مع اقتراب السيد الرئيس محمد مرسى من إنهاء الربع الأول من فترة ولايته، يجدر بنا أن نتوقف عند بعض الحقائق ونعيد تقييم الموقف.. فالثابت أننا نواجه مشاكل جمة، ومتفاقمة، ومعقدة، وتحتاج بالفعل لحلول غير تقليدية.. وحلها لن يأتى فى اللحظة الأخيرة كما فى مباريات الكرة العصيبة التى تمر فيها المباراة كلها بدون تهديف لصالحنا وسط أداء بطيء، وغير موفق، ثم تأتى الصيحة الشهرة من الجمهور فى الدقائق الأخيرة من المباراة "هيلا هوب".. فتأتى "لطشة مباركة" لتنهى المباراة نهاية سعيدة.. ففى السياسة الحاصل هو العكس.. لابد من أداء تراكمى منذ اللحظة الأولى بناء على خطة معدا سلفا.. وتقدير سليم للموقف - تم قبل الترشح للمنصب - وخطوات تقنع الجماهير بأن تحتشد حول القيادة السياسية، وتجعلها تشعر بالتفاؤل لوجود تلك القيادة بعد أن تلمس بوادر الإصلاح والرفعة.
لكن ما حدث على أرض الواقع، أن الرئيس بسرعة مذهلة خسر شرائح عريضة من مؤيديه - الذين جمعهم بالكاد فى الانتخابات - ولم تفلح الإجراءات التى اتخذتها حكومته التى اختارها وأصر على استمرارها، ولم يفلح انحيازه لرأى معين عند صياغة الدستور فى إصلاح الأحوال بشكل ملموس.
الرئيس جرب كل شىء: سفريات خارجية عديدة ومتعددة، وسياسة داخلية بدأت بـ"احضنوا بعض" وانتهت بـ"حظر التجول" و"الثعبان، والحمامة، والقرداتى". وتواكب هذا الأداء وهذه الشعارات مع تغير شعارات الجماعة أيضا فبعد أن كان "الإسلام هو الحل" وتعدل لـ"نحمل الخير لمصر" أصبح "ابقى تعالى وأنا أقولك فين؟" وقريبا سيكون "كله سلف ودين"(!)
حتى فى مباريات الكرة المدرب والجمهور يتيحان الفرصة للاعب على الأقل إذا كانت تحركاته تلبى الحد الأدنى من الطموح فمجال تحرك حارس المرمى معلوم.. وتعامله مع الهجمات أيضا له أسس وقواعد متبعة وكذلك بالنسبة لرأس الحربة وبقية المراكز، فإذا شذ لاعب أو حتى مدرب أو أصر أن يلعب بـ5 لاعبين فقط وليس 11 كأى فريق أو لم ينسجم مع الفريق وجب تبديله. وأحيانا يطلب اللاعب أو المدرب غير الموفق تبديله، ولهذا توسع الفيفا فى عملية التغيير، وأصبح ثلاثة لاعبين فى المباراة بعد أن كان القانون ينص على تغيير لاعبين اثنين فقط لسنوات طويلة. ولذلك تغير أكبر الفرق والمنتخبات مدربيها غير الموفقين، وبلغة الرياضة أيضا ينبغى أن يكون هناك انسجام فى التحركات حتى تلوح بشاير النجاح والفوز.. فالملاحظ أننا مع الرئيس كأننا نؤدى مباراة فى "زوجى التنس" وكلما جاءت الكرة فى ملعبنا اصطدمنا معا أو ألقى كل طرف مسئولية رد الكرة على زميله تاركا الكرة تمر دون رد. لا يمكن لأفضل مدربى العالم أو أفضل لاعبى التنس أن ينجحوا طالما غاب الانسجام وغاب التعاون وغابت الثقة.
الدكتور مرسى يعلم أيضا أن المسجون يخرج فى نصف المدة، ومصر بالفعل تنتظر وتتطلع لفرصة جديدة، ولأمل فى الأفق ولـ"كوتش جديد".. فى جميع الأحوال نفترض حسن النية وكلنا ثقة بأن الرئيس يحب مصر، ويحب نفسه بكل تأكيد.. ولذلك كله يقترح كاتب هذه السطور أن يتقدم الدكتور مرسى باستقالته داعيا لانتخابات مبكرة، خطوة كتلك ستحسب للدكتور مرسى بالتأكيد مع العلم بأن هذا الإجراء سيتم الترتيب والتجهيز له والاستقرار على جدول زمنى للتخريجات القانونية وللحملات الدعائية، وللانتخابات وللإعادة.. بشكل يجعل الرئيس مرسى يعمل فى النهاية ما يقارب من نصف مدته.
@@@خطوة كتلك من جانب الدكتور مرسى قد تدفع البعض لتأييده إذا ما طرح نفسه مجددا فى الانتخابات الرئاسية المبكرة أو التالية، أو أن يترشح لمنصب آخر رئيس وزراء أو وزير مثلا.. وفى كل الدول المتقدمة يحدث هذا بلا حساسيات ولا ضغينه.. فنجد الرئيس السابق يقبل حتى أن يكون مبعوثا لرئيس حالى، والمنافس السابق يقبل أن يكون وزيرا للمواصلات مثلا.
لقد فعلها مبارك من قبل فتخلى قبل نهاية ولايته.. حينما تبين أن بلا ظهير جماهيرى حقيقى غير محشود وغير مصطنع، وفعلها المجلس العسكرى حينما استشعر غضبة جماهيرية على سياساته، وكان من المخطط أن يبقى لعام 2013 على أقل تقدير.
لو استمر الرئيس مرسى وفقا لمعدلات الأداء الحالية سيصل سعر الدولار لـ14 جنيه فى نهاية فترة ولايته وسيبلغ حجم الدين الداخلى الذى استدانته الحكومة (فى عهد الرئيس فقط) 800 مليار جنيه.. وستستمر الجباية متمثلة فى رفع أسعار السلع الأساسية والخدمات، وسيستمر حجم القلق وعدم الرضا تجاهه من: أنصار حمدين، وأنصار البرادعى، وأنصار أبو الفتوح، وأنصار عمرو موسى، وأنصار حزب النور، وأنصار غالبية الأحزاب ذات الشعبية.. و 6 إبريل، والأقباط، والألتراس، وخط القناة، وسيناء، والدلتا والقاهرة والإسكندرية، وسيستمر الصدام مع القضاء، ومع الإعلام، ومع الجيش، ومع المخابرات العامة، ومع الشرطة (أحيانا)، ومشيخة الأزهر، وسيستمر القلق حتى على الحدود التاريخية المعروفة لمصر، ناهيك عن الإساءة للإسلام بكذب متكرر وتطرف غير مقبول، وهذا وضع لا يحتمل.. سيجعل مصر على أقل تقدير مصابة بالشلل.. ويصدر للأجيال القادمة أعباء لا قبل لهم بها.
إذا لم يستجب الرئيس مرسى لندائى - وأحسب أنه لن يفعلها - فإنى أطالبه على الأقل بأن يلتزم بأحكام القضاء ويعيد المستشار طلعت عبد الله لمنصة القضاء كما طالب المجلس الأعلى للقضاء، وكما سبق وأن استقال هو نفسه.. وأن يستغنى عن رئيس وزرائه ومستشاريه الحاليين فكلهم لهم نفس التوجهات والمواقف.. والقدرات أيضا، "إننا نسمع ضجيجا لا ولا نرى طحينا" نرى فقط "السيارات الفارهة" التى يستقلها هؤلاء المستشارون – مستقطعة من ميزانية الدولة- وكأننا دولة غنية بدون أزمات، أو إنهم عباقرة نجحوا فى إخراجنا من المحنة ويستحقون التدليل والرفاهية.
سيادة الرئيس تعاملت بشكل منحاز تماما مع من أتوا للاتحادية لتأييدك، وتتحمل مسئولية ما تعرض له من أتوا للتظاهر ضدك.. تعاملت بشكل متراخ مع من هاجموا مشيخة الأزهر والكاتدرائية.. وقام أحد أنصارك بصفع فتاة مصرية فأسقطها أرضا دون أن تثور وتغضب لما حدث لها.. والتزمت الصمت إزاء إهانة القضاء الذى تمت الانتخابات والاستفتاءات تحت إشرافه (!) وتهجم ابنك على ضابط شرطة فلم تتحرك لعمل محضر صلح أو دفع 50 جنيها غرامة مثلا.. ونسب لك ما يسىء للمخابرات قاهرة الموساد، وأغضبت جماعتك الجيش مرار وتكرارا، قبل الانتخابات وعدت جماعتك وحزبك بعدم خوض الانتخابات الرئاسية. وتراجعتم.. وبعد الانتخابات اتخذتم قرارات عديدة ثم تراجعتم عنها.. تم جميلك يا ريس.. التغيير هو الحل، والله من وراء القصد.
• أكاديمى وخبير فى شئون الصراع العربى الإسرائيلى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ماندو
وماذا بعد مرسى
عدد الردود 0
بواسطة:
حمودة
أنســــــــــــــــى ياعمـــــــــرو ...
عدد الردود 0
بواسطة:
Ahmed
حسبي الله ونعم الوكيل
في اللي اداك الدكتوراه
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي
شكرا جزيلا
عدد الردود 0
بواسطة:
ايهاب عيد
ردا علي المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
omar ashraf
شكرا لك
عدد الردود 0
بواسطة:
Nourhan Mohamed
المقال واقعى ولا يوجد به تحيز او افتراء
عدد الردود 0
بواسطة:
د. نوال أحمد
انتماء صاحب الفكرة لمصر..
عدد الردود 0
بواسطة:
Asmaa Sooma
احسنت يا دكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
عماد سالم
شكراً يا دكتور .. اللجان يمتنعون