قد ينسى التاريخ ذات يوم ما فعله الحاكم وزبانيته من جرائم، وقد ينسى أيضا مقدار الانحدار الذى تسبب فيه هذا الحاكم، وربما ينسى أيضا حالة التردى الاقتصادى التى تسبب فيها، لكنه لا ينسى أبدا تدمير الحاكم لمؤسسات الدولة، وانتهاكه للقضاء والجيش والتعليم والإعلام، ولا ينسى كذلك محاربته لكل صاحب رأى، مهما برر المبررون، وتمنطق المتنطعون، فيصبح الحاكم بهذه الانتهاكات مستبدا، ويصبح التاريخ له عدوا، سرعان ما تنسحب هذه العداوة على كل من يؤيد هذا الحاكم ويناصره، فتكون تلك العداوة إيذانا بخروج هذا الفصيل من التاريخ تماما، لأن المواجهة هنا تحولت من صدام بين تيارات سياسية أو فكرية، إلى تحد واضح بين حركة التاريخ وجماعة مستبدة، ومهما طال الأمر فالنصر محسوم للتاريخ على أعدائه، ومهما كثرت التبريرات فلا يستطيع أحد أن يقف أمام تطور البشرية.
أتذكر الآن ما كتبه التاريخ «سلبا» فى حق الزعيم المصرى الكبير جمال عبدالناصر، بعد واقعة إهانة القاضى «عبدالرازق السنهورى»، فبرغم «أمجاد ناصر» فى مستويات سياسية واقتصادية واستراتيجية كبرى، لكن التاريخ لم ينس له أبدا تلك الواقعة، ولم ينس أنه هدد قاضيا ذات يوم، ولا مجال هنا للمقارنة، إذا ما نظرنا «فقط» لما يحدث الآن من انتهاكات حقيقية للساحة القضائية، للدرجة التى جعلت قاضيا شريفا مثل القاضى محمود حمزة، يعلن أن وزير العدل هدده هو وأبوه وأخوه، وذلك بعد إصداره حكما بعدم شرعية النائب العام «طلعت إبراهيم»، وقد لمست فى كلمات المستشار الجليل «حمزة» مع الإعلامى محمد الغيطى فى قناة التحرير، مدى الصدق الذى يتمتع به، وهو الذى وقف أمام زبانية مبارك، وكان من السهل أمامه أن يسير مع «الرايجة» لكنه أبى، مفضلا أن يحافظ على المبادئ التى تعلمها من أمثال المستشار أحمد مكى وقتما كنا نحسبه «رجل مبادئ»، وقبل أن يتحول إلى «رجل الحاكم»، فقال حمزة مخاطبا مكى عبر قناة التحرير «يكفى المشكلة النفسية اللى حصلت لى حينما رأيتك تسقط من عينى».. وكفى بهذا ألما وتنكيلا.
لا تقف حالات تهديد القضاة عند هذه الحالة، فكثير من قضاة مصر الآن يقعون تحت التهديد المادى والمعنوى، فهناك فئة مرضى عنها، وهناك فئات مغضوب عليها، ومن يقع فى أحضان السلطة يجد الخير الوفير، والمنصب الرفيع، ومن يظل متمسكا بمبادئه فإنه لا يجد إلا التهديد والوعيد والتنكيل، وقد علمت أن هناك قاضيا جليلا تم الضغط عليه أكثر من مرة من قبل الحكومة، حتى وصلت الوقاحة بمن يهدده إلى التلويح بتحويله إلى «التأديب»، والتفتيش، فيما يملك من ممتلكات متهما إياه بالرشوة دون دليل، وهو ما لم يتحمله قلب هذا المستشار فمات من الحسرة والكمد، وإذا كانت الصدفة وحدها جعلتنى أقف على تفاصيل تلك الواقعة، فإنى أجزم بأن هناك عشرات الحالات التى لا نعلم عنها شيئا، ولا تتيح لنا الظروف الوقوف على تفاصيلها، فلو افترضنا فعلا أن هناك قاضيا فاسدا أو مرتشيا، فهل من الواجب أن نقدمه للمحاكمة؟ أم نستغل هذه السقطة لمساومته وإخضاعه للسلطة؟، وهل يفترض بنا ونحن نقاتل من أجل استقلال القضاء، أن نلوح للقضاة بالمناصب والمميزات إذا كانوا من المستجيبين للإغراءات والمكافآت؟ أو نعرضهم للتنكيل والتهديد إذا كانوا من الواقفين على مبادئهم، المحافظين على استقلالهم؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ميمو
نريد كلاما مقنعا ..
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
الأخوان أرتكبوا من الجرائم ما لم يرتكبه هتلر..
عدد الردود 0
بواسطة:
زيكو
قضاة السلطان
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي المصري
تعلم من وائل قنديل
محاولة عودة نظام مبارك عن طريق القضاء فاشلة