راعنى ما رأيته من أخى الأصغر.. عندما وجدته يشاهد فيلما أجنبيا مليئا بالعنف والوحشية والدماء والضرب وفنون فى التعذيب.. جالسا مسترخيا.. ممددا ساقيه على أريكة غرفة المعيشة.. مبتسما..فى وقت المساء و قبل النوم وكأنه يشاهد فيلما كوميديا أو رومانسيا !!
لن أتحدث عن العنف الذى ظهر بين أطفال وشباب العالم العربى.. حتى لا يأخذنا الحديث إلى مسار آخر عن موضوع هذا المقال...
تساءلت !...كيف يكون كل هذا العنف فى بلاد أعلنت دائما إيمانها بالحريات ودعمها لها ورفضها للعنف بكل المواثيق الدولية !!
فى البداية.. كان العنف فى أوروبا للتسلية.. فقد كانت مسارح باريس تقدم عروضا ترفيهية تقوم على تعذيب القطط !!
فكان يتدلى من سقف المسرح سلك مربوط به قطة توقد تحتها نار وينزل السلك شيئا فشيئا.. وتتلوى القطة وتنتفض من تزايد الحرارة إلى أن تتفحم تماما وهنا يضحك الحاضرون ويصفقون فى مرح هيستيرى شديد!
وفى الثورة الفرنسية التى قامت فى عام 1789..وافق العديد من المفكرين مثل جون لوك وجان جاك روسو وغيرهم على استخدام العنف للوصول إلى الحرية.. ضد الهنود الحمر فى أمريكا لتحقيق الليبرالية والديمقراطية !
وعن الأدب البوليسى.. يقول الكاتب الراحل/ عبد العال الحمامصى (...إننا قد نقبل على الروايات البوليسية مترجمة ولكننا لا نكتبها.. لأن ظروفنا الحضارية والاجتماعية لم تفرز والحمد لله- جرائم تكنيكية معقدة على غرار المجتمعات المادية.. وما دمنا نعرف أن أى أدب لا يعكس إلا طوابع بيئته.. والنفس العربية.. توافقا – مع خصائصها الحضارية وقيمها الدينية تنزع إلى الرحابة الاجتماعية.. وليس الانغلاق الفردى وتحل مشاكلها وعقدها بالانتماء الاجتماعى..)
وفى تحليل السينما الأمريكية يقول المخرج والفنان التشكيلى الراحل كمال التلمسانى..(إن السينما الأمريكية تتباهى برعاة البقر الأقوياء الأشداء الذين يقومون بقتل الهنود بالمجان. والهدف النهائى من هذه الأفلام هو أن يعتاد المشاهد على الاستعمار الأبيض حتى ولم لم يطأ الاستعمار أرضه ذاتها. كما تتباهى الأفلام بمدى الحب والاحترام التى تكنه الطبقة العاملة لطبقة رجال الأعمال على عكس الواقع بالطبع ! )
وقد أنتجت أجهزة التربية الإعلامية والثقافية الأمريكية.. سلعة الابتهاج بالعنف.. ونشرت ثقافة تمجيد السلاح وتعلم تقنيات القتل بأحسن الطرق !!
ويعد التليفزيون الأمريكى أكثر تأثيرا كواحد من أجهزة التربية الموازية حيث يشاهد الطفل الأمريكى منذ طفولته حتى سن الثامنة عشرة حوالى 200000 عمل من أعمال العنف و400000 عملية قتل !!
وفى نتائج العنف الذى يتلقاه الطفل الأوروبى على أيدى والديه.. تؤكد الدراسات النفسية أن الطفل الذى يعانى من قهر والديه وتسلطهما يتعين عليه أن يتبلد كليا ويفقد مشاعره الإنسانية كى يستطيع الاستمرار فى الحياه والوجود، وهذا يعنى أنه يدمر فى ذاته مختلف أحاسيسه الإنسانية الطبيعية..
ومن هؤلاء الذين تصنمت أحاسيسهم بسب هذه التربية العنيفة..هتلر.. حيث قاد شعبه والإنسانية إلى مقاصل الموت والعدم.. فقد تلقى فى طفولته تربية تسلطية رهيبة مذلة فهيأته لدور إجرامى كاد أن يودى بالحضارة الإنسانية برمتها!
وعن العنف السياسى مع المواطنين فى أوروبا.. تقول هرتا مولر الأديبة الألمانية الحائزة على جائزة نوبل .. عام 2009 والرومانية المولد عن نضالها.. "عندما جاء أفراد الجهات الأمنية الرومانية، وطلبوا منى إذا ما كان لدينا ضيوف من ألمانيا، فينبغى على أن أكتب بعد الاجتماع "انطباعاتى" للجهات الأمنية.. كما طلبوا منى أيضا أ أبلغ عن زملائى الرومانيين والاختصاصيين وماذا قالوا للألمان..فأخبرته أننى لن أفعل ذلك فصفق الشرطى الباب قائلا "سأسبب لك المتاعب".. ولم يعد هناك أى سلام بعد ذلك.. وفصلت من عملى لرفضى التعاون مع الشرطة السرية !..ولم يسلم العلم من تسخيره لأغراض العنف.. فكانت استخدامات الذرة غير السلمية.. وإجهاض الأجنة والاتجار بها.. واستخدام الأطفال فى التجارة المحرمة..أو لإجراء الاختبارات والتجارب عليهم !!
وفى المجال الرياضى نشأت مصارعة الموت والحرق والدفن ووضعوها تحت مسمى الرياضة!..فأى رياضة هذه التى تهدف إلى ضرب الخصم ضربا مبرحا واستخدام كافة الأساليب الوحشية لهزيمته وربما موته!.. سوى تربية العنف فى نفوس الحاضرين وتمجيده.. وكانت أمريكا أول من ظهر بها مؤسسة المصارعة العالمية الحرة..
وقد أتت المصارعة إلى أمريكا عند استعمار إنجلترا لها فقد أحضر المستعمرون معهم عادات المصارعة القوية.. وقد لاقت هذه الرياضة الوحشية الجديدة قبولا بين الأمريكيين الأصليين!!
وعن أشكال العنف فى المخابرات العالمية.. نتذكر صلاح نصر.أسوأ من تولى رئاسة المخابرات المصرية فى تاريخها.. فقد أدار هذا الجهاز بأبشع وأقذر أساليب التعذيب.. والتى سافر وتعلمها فى ألمانيا !..فلم يتعلمها فى بلد عربى أو إسلامى!!
فما بالك بالذى يحدث داخل هذه الأجهزة الغربية فى عصرنا هذا؟!
وفى حريات التعبير.. اعتمدت بلدانا أوروبية كثيرة قوانين تحد من حرية التعبير وقد اعتمد بعضها قوانين تحظر الإساءة إلى رؤساء الدول.. فقد غرمت مجلة أسبانية، لنشرها رسما كاريكاتوريا مشينا للأمير وزوجته فى عام 2007، وغرم الصحفى الإيطالى ماسيميليانو ميليلى لإهانة الرئيس 2004، وغرمت المجلة البولندية Nie فى العام 2003 للإساءة إلى البابا.. وأصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكما بأن حظر النمسا لفيلم يهجو العقائد المسيحية يعتبر تقييدا مبررا لحرية التعبير، بسبب ما يسببه من إساءة لطائفة الروم الكاثوليك..
وأما عن حريات المرأة فى الغرب ومساواتها بالرجل.. فقد أكد تقرير لوزارة العمل الأمريكية أن معظم النساء فى الغرب يعملن فى الوظائف ذات الأجور المنخفضة والمكانة المتدنية وأن 97% من المناصب القيادية العليا فى أكبر الشركات يشغلها الرجال ! وأن 78% من النساء فى القوات المسلحة يتعرضن للتحرش من قبل الموظفين العسكريين.. ويصل الأمر إلى عمليات اغتصاب منتظمة للسجينات !!
وانتشرت فى أمريكا وأوروبا مطاعم تقدم الطعام على أجساد النساء العاريات !!
وهناك الكثير والكثير من الوقائع والأدلة والإحصائيات التى تؤكد أن الحريات فى هذه البلاد المتقدمة.. ليست بالصورة التى يروجون لها أمام العالم.. فالحرية لها معنى ودلالات أخرى.. لا تعرفها هذه الشعوب الغربية والتى هدفها الأساسى هو المادة.. واستخدام كل الأساليب والوسائل لتحقيقها.
