ألقت نظرة أخيرة من النافذة.. تحركت بخطوات مرتعشة خائفة تجاه باب شقتها.. فتحت الباب وبدأت تنزل سلم المنزل والرعشة فى قدميها تزداد.. مدت يديها فى حقيبتها لتتأكد من وجوده.. دلفت إلى الشارع.. تحركت وهى تتلفت ذات اليمين وذات اليسار.. رأت هدفها يقترب.. وهنا سمعت خطوات أقدام مسرعة تتحرك خلفها.. أسرعت فى خطواتها والخطوات من خلفها تسرع أيضاً.. لم تجرؤ على النظر خلفها.. تحاول أن تسرع الخطى حتى تصل إلى هدفها قبل أن يلحق بها صاحب الأقدام التى خلفها.. بدأت تنظر فى عيون الناس حولها علها تجد من يساعدها فى محنتها.. الجميع يلاحظون ما يحدث ولكن لا يحاولون أن يتدخلوا.. فقط يتابعون.. يتجاهلون.. وبعضهم "يبتسمون"!!
وصلت أخيراً إلى "هدفها" محطة المترو القريبة من منزلها.. وذهبت لتقف بجوار مكتب "الشرطة" بالمحطة عل متابعها ينصرف خوفاً.. التفتت خلفها لتنظر لأول مرة إلى متابعها لكنها لم تتعرف عليه.. وجدت العديد من النظرات تختلس النظر إليها.. وهناك من لا يختلس النظر بل هو يلتمها بعينه.. بدأت تعدل من هندامها.. أخرجت من حقيبتها منديل بدأت تنشف عرقها.. أدخلت الشعيرات التى هربت من حجابها إلى موضعها مجدداً.. أخذت نفسها لتستكمل "مغامرتها اليومية".. أنطلقت لتركب المترو.. شاهدت طابور طويل أمام شباك التذاكر.. فحمدت الله أن معها "اشتراك" مما يبعدها عن الوقف فى ذلك الطابور الذى يعد مغامرة فى شدة الخطورة بالنسبة لها.
وصل المترو ودلفت إلى عربة "السيدات" التى لم تكن تحمل من اسمها غير الاسم فقط.. فقد فوجئت بالداخل بالعديد مٍن مَن لا تنطبق عليهم كلمة "السيدات" وعرفت إنهم تابعين لذلك الذى كان يطاردها خارج المترو.. بل ويمتهنون نفس مهنته.
وقفت بجوار سيدة كبيرة علها تحميها من الأعين المسلطة عليها.. وقفت بجوارها تبحث عن الأمان لبضع دقائق.. فى تلك الأثناء قالت السيدة الكبيرة لأحد "الشباب" المقتحمين لعربة السيدات: ألا تعرف إنها "عربة للسيدات فقط".
الشــاب "ببجاحة": مأنتوا بتركبوا عربياتنا ومش بنقولكوا حاجة.
تدخلت "بطلتنا" فى الحوار قائلة له بعنف: أطلع برة العربية فى المحطة الجاية لو سمحت.
وهنا أثبت الشاب جدارته للركوب فى تلك العربة فقد تجرد فى لحظة من رجولته ولطمها لطمة قوية على خدها وهو ينعتها بشتيمة "سوقية" بمعنى عاهرة.
فى تلك اللحظة وصل المترو للمحطة التالية فخرج الشاب جارياً بعد أن دفع السيدات التى وقفن فى طريقه وأسقط سيدة فى عمر والدته أرضاً.
اليوم طويل وقصة تلك الفتاة هى مليئة بالأحداث.. وهى مجرد "حالة" تعكس ما تتعرض له الفتايات فى يومها الطبيعى.. فى بلد يدعى الجميع أنه "متدين بطبعه"!..
أصبح خروج الفتاة من بيتها هو فى حد ذاته مغامرة غير محسوبة العواقب.. يودعها أهلها فى سرهم ويتمنون عودتها.. ويقسون عليها إذا تأخرت خوفاً عليها من غابة أصبحنا نسكن فيها.
إذا كنت تجد معاكستك لفتاة أو تحرشك بها هو شىء "تافه" أو أنها هى التى تستحق ذلك وتسعد لذلك.. إذا كنت تجد أنه طبيعى أن تحرمها حقها فى الخروج من بيتها.. فتخيل شعورك إذا حدث ذلك لأقرب الأقربين.. التحرش أصبح يطول الجميع لا يميز بين زى والآخر أو بين سن والآخر.. إذا ارتضيت بقانون الغاب سيطولك أنت وأهلك يوماً ما.
