محمود البدرى يكتب: رمانة الميزان

الإثنين، 15 أبريل 2013 04:34 ص
محمود البدرى يكتب: رمانة الميزان صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يدرك المجتمع المصرى بفئاته وشرائحه أهمية وقيمة الطبقة المتوسطة، تلك الطبقة السحرية التى خلقت حالة من التوازن بين طبقاته المختلفة، فهى وبحق همزة الوصل التى شدت من أواصر المجتمع فحفظت له تماسكه.

ندرك جميعاً أن دنيانا التى نعيشها ما خُلقت إلاً طبقات ودرجات كل يكمل الآخر لا لأن يسطو عليه أو أن يطغى، فالحكمة الإلهية أشارت إلى احتياج الفرد للجميع والجميع لذلك الفرد، كل له دوره وقيمته، وله حقوقه وواجباته.

شهدت الطبقة المتوسطة أزهى عصورها فى عهد عبد الناصر الذى إنحاز إلى الفقراء، والذى سعى إلى حمايتها وتحسين أحوالها والعمل على اتساع رقعتها برفع عدد غير قليل من الطبقة المعدمة ليرتقى بها إلى الطبقة المتوسطة فزاد عددها واتسعت شريحتها حتى صارت هى السائدة.

لم يتحقق ذلك إلاً بعد عدة قرارات ثورية لثورة يوليو أطاحت بإقطاع مستبد انفرد بخيرات الوطن وممتلكاته، فعمد ناصر إلى الحد من نفوذ الطبقة الغنية المالكة لزمام الأمور فى البلاد، وإن لم يخل الأمر من أخطاء وسلبيات كانت أقل من إيجابيات أكبر نفعاً وتأثيراً.

عمد فى سبيل ذلك إلى تقوية سياساته الاقتصادية بتبنى عدة مشروعات قومية وصناعات محلية ساهمت فى إنماء ذلك الفكر ليتيح لتلك الشريحة أن تشهد أفضل فتراتها والتى لم تر مثيلاً لها حتى يومنا هذا.

ثم جاءت فترة السادات التى حافظت على بعض سمات ومقومات تلك الطبقة غير أنها تأثرت كثيراً بعصر الانفتاح والذى تسبب فى تآكل كبير فى أروقتها، مما أحدث اضطراباً قوياً فى أحوالها بعدما طفا وطغى على السطح شريحة حققت ثراءً فاحشاً فى أوقات قصيرة أخلت بذلك التوازن.

فى تلك الحقبة الساداتية زادت شريحة الطبقة الغنية المالكة على حساب المتوسطة على التوازى مع زيادة مطردة فى الطبقة الفقيرة التى بدأت نسبتها تزيد تدريجياً باتساع الفارق بينها وبين الطبقة الغنية.

ثم جاءت الثلاثينية المدمرة بفترة حكم المخلوع الذى دمر المصريين واقتصادهم وهو ما لم تستطع أن تفعله حروب عديدة عاشتها البلاد من غير أن تنجح فى إحداث ذلك التشويه الذى أصاب وجه مصر بكل أوجهه الاقتصادى والاجتماعى ومن قبلها السياسى.

عمد ذلك النظام إلى تجفيف وتجريف البلاد وتخصيص خيراتها لحفنة قليلة من الدائرين فى فلكه، دون بقية فئات المجتمع فى ظل تجاهل شديد من تأثير ذلك على الاقتصاد المصرى مما أدى إلى اختفاءٍ متواصل ومستمر لرمانة ميزان المجتمع "الطبقة المتوسطة" لينتقل ساكنوها إلى الطبقة المعدمة التى اتسعت مساحتها لتشمل السواد الأعظم من سكان مصر فتبدل الحال وبدلاً من الارتقاء بأفرادها إلى أعلى وجدناها تنحدر بسرعة الصاروخ إلى الهاوية وهو ما أخل بجميع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أشار إليه المحللون والخبراء بتبعات ذلك الزلزال على مدار سنين طوال قادمة، وهو ما نعانيه الآن".

ظل الجميع فى ذهول من نسب النمو الاقتصادى التى يعلنها النظام البائد والتى لا يشعر بها أحد غير حفنة المنتفعين المتسلقين على أكتاف الوطن وانفرادهم بكل دعم وامتيازات فى ظل تجاهل شديد لبقية الشرائح، غير أن حقيقة لم يدركها الكثيرون من أن النظام البائد "نظام المخلوع" كان قائماً على القروض والمنح التى تدفع له بصفة دورية مستمرة ثمناً لحالة السبات والنوم العميق الذى أخذ مصر إليه، وهو ما حقق انطلاقة قوية للعدو التقليدى إسرائيل بعد تحييد مصر عن أى دور يذكر فى المنطقة.
عادة الطبقة المتوسطة لتلعب دور رمانة الميزان فى ثورة يناير حيث نجحت فى تحقيق حشد ملايينى فى فاعليات الثورة فساهمت بنصيب الأسد فى إنجاحها وإنجاح كل فاعلياتها اللاحقة.

لقد روى الشهداء جذور تلك الثورة بدمائهم لإحياء أمل ظل يتحسس طريقه ببصيص من النور تسرب من ظلام دامس استمر لسنين طوال.

ن إحياء الطبقة المتوسطة وعودة الروح إليها هو المشروع القومى الذى يجب أن يوليه أولو الأمر جُل اهتماماتهم وأن يدركوا قيمة تلك الطبقة التى ستعيد التوازن إلى المجتمع مرة أخرى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة