نقلا عن اليومى..
عبارة أطلقها الرئيس محمد مرسى فى خطبته للجنود والضباط أثناء زيارته لمعسكر الأمن المركزى منذ أسابيع قليلة، وقد أثارت هذه العبارة استهجان كل القوى الثورية، فهل اعتبر الرئيس أنهم شركاء فى الثورة عن طريق دورهم فى قمع وقتل الشهداء؟ ربما كان كلامه صحيحا فهم شركاء فى الثورة وكان لهم دور رئيسى وهو القتل، فأى معركة هناك طرفان، طرف قاتل وطرف مقتول، ولذلك كان دور الشرطة فى الثورة هو قتل الثوار وحماية النظام الفاسد، كما فعلوا طوال 30 سنة من حكم مبارك، وكان دور الثوار هو الثورة على الظلم والفساد والاستبداد.
ولكن لماذا قام الرئيس مرسى بتحية وتشجيع وزارة الداخلية وخصوصا الأمن المركزى؟
الواقع أن شرعية الرئيس وجماعته تآكلت بعد مخالفة الوعود الرئاسية وكسر كل العهود التى عهدوها على أنفسهم، فقد انضم الكثيرون ممن أيدوهم فى وقت من الأوقات إلى المعارضة الآن بما فيهم بعض التيارات الإسلامية، فحتى بعض المدافعين عن الرئيس وأفعاله من بعض التيارات الإسلامية أصبحوا الآن لا يجدوا ما يقولونه للدفاع، فالرئيس وجماعته يبدعون فى الخطأ والعناد والفشل.
وكعادة أى نظام مستبد تتآكل شرعيته يلجأ للاعتماد على جهاز الشرطة القمعى، وهذا يفسر مغازلة مرسى لوزارة الداخلية وإشادته بالرغم من كل ما ارتكبوه من جرائم بعد الثورة، مثلما فعل مبارك بالضبط، الاحتماء بالداخلية والأموال والأنصار للحفاظ على الاستبداد، لم يتعظ من ثورة 25 يناير.
بعد انهيار وزارة الداخلية فى 28 يناير وبعد الفزع الأمنى المتعمد، بدأت المناشدات لعودة الداخلية لعملها لحفظ الأمن خصوصا مع الإفراط فى المحاكمات العسكرية للمدنيين وحالات القبض العشوائى للشرطة العسكرية فى الشهور القليلة بعد إسقاط مبارك، وقدم شباب الثورة والعديد من المراكز الحقوقية للمجلس العسكرى أفكارا ومشاريع لكيفية إعادة هيكلة الداخلية لتعمل بشكل صحيح لحماية المواطن المصرى مع احترام الكرامة وحقوق الإنسان.
وتحجج المجلس العسكرى بحجج كثيرة، بأن الإصلاح من وجهة نظرهم لابد أن يكون تدريجيا، وأنه لا يجب إقالة شبكات الفساد داخل وزارة الداخلية لأنهم إن غضبوا يمكنهم أن يتسببوا فى فوضى متعمدة فى مصر، وقد قيل هذا صراحة من لواءات المجلس العسكرى فى إحدى المرات أمام وفد من شباب الثورة ومنظمات المجتمع المدنى فى مارس 2011.
وظللنا فى إبريل ومايو 2011 نتساءل عن مصير جهاز أمن الدولة الذى كان يحكم مصر فى عهد مبارك وكان يراقب كل دبة نملة فى مصر، أتذكر دعوتى ضمن مجموعة كبيرة من الصحفيين والإعلاميين وممثلى منظمات المجتمع المدنى والمراكز الحقوقية والأحزاب السياسية والحركات الثورية لمؤتمر إعادة افتتاح مبنى أمن الدولة بمدينة نصر الذى أطلقوا عليه الأمن الوطنى، وبدأ المؤتمر باستعراض المنظومة الجديدة التى ستحكم جهاز الأمن الوطنى وتحدث الوزير منصور العيسوى فى ذلك الوقت عن أنه لا عودة للممارسات القديمة، وأن جهاز الأمن الوطنى سيعمل فقط لجمع المعلومات بعد استئذان النيابة، وأنه لا تعذيب أو حبس أو تنكيل بالمعارضين مرة أخرى، وأن كل منظمات المجتمع المدنى تستطيع المراقبة والمتابعة لأعمال وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطنى، وبعد ذلك.. بخ.
وتشكك الجميع بالطبع فى خطاب الداخلية الودود فى ذلك الوقت، فلم توجد بوادر حقيقية على أرض الواقع تشير إلى بدء إعادة هيكلة الداخلية أو تغير الفكر القديم الذى كان يحكمها، وخصوصا مع استمرار قتلة الثوار فى مناصبهم وترقية بعضهم من قبل المجلس العسكرى، واستمرار شبكات الفساد والمصالح فى قيادات الوزارة، وكأن ثورة لم تكن.
لو كان ضابط واحد ممن قتلوا الثوار قد عوقب ما كان الحال كذلك كما هو الآن.
لك أن تتخيل أنه بعد ثورة عظيمة أذهلت العالم كله، وخرج الشعب ليطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ويجد أن التعذيب قد عاد فى أقسام الشرطة مرة أخرى وتعود الرقابة والتسجيلات للمعارضين، ويعود اعتقال النشطاء السياسيين المعارضين أثناء أو بعد التظاهرات السلمية، وعاد تعذيب النشطاء المعارضين كما يحدث الآن مع شباب 6 إبريل فى سجن العقرب، بل إن هناك من وجدوه مقتولا بعد تعذيبه كما حدث منذ أسابيع مع أحد أعضاء التيار الشعبى، بخلاف إطلاق الخرطوش والرصاص الحى على الشباب فى المظاهرات.
ألم يتعظوا؟
للأسف لم يتعظوا ولن يتعظوا، فقد اعتبروا أن الثورة نكسة ولن تتكرر، وكثيرا ما سمعنا لواءات الداخلية الحاليين وهم يتفوهون بأقذع الألفاظ ضد الثورة، وكثيرا ما سمعنا ضباط الشرطة وهم يصيحون بشكل هستيرى أوعوا تفتكروا إنكم عملتم ثورة، واللى حصل قبل كده عمره ما هايتكرر.
كانت ممارسات الداخلية مع المواطنين أحد الأسباب الرئيسية لإشعال فتيل الثورة، ولكن لماذا لم تتغير الداخلية ولماذا ظلت بعقيدتها الفاسدة ونظامها الفاسد وشبكات الفساد المنتشرة فى كل إداراتها؟
رفض المجلس العسكرى ومن بعده مرسى إجراء أى إصلاحات فى منظومة الشرطة، رغم أن هناك من قدم لهم مشروعات وخططا متكاملة وتجارب دول كثيرة بعد الثورات.
ولكن فى مصر تمت عسكرة وزارة الداخلية منذ 1968 لمواجهة تظاهرات الطلبة، وتم استحداث قطاع الأمن المركزى القائم على التجنيد الإجبارى، ويتصرف ضباط الداخلية كهيئة عسكرية، رغم أن الدستور السابق والحالى ينصان على أن الشرطة هيئة مدنية مهمتها هى حماية أمن المواطنين والحفاظ على الممتلكات.
وللأسف تقوم وزارة الداخلية بمهام كثيرة يستطيع المدنيين القيام بها بكفاءة أكثر، مما يعيق أداء مهمتهم الرئيسية وهى حفظ الأمن.
وبسبب تقاعس المجلس العسكرى ثم الرئيس مرسى عن اتخاذ أى إجراءات جادة فى إعادة هيكلة الداخلية، وهذا ما نعانيه الآن، انفلات أمنى، فساد فى الداخلية، عودة الرشاوى والوسائط، وكارت الظابط اللى ينهى المشكلة، وعودة الرقابة والتنصت والاعتقال والتعذيب، وعودة التعامل غير الآدمى مع المواطنين فى أقسام الشرطة وخارجها.
فهل تعجل الداخلية بممارساتها من القيام بثورة جديدة؟
أحمد ماهر يكتب.. الداخلية شريك أساسى فى الثورة 1
الإثنين، 15 أبريل 2013 09:37 ص