لابد أن نعى أننا ننزلق دون أن ندرى، إلى غياهب جب الانحطاط الأخلاقى، ونحن نتعامل مـع قضية مبارك، وتغوص أقدامنا فى الوحل بعيداً عن القيم والأخلاق والدين، فمــبارك فــــى النهاية إنسان، فهو ليس ملاكاً كما يراه أنصاره على نحو يستوجب قيامهم بما يقومون به من مظاهرات وهتافات واشتباكات مع عوائل الشهداء والمصابين، وإحداث شرخ مجتمعى، لا تحتمل مصر توابعه، فمبارك رئيس تم خلعه من شعبه بثورة شعبية غير مسبوقة بغض
النظر عن حديث المؤامرة ـ صدق أو كذب ـ نتيجة أسباب موضوعية متراكمة عـلــى مــدار مدة حكمه، فمن حيث كونه أخطأ فقد أخطأ إلى حد الخطيئة. ومن أخـــطأ يحاسب بالقانون، ولا أحد يختلف منطقياً مع ذلك. ولا معنى مطلقاً للذود عنه بغير الطريق القانونى فى ذلك لأن الذود عنه بغير هذا الطريق يعنى الانزلاق إلى الأساليب غير الأخلاقية التى يشـــهـدها الشارع المصرى الآن. وهو ليس شيطاناً ولا حيواناً كما يراه مناهضوه وأعداؤه، فليــس
لك عنده سوى محاسبته حتى ولو أفضى الحساب إلى إعدامه، فهذا أقصى ما يتمناه ألــــد أعدائه خصومة.
وهو أقصى ما يتيحه القانون لمن يرغب فى اتخــاذ السلوك الأخـــلاقــى
سبيلاً، أما التربص والتشفى والشماتة فهى منزلقات تهبط بنا إلى نوع من التدنى الأخلاقى، لا يليق بشعب تمتد حضارته إلى فجر التاريخ، ولنا فى التاريخ القريب مثل يحــتذى فــى السلوك الأخلاقى.
كلنا يعلم أن الملك فاروق حينما غادر مصر بعد اندلاع الثورة ضـــــده قام الثوار بإصدار الأوامر إلى سلاح المدفعية بإطلاق إحدى وعشرين طلقة كما تقضـــى قواعد البروتوكول، ليس من باب احترام الملك فاروق وحسب، وانما من باب احــــترام مصر.
فالرجل كان ملكاً للمملكة المصرية ويجب أن يعامل بعد خلعه بهذه الصفة. لـيـــس ذلك فقط وإنما أيضا لحق بيخت المحروسة أحد الزوارق وهو يحمل بعض أعضاء مجـلــس قيادة الثورة، وقاموا بأداء التحية العسكرية للملك وهو يغادر البلاد لآخر مرة. لم تخسر الثورة شيئاً، ولم يخسر الثوار، وكسبت مصر. ليس معنى ذلك القول بالتعاطف مع مبارك.
فالتعاطف من عدمه سلوك إنسانى، والتعاطف لن يفيده شيئاً فهو فى النــهاية صفــــحة وانطوت من تاريخ مصر ولا سبيل إلى عودتها بحال بنفس الشخوص، ولكن ذلك من باب
"ارحموا عزيز قوم ذل"، أما ما تم تداوله فى مجلس الشــورى مــن أوصـاف وشــتائم ومطالبات فهى تنم عن تشف وغل وحقد أسود لا يمت لمصلحة الشعب المصرى بصـــلـة، وإنما مبعثها علل شخصية تنطوى عليها النفوس. ولا يصح ولا يليق بمجلس شـــورى مصر أن تكون منطلقاته شخصية محضة، أما عن حالة الرئيس المخلوع فلا مــعــنى لها سوى أنها تتناسب عكسياً مع حالة الثورة، ويتضح ذلك من حالته فى الجــلــٍســة الأولى والجلسة الأخيرة.
