية معتبرة، ومن المهم أن تعكس مواقفنا أننا نثق فى أنفسنا لنحقق الارتقاء بعملنا (حكاما ومحكومين).
وعلى حكامنا مسئولية أكبر من غيرهم بما يملكونه من سلطة وأدوات، فإذا فعلنا فإننا سنكون (بصدق) قد أطعنا ربنا ووفينا بحق بنى أوطاننا.
الأهرامات
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام حسين
اتفق تماماً