والله إن العين لتدمع عندما يجد المرء نفسه فى حالة غريبة من الذهول وهو يستعيد ذكريات ثمانية عشر يوما ملؤها الطهر و البراءة و التفانى فى حب مصر العظيمة كان نتيجته نجاح تلك الثورة بشبابها العارية صدورهم من أى حماية وبسلميتهم و إصرارهم وإخلاصهم فى إقصاء أقصى طاغية و فاسد و مفسد عرفه تاريخ مصر منذ حكمها العسكر إبان ثورة يوليو وقد أسعدنى الحظ و أكرمنى الله أن وفقت لأرقام تليفونات بعض من تلك الأسر التى قدمت ابنها أو ابنتها وقودا لتلك الثورة البيضاء و تحدثت إليهم وبقدر ما كان يغلبنى الدمع وأنا أتحدث إليهم عرفانا لما قدموه من أرواح ودماء شبابهم فتيانا و فتيات إلا أنى كنت أجد البعض منهم أثابهم الله أكثر منى ثباتا إيمانا منهم بأنهم مؤمنون بأنهم قدموا ما قدموه لله و لرفعة هذا الوطن ومن هنا انطلق المسمى الناصع الذى أطلق على هؤلاء النفر وهو مسمى الشهداء أسال الله أن يقبلهم ولا أزكى على الله أحدا وأسال الله أن يرزق كل أم لفتى أو فتاة من مصابى تلك الأيام الصبر وأن يجعل ما قدمه أبناؤهم فى ميزان حسناتهم وأن يرزقهم الشفاء العاجل.
قارنت تلك الأحاسيس التى أعتقد أن كل مصرى ينتمى إلى تراب هذا البلد كان غارقا فيها فى بحار من النبل و الإيثار فى ميدان الثورة الذى لم يفرق بين غنى و فقير بين مسلم أو مسيحى بين علمانى أو سلفى أو إخوانى كانت تلك المشاعر الجميلة ينبوع من الأصالة تفجر أنهارا من ميدان التحرير ليفيض على أرجاء مصر كلها ويغرقها فى شلال من المشاعر النبيلة و الجميلة و المشاركة و الإيثار ولا ننسى قيام شباب الميدان بتنظيف الميدان بالكامل بأنفسهم مبهرين العالم أجمع برقى ثورتنا البيضاء ولا ننسى جهود شبابنا وكهولنا فى اللجان الشعبية بعد موجة الرعب التى أغرقنا فيها إعلام المخلوع ولا تزال نفس الشخوص المنفرة تطل علينا فى جو يفقدنا الشعور بالسعادة حينما نتذكر تلك الأيام الجميلة التى كان فيها الثائر ثائرا حقا و الفلول والمنبطحون يعرفون قدرهم يتخفون من الناس خوفا وهلعا لأنها أيام كان الحق فيها أبلج لديه الدافع لإرهاب الباطل.
ثم تنتقل الصورة البائسة التى رأيناها فى صورة المخلوع فى جلسة طلب الإفراج عنه الأخيرة وهو مهندم مصبوغ الشعر يتحرك و بصحة وعافية لأنه بالتأكيد لا يتعاطى المسرطنات التى خص بها شعب مصر وبالتالى رأيناه متمتعا بكامل صحته ومحييا أنصاره بإشارات يده التى لم يكف عنها وعلامات السعادة و السرور تنضح من وجهه ألم يقل من قبل أنا أو الفوضى و الأدهى و الأمر أن نجد تلك الأيام السوداء التى تلونت فيها الأمور فاختلط الثائر بالبلطجى وصعب التفريق بينهما واختلفت النخبة من إخوان و إنقاذ وباقى الأحزاب فتفتق ذهن عباقرة النخبة أمام القدرة الإسلامية على التعامل الإيجابى مع الشارع أمام نخبة ليبرالية عاشت عمرها تدير معاركها من خلال الفضائيات دون أى تواجد حقيقى بين الجماهير فهداها لا أقول تفكيرها لأن التفكير يهدى إلى طريق الصواب ولكم أقول هداها شيطانها إلى شرعنة إضفاء غطاء الثورة و الثوار على البلطجية و فلول النظام السابق للاستفادة من خبراتهم السابقة فى التعامل مع الإسلاميين وأيضا للاستفادة من أموالهم المنهوبة هم وعصابة طرة ليواجهوا على الضفة الأخرى نخبة إسلامية جيدة ومخلصة النوايا ولكن دون خطة حقيقية يراها الناس ودون أمن ينعكس على الرجل المصرى البسيط وارتبط للأسف الإداء بالعناد وسقط الإخوان فى فخ إرادة لهم نخبة علمانية لا تبحث إلا عن السلطة و الكرسى دون أن تقدم بديلا علميا لما ينتقدونه من أداء الإسلاميين مع أن الأغلب الأعم منهم يحملون درجات الدكتوراه ولكن يبدو أن بريق السلطة يطمس على العقول ولذا انخرط الطرفان فى فعل من قوى ليبرالية يقابله رد فعل من الإخوان وتفرغ الطرفان كل فى إنهاك الآخر ولا ننسى ما يقدمه إعلام مضلل من أكاذيب يندى لها الجبين فى محاولة لإفشال تجربة إسلامية ثورية رائعة أروع ما فيها هو فسيفساؤها التى تميزت بها من بدايتها بميدان الثورة حتى وصلنا تلك الأيام التى نعيشها فالرئاسة و الحكومة، ورغم بعض الإنجازات، دائما فى مرمى النار و فى جحيم التخوين و التشكيك دون أن يتفضل السادة المنتقدون أو إعلاميو الضلال من تقديم بديل فالهدف هو إهالة التراب و إسقاط الرئيس ولو كان الثمن مصر وأهلها والرئاسة أيضا مشغولة بالعناد مع الإنقاذ بل و العناد مع فصائل إسلامية أخرى دون أن تقوم الرئاسة بالتواصل مع الشعب لوضعه بالصورة فهو صاحب الحق الشرعى ويحتاج أن يعرف ولا يجب تركه ليستقى معلوماته من إعلام ضال و مضل- وتجربة بسيطة ترينا كم الغل و الكره التى يتفنن إعلاميو المرحلة فى شحن الناس بها فأحدهم قام بعمل كتاب عن إنجازات الرئيس فإذا كافة الفضائيات تفرغ مساحات بثها لتكذيب ما جاء بالكتاب أو تشويهه- هذا للأسف هو إعلامنا.
ما أريد أن أساله للسيد الرئيس الذى تعهد بالقصاص للشهداء و السادة نخبة مصر الذين بالتأكيد استرعى انتباههم وقلقهم مشهد المخلوع وهو بالقفص فى كامل أبهته بالنظارة وساعة قيل إن ثمنها مليونا جنيه والله أعلم وكذا السادة الإعلاميون الأفاضل الذين تخصصوا فى الإفشال و نشر الأكاذيب أعتقد أن الكل استاء من هذا المنظر ولا بد أن نترجم جميعا هذا الاستياء إلى فعل إيجابى يصب فى تصويب مسار الثورة و القصاص لشهدائها وجرحاها
رحم الله الشهداء وحفظ مصر من السوء.
صورة أرشيفيه
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة