هو خريج تجارة، وهى خريجة حقوق، تخرجا منذ ما يقرب العشر سنوات، تقدم الشاب طالبا ليد من ملكت قلبه، لم يكن الأب من النوع المغالى فى طلباته فهو يكفيه أن يرى ابنته مع من يسعدها، تمت الخطوبة فى حفل بسيط حضره بعض من الأقارب ممن يحضرون فقط لتأدية الواجب وتقديم التهانى ولا مانع أيضا من التندر والسخرية من كلا العروسين "عواجيز الفرح"، لا بأس فهى عادة مصرية قديمة الأزل.
الشاب المكافح قرر ألا يتمم زواجه إلا بعد بناء مستقبله وضمان الوظيفة المناسبة، نفسه العزيزة لا تقبل أن يصرف شخص آخر على بيته حتى ولو كان والده!
طالت فترة الخطوبة وصارت السنين تتسابق فيما بينها واحدة تلوالأخرى، المُكافح لا يجد وظيفة ولا يملك سوى الصبر، وكذلك الفتاة والتى تسعى جاهدة كى لا تشعره بكل تلك الضغوط الكبيرة التى يمارسها والدها عليها يوميا كى تتركه، لا تلقى اللوم على والد الفتاة لمجرد قيامه بفسخ الخطوبة، فهو يرى ابنته وقد تقدمت فى العمر مرتبطة بشاب لا مستقبل له، لقد مارس دوره كأب يفكر بعقله فقط.
يجلس صديقنا المكافح فى غرفته المظلمة وحيدا، تاركا فكره يسبح داخل ظلام غرفته الحالك لعله يجد سبيلا للخروج من تلك الأزمة التى يمر بها، تمر الأيام عليه ثقيلة وصعبة، إلى أن جاء اليوم المشهود، طرق شديد على الباب، والده يطلب منه أن يرتدى ملابس ثقيلة وأن يأتى معه كى يقفوا فى أقرب لجنة شعبية إلى منزلهم، إنه لا يعلم شيئا إلى أن شاهد على شاشة التلفزيون مشاهد لحرق أقسام الشرطة ومشاهد لقتل ودهس المتظاهرين، قرر أن يقتل سلبيته القبيحة وأن يشارك فى المظاهرات ولكن دون علم أهله.
خرج تاركا رسالة إلى والده يخبره فيها أنه ذهب كى يُسقط من أسقطوا حلمه، خرج من ظلام غرفته إلى النور، خرج من عالمه الشخصى ضيق الأفق إلى عالم أكثر اتساعا وشمولية، خرج صديقنا ولم يعد!
لا يعلم أحد عن صديقنا شيئا، والده كاد أن يُجن باحثا عن ابنه الوحيد، لا يعلم ما إذا كان ما زال على قيد الحياة أو قُتل فى الأحداث، انضم صديقنا إلى 1200 شاب مفقود منذ أيام الثورة، ها هو الشاب صاحب الوجه المبتسم والروح الممتلئة بالحماس.. يختفى.
الأب يصفع ابنه بشدة فور عودته ثم يحتضنه وهو يبكى على أنغام العود الحزينة. نهاية سعيدة كالتى نراها فى أفلام الخمسينيات والستينيات، كنت أتمنى أن أضعها أمامك عزيزى القارئ ولكننى سأخبرك الواقع ولا شيء غيره، لم يظهر صديقنا ولم تستطع أى جهة تحديد مكان اختفائه، صديقنا خرج منتفضا ضد الفساد ولكنه لم يجد طريق العودة حتى اليوم، يقف حاليا فى منتصف الطريق حائرا لا يفهم أى شيء من ما يدور حوله، لا يعلم ما إذا كان فعل الثورة كان صحيحا أم خاطئا، يخشى أن يتندر عليه العالم قائلا "إنه عامل زى اللى رقص على السلم لا اللى فوق شافوه ولا اللى تحت سمعوه "، لا يرى أمامه سوى مسرحية تبدلت بها الأدوار، قبل الثورة كان يعلم من يلعب دور الشرير ومن يلعب دور الطيب، أما الآن فهو لا يعلم التوزيع الجديد للأدوار، صديقنا رمز، مجرد رمز لشعب خرج ولم يعد.
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
isllam
مقال مميز