دائما ما تكون الخطوات بين مصر وتونس متقاربة، فما يحدث فى القاهرة ستجد صداه يتردد فى تونس بعدها بساعات أو أيام، والعكس صحيح، فثورة الياسمين التونسية كانت هى الشرارة التى بثت الأمل فى قلوب ثوار مصر.. فالظروف متشابهة والأوضاع تكاد تكون واحدة، ففى البلدين حصل حزب الحرية والعدالة «مصر»، والنهضة «تونس» على الحكم، وهما ينتميان للتيار الإسلامى، كما أن الحزبين يواجهان معارضة من القوى المدنية، ومع ذلك هناك خلافان جوهريان بين التجربتين، الأول أن النهضة فى تونس أفسحت المجال ولو كان ضيقا أمام عدد من القوى السياسية الأخرى لتشارك معها فى الحكم، وتوافقت معها على ما يسمى بالترويكا الحاكمة، بينما الإخوان فى مصر أرادوا الاستحواذ على الحكم بمفردهم، وهو ما دفعهم للتصادم مع القوى المعارضة.
الأمر الثانى أن تونس تشهد تحركات قوية من السلفيين، ممن لا يهدأون فى اتهام المعارضين «العلمانيين» بالكفر، وما يستتبع ذلك من نتائج تصل لحد إصدار فتاوى بإهدار الدم، بينما فى مصر السلفيون غالبيتهم اختار الطريق السياسى وتخلوا جزئيا عن أفكارهم المتشددة.
وما بين التشابهات الكثيرة بين البلدين، والاختلافات القليلة، وأثناء جلوسى مع بسمة الخلفاوى، المحامية التونسية والناشطة وزوجة المناضل الراحل شكرى بلعيد الذى اغتالته يد الغدر أمام منزله قبل شهرين كان السؤال: هل يمكن أن تصل مصر إلى ما وصلت إليه تونس بإطلاق يد الاغتيال السياسى لتطال قيادات المعارضة مثل الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى وغيرهما، خاصة وقد سبق وحذر الدكتور ناجح إبراهيم القيادى السابق بالجماعة الإسلامية من إمكانية حدوث هذا السيناريو فى مصر.
السؤال بالرغم من غرابته فقد بدا ممكنا، فمن كان يتوقع أن يغتال الحسينى أبوضيف برصاصة غادرة أمام قصر الاتحادية، وقبله جيكا وغيرهما من الشباب، مما قد يشكل مقدمة قد تتسع وتنتقل من الشباب إلى القيادات، وهو ما جعلنى أحاول فهم ما جرى فى تونس قبل وبعد اغتيال بلعيد، خاصة أن الاغتيال كان نقطة تحول للثورة التونسية، حكومة النهضة التى كانت عصية على الحل أو الإقالة أصبحت من ذكريات الماضى، كما أن السلفيين ممن طالتهم سهام الاتهام بقتل بلعيد تراجعوا، وربما يفكرون الآن فى مراجعة أنفسهم والانخراط بشكل أكثر عمقا بالعملية السياسية ليكسبوا الشارع التونسى، بعدما أثار اغتيال بلعيد غضبهم على السلفيين.
شكرى بلعيد رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين، والمعارض اليسارى المعارض تفرق دمه بين الجميع، لكن ظروف وسيناريو اغتياله، وما حدث بعد ذلك، غيّر من شكل السياسة فى تونس، وساهم فى إجبار حكومة حمادى الجبالى، الأمين العام لحزب النهضة، على الاستقالة.
لقد بدأ الأمر على الفضائيات عندما كانت تدور مناقشات حادة بين بلعيد وبين قوى النظام التونسى، كان أشهرها انسحاب بلعيد من أحد اللقاءات التلفزيونية فى مواجهته مع أحد أعضاء البرلمان التونسى، تلاها تلقى بلعيد للعديد من التهديدات بالتصفية الجسدية.
نفس المشاهد تتكرر مع المعارضة المصرية، خاصة من الشباب، وقد صدرت دعاوى من بعض الإسلاميين بإهدار دم البرادعى والمعارضين، وعندما قتل بلعيد جرت صدمة وارتباك فى الوسط السياسى التونسى انتقلت إلى مصر، وساهمت فى كبح جماح الفتاوى والتصريحات المحرضة لبعض الإسلاميين المتعصبين، خاصة أن بلعيد كان من أبرز ضيوف الفضائيات وأكثرهم جذبا للاهتمام مما رفع من شعبيته فى الشارع التونسى وخاصة بين خصوم حزب النهضة.
فى مصر لم يصل الأمر لدرجة الاغتيال المباشر أو التصفية الجسدية وإنما تعرض عدد من النشطاء والصحفيين للعقاب سواء عن طريق الخطف، كما حدث مع الزميل الصحفى محمد الصاوى الذى تعرض للخطف لمدة 8 أيام تم استجوابه من قبل جماعات مجهولة عن علاقته ببعض النشطاء المصريين الفاعلين، أو تعرض بعض النشطاء للقتل بشكل مباشر كالزميل الصحفى «الحسينى أبوضيف»، أو «جيكا» ومحمد الجندى فضلا عن تعذيب آخرين على أيدى جماعات مجهولة وتم اتهام الإخوان.
قبل مقتل شكرى بلعيد ظهرت صفحات على فيس بوك ومواقع «إنترنت» محسوبة على تيارات سلفية متشددة دعت إلى تصفية عدد من الشخصيات التونسية التى وصفتهم بـ«العلمانيين الكفرة والمعادين للإسلام»، وأفردت أسماءهم فى قوائم سوداء، ضمت عددا من الصحفيين من بينهم الصحفى «معز بن غربية»، والكاتبة «ألفة يوسف»، والصحفى «نوفل الورتنانى»، والمدونة «ألفة الرياحى» وكان على رأسها أيضا المعارض والحقوقى المغتال «شكرى بلعيد».
هذه القوائم لا يمكن التثبت من صحتها أو دقتها أو الجهة التى تقف وراءها، إلا أن الإجماع يبدو حاصلا على جديتها، وطابعها التحريضى يأخذ على محمل الجد، ليصبح الرصاص فى مواجهة السياسة وكل معارض يقول لا فى وجه النظام الحاكم.
بعد مقتل شكرى بلعيد، سارع رئيس الوزراء النهضوى حمادى الجبالى إلى إدانة الحادث، ووصفه بأنه اغتيال سياسى كان موجها لاغتيال الثورة التونسية ذاتها -على حد تعبيره- تبعه موقف الرئيس المنصف المرزوقى، الذى قطع زيارته لفرنسا، وألغى زيارته لمصر للمشاركة فى قمة التعاون الإسلامى عقب قتل بلعيد، وأصدر بيانا رئاسيا دعا فيه إلى الحذر من الفتنة والعنف.
بالطبع لم يهدأ الشارع التونسى بتلك البيانات أو المواقف الرئاسية التى تفوح منها رائحة حزب النهضة، ونزل مواطنون فى عدد من مدن البلاد إلى الشوارع العاصمة التونسية فى حين تحدثت تقارير محلية عن إحراق عدد من مقار حركة النهضة، وقتها دعا وزير الداخلية التونسى على العريض قبل تقليده رئيسا للوزراء التونسى فى مداخلة على التلفزيون التونسى الرسمى، التونسيين والنخبة السياسية إلى ضبط النفس.
بعد مقتل شكرى بلعيد تغيرت الأوضاع فى تونس حاول رئيس الوزراء السابق حمادى الجبالى تشكيل حكومة تكنوقراط لتهدئة الأوضاع، وتوفير شروط انتخابات وإخراج المجلس الوطنى التأسيسى من مأزقه ليتمكن من صياغة الدستور الجديد، وجاء قرار الجبالى بحل الحكومة وبتكوين حكومة كفاءات مصغرة ومحايدة، مخالفا لما دعا له زعيم حركة النهضة الحاكمة، راشد الغنوشى الذى اقترح حكومة وحدة وطنية تجمع كل الأحزاب السياسية، مما يؤكد الأخبار والتسريبات الرائجة حول وجود قطيعة فى العلاقة بين الغنوشى والجبالى.
إلا أن هذه المبادرة باءت بالفشل وقضت على أحلام الشارع التونسى فى تشكيل جبهة قوية لمواجهة الحزب الحاكم، فرغم أن الأحزاب الـ«15» التى شاركت فى مشاورات الجبالى عبرت عن استعدادها لدعم حكومة مختلطة تضم وزراء سياسيين وغير متحزبين، فإن الاختلافات فى شكل الاتفاق كانت كبيرة فتم للقضاء على هذا الحلم، خاصة بعدما رفض الجبالى الذى يمثل الجناح المعتدل فى حزب النهضة التونسى الدخول فى نفق المساومات مع كوادر الحزب، خاصة بعدما عرضوا عليه بشكل مباشر البقاء فى كرسى رئاسة الوزراء مقابل القبول بشروطهم فى تشكيل الحكومة الجديدة، حيث أعرب حزب النهضة عن تمسكه بخيار تشكيل حكومة سياسية ائتلافية مستندة إلى شرعية انتخابات 23 أكتوبر 2011، ومنفتحة على الخبرات الوطنية الملتزمة بتحقيق أهداف الثورة وفق برنامج سياسى لاستكمال مرحلة الانتقال الديمقراطى وذلك بالإسراع بإنجاز الدستور وتنظيم انتخابات، «معتبرا أن مبادرة حكومة التكنوقراط لا تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة -على حد تعبيرها - ليعلن الجبالى عن استقالته بعد تصريحه بالفشل فى تشكيل حكومة تكنوقراط «غير سياسية» ليعلن بعدها حزب النهضة، اختيار وزير الداخلية على العريض خلفا لحمادى الجبالى لرئاسة الوزراء، ليقبل رئيس الدولة التونسى تكليف العريض برئاسة الوزراء، بعدها مباشرة قدم العريض لرئيس الدولة تصوره لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة التى تضم ممثلين عن أحزاب التحالف الحاكم وبعض المستقلين».
وحتى اليوم لم يهدأ الشارع التونسى ولا ساسته، ليتأجج الموقف ويصل لمرحلة الرغبة فى رفع لائحة لوم ضد الرئيس «المؤقت» منصف المرزوقى والمطالبة بحجب الثقة عنه، وقال رئيس الكتلة الديمقراطية المعارضة بالمجلس الوطنى التأسيسى فى تونس، على اكتمال الموقعين على العريضة المطالبة بتقديم لائحة لوم ضد الرئيس المؤقت المنصف المرزوقى، ليصل إلى «73» نائبا، وبالتالى سيتم عرضها على رئاسة المجلس الوطنى التأسيسى.
تقارب المشاهد المصرية التونسية، يجعلنا نقف جميعا فى حالة انتباه للمستقبل المصرى، فهل تطور الأحداث التونسية، ينبئ عن اقتراب سلسلة الاغتيالات فى الساحة المصرية، خاصة فى ظل الأوضاع المرتبكة وغير المستقرة التى تشهدها الساحة المصرية الآن، وللتذكير على سبيل المثال وليس الحصر، فأحداث منطقة المقطم وسقوط عشرات الجرحى والقتلى رغم عدم اعتراف الجماعة بهم، واستدعاءات النائب العام الكثيرة للصحفيين والإعلاميين والنشطاء للتحقيق معهم فى تهمة «إهانة الرئيس وما أسماه بازدراء الأديان» رغم وعود الرئيس المصرى بعدم المساس بحق التعبير وكفالة حرية المعارضة للجميع، يدل ويؤكد اقتراب هذا المشهد الذى سيكون ضد أحد رموز وكوادر الثورة المصرية، فأى من هؤلاء الرموز سيكون هدفا لبداية عمليات الاغتيال؟ هل هم رموز السياسة أم الصحافة؟
تشابه المصير والأزمات بين ثورتى مصر وتونس..الصراع بين النهضة والمعارضة انتهى باغتيال بلعيد.. وفتاوى إهدار الدم بمصر تهدد بتكرار المشهد
الأربعاء، 17 أبريل 2013 09:56 ص
بلعيد
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Sievn
و محاولة اغتيال صحبي صالح و رمي المولوتوف علي القصر الجمهوري
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى بيومى
التوانسة ناس طيبين .. هنا لو حصل حاجه للمعارضة هنرجع حركات الاغتيال السياسى الوطنى
عدد الردود 0
بواسطة:
m.o.h
نظام الحكم لايتمتع بالصبر لكنه ...
عدد الردود 0
بواسطة:
KIMO
ثورات الربيع العربى الوهم الذى نعيشه