تعلق الحكومات على جانبى الأطلسى آمالا كبرى على مستقبل علوم المخ والأعصاب فى حين ينسحب عدد كبير من شركات الأدوية من هذا المجال.
وحول العالم ارتفعت كثيرا التكلفة الاجتماعية والاقتصادية للاضطرابات التى تصيب المخ من الاكتئاب إلى الزهايمر وفى حين تمول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى جهودا طموحة فى مجال علوم المخ وغالبا ما يشكك القطاع الخاص فى احتمالات التوصل لعلاج ناجع سريع.
وتراود شكوك هائلة العديد من شركات الأدوية إزاء جدوى الاستثمار فى علوم المخ مع انحسار الطفرة التى شهدتها عقاقير لعلاج الأمراض النفسية والتى كانت تجنى أرباحا مرتفعة فى فترة ما فضلا عن صعوبة ابتكار أدوية جديدة.
وفى الأسبوع الماضى كشف الرئيس الأمريكى باراك أوباما النقاب عن مبادرة كبرى لرسم خريطة لخلايا المخ لكل فرد على حدة والتفاصيل الدقيقة للمخ البشرى. وجاء الإعلان بعد قرار الاتحاد الأوروبى فى يناير كانون الثانى منح 1.3 مليار دولار لمشروع ينفذ فى سويسرا بهدف تكوين مخ صناعى يتلقى أوامره من جهاز كمبيوتر.
وتعقد مقارنة بين البرنامجين - أبحاث المخ من خلال تطوير تكنولوجيا المخ والأعصاب المبتكرة ومشروع المخ البشرى- ومشروع رسم خريطة جينية للإنسان الذى استكمل فى 2003 وفى الواقع أن المشروعين أكثر طموحا نظرا لطبيعتهما اللانهائية.
إلا إن الإمر يحتاج إلى سنوات وربما عقود قبل أن يحدث البرنامجان اختلافا كبيرا للملايين حول العالم يعانون من اضطرابات فى المخ وهو تحد لعلماء متخصصين فى المخ والصناعة فى آن واحد.
وربما تكون قد بدأت انطلاقة علم المخ نحو عصر جديد ولكن على المدى القصير يبدو من الصعب لدرجة مخيبة للآمال تحسين الفعالية المتفاوتة للأدوية الحالية مثل عقار بورزاك لعلاج الاكتئاب المتداول منذ 25 عاما أو إيجاد علاجات جديدة للالزهايمر.
وفى مهرجان لعلوم المخ على ضفاف نهر التيمس الأسبوع الماضى حاول نحو ألفى عالم فى هذا المجال تعريف الجمهور بطبيعة عملهم على أرض الواقع.
ودعا نشطاء من جامعات ومنظمات خيرية ومجموعات لدعم المرضى وضعوا شارات زرقاء كتب عليها "اسألنى عن المخ" زائرين للمشاركة فى أنشطة لتنشيط الذاكرة أو تكوين تجمعات تشبه الشبكة العصبية للمخ.
وفى غرف مغلقة بعيدا عن الأنشطة المرحة يعرف علماء المخ بالبيانات الموجودة على قشرة المخ الجبهية وعملية صنع القرار كما ألقوا محاضرات بشأن العلوم العصبية النفسية فى القرن الحادى والعشرين.
وأسعد البعض أنباء اهتمام قادة العالم بهذا المجال أخيرا وتخصيص مبالغ ضخمة ولكن ثمة مخاوف من أن المشروعات الضخمة ربما تتمخض عن حملة دعائية أكثر من مساهمتها فى العلاج.
وقال ستيفن روز أستاذ الأحياء وعلم المخ فى الجامعة المفتوحة وجامعة لندن "ستكون ثمة دعاية كبيرة فى هذا الصدد مثلما حدث مع مشروع الجينوم البشرى".
وتابع "لا شك أنها (خطة أوباما) ستعطى دفعة لعلوم المخ ولكن أحراز تقدم على مستوى علاج المرضى محل شك" مقرا بوجود "شكوك كبيرة" بشأن المشروع الأوروبى ورجح أن تعود الفائدة الأكبر على قطاع الحاسب الآلى لا على علوم المخ.
ويدرك منصف السلاوى مدير الأبحاث فى جلاكسو سميث كلاين النجاحات والعثرات فى مجال علوم المخ إذ أن شركته التى خفضت الإنفاق على الأبحاث وأعمال التطوير فى هذا القطاع ويشمل الألم والاكتئاب غير أنها لا تزال تستثمر فى أمراض مثل تصلب الأعصاب المتعدد والزهايمر وباركنسون.
كما أن أكبر شركة دواء فى بريطانيا لديها رؤية جديدة بشأن علاج أمراض بتطوير "الكترونيات حيوية" تستهدف الإشارات الكهربائية التى تصدر عن الجهاز العصبى.
وقال السلاوى لرويترز "فى ظل الاستثمارات الضخمة التى تضخ حاليا لرسم خريطة للمخ، أثق تماما بإحراز تقدم هائل ولكن لا أدرى متى".
ومع مواصلة العالم الغربى إنتاج كميات كبيرة من العقاقير لعلاج الأمراض العقلية فإن فترات براءات الاختراع لبعضها تنتهى وتنخفض الأسعار وإنتاج أدوية رخيصة وهو ما يعنى تراجع أرباح الصناعة سريعا.
وبلغت مبيعات عقاقير علاج الاكتئاب ذروتها فى عام 2003 وسجلت 15 مليار دولار لكنها تتجه للانخفاض إلى 5.4 مليار فى 2018 ويتوقع أن تنزل مبيعات أدوية علاج الأمراض النفسية من مستوى قياسى عند 21 مليار دولار فى 2011 إلى 9.8 مليار حسب توقعات محللين فى استطلاع لوحدة تومسون رويترز فارما.
ولكن ثمة احتياجا كبيرا لم تتم تلبيته إذ يتوقع أن يكون الاكتئاب وحده المسبب الرئيسى لحالات الإعاقة حول العالم بحلول عام 2230 حسب منظمة الصحة العالمية.
والتبعات الاقتصادية هائلة فقد قدر المنتدى الاقتصادى العالمى فى عام 2011 أن التكلفة العالمية الإجمالية للاضطرابات العقلية من حيث الفاقد فى الناتج الاقتصادى ستصل إلى 16 تريليون دولار بحلول عام 2030.
ومن الشركات التى قلصت الإنفاق على أبحاث علوم المخ فى السنوات الأخيرة جلاسكوسميث كلاين وميرك ونوفارتيس واسترازينيكا واتخذت الأخيرة خطوة إضافية فى هذا الاتجاه الشهر الماضى.
ولم تنسحب جميع الشركات بل لا تزال لشركتى ايلى ليبى وجونسون اند جونسون استثمارات ضخمة فى علوم المخ فى حين رفعت روش -التى اشتهرت بعلاجاتها لمرض السرطان - الاستثمار فى علاجات اضطرابات المخ.
وقال سيفرين شوان الرئيس التنفيذى لروش "لا تزال فى البداية ولكن نعتقد أن ثمة إمكانات هائلة لعلوم المخ."
وادى الاتجاه العام لسحب الاستثمارات من هذ المجال إلى تقليص عدد الشركات المتنافسة وربما يكون هذا أمرا طيبا للشركات المستمرة فى أبحاث المخ ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلا.
وقال اندرس جيرسل بيدرسن مدير الأبحاث فى مؤسسة لوندبك الدنمركية المتخصصة فى علوم المخ والأعصاب "المبادرتان الكبيرتان فى الولايات المتحدة أوروبا مشروعان طويلا المدى. لن يدهشنى أن يتوصلا لتطورات إيجابية ضخمة فى نهاية المطاف تدفع شركات الأدوية الكبرى لدخول المجال من جديد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة