تناقش كبيرة المحاضرين فى الدراسات السياسية بجامعة أوكلاند فى نيوزيلندا دور النظرية السياسية فى المساعدة على فهم أسس المقولات السياسية وكيف تتسع المسافة أحيانا بين هذه الأسس أو الرؤى النظرية وتطبيقاتها العملية.
وتختبر كاثرين سميتس مقولات مثل الحريات الشخصية والمساواة بين الجنسين وانتهاك سيادة الدولة فى ضوء التجربة التاريخية والسياسية فتسجل مثلا أن مبدأ الدولة ذات السيادة "مقدس فى ميثاق الأمم المتحدة" الذى يسمح للدولة باستخدام العنف فى حالة الدفاع عن النفس.
فماذا لو اعتدت الحكومات على مواطنيها أو قصرت فى حمايتهم.. هل تتمتع الدولة فى هذه الحالة بحماية السيادة.. وهل يمكن تبرير التدخل العسكرى بحجج إنسانية منها منع الطغاة عن الإساءة إلى المواطنين؟
وتجيب فى كتابها (تطبيق النظرية السياسية.. قضايا ونقاشات) قائلة إن القانون الدولى يعترف بمثل هذا التدخل "باعتباره استثناء محدودا جدا... لكن البعدين السياسى والأخلاقى للتدخل أكثر تعقيدا" إذ تم تبرير التدخل الاستعمارى الغربى فى آسيا وإفريقيا فى القرن التاسع عشر بادعاء حاجة السكان للحماية من الطغاة المحليين.
وتضيف أن الزعيم النازى أدولف هتلر برر غزو تشيكوسلوفاكيا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية بحجة حماية الأقلية الألمانية فى زوديتنلاند من انتهاك حقوقها الإنسانية كما تم تبرير "غزو العراق بواسطة الولايات المتحدة وحلفائها" عام 2003 بتحرير الشعب العراقى من طغيان الرئيس السابق صدام حسين.
إلا أنها تضرب مثالا بما يمكن اعتباره ازدواجية أو نفاقا سياسيا منذ نحو مئة عام إذ "دفعت المذابح التركية ضد الأرمن إلى توجيه النداءات الدولية من أجل التدخل الإنسانى وهى التى تجاهلها الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون (الذى حكم بين عامى 1913 و1921) حرصا منه على عدم الإضرار بالعلاقات الدبلوماسية مع تركيا."
والكتاب الذى يقع فى 507 صفحات كبيرة القطع ترجمه إلى العربية المترجم المصرى أحمد محمود وأصدره المركز القومى للترجمة فى القاهرة ويتناول قضايا منها (كيف ينبغى توزيع الموارد) و(هل ينبغى للدولة منع الإجهاض والقتل الرحيم) و(هل ينبغى تقييد الحريات المدنية استجابة لخطر الإرهاب) و(هل ينبغى للبلدان الغنية تقديم المزيد من المساعدات الخارجية).
وفى فصل عنوانه (هل من حق ثقافات الأقليات الحصول على الاعتراف والحقوق) ترجح سميتس أن تكون مطالب ثقافات الأقليات فى الديمقراطيات الغربية ملمحا متواصلا للمشهد السياسى فى ظل التعددية العرقية المتزايدة التى أثارت جدلا حول قضايا منها الحجاب فى فرنسا التى أصدرت عام 2004 قانون حظر "ارتداء كل الرموز الدينية الواضحة فى مدارس الدولة" ويشمل الحجاب الإسلامى والقلنسوة اليهودية والصلبان المسيحية والعمائم السيخية.
وتقول سميتس إن الحرية الفردية من أبرز هموم الفلسفة السياسية منذ دافع مفكرو القرنين السابع عشر والثامن عشر "لأول مرة صراحة عن الحريات الفردية فى مواجهة الدولة والكنيسة" وأن هناك شكلين من الحرية أولهما الحرية السلبية وتعنى تحرير الفرد من القيود ثانيهما الحرية الموجبة وتعنى تحرر الفرد لتطوير قدراته ليصبح مؤهلا لوضع القوانين.
وترى أن المساواة من الأفكار الأساسية للنظرية السياسية الحديثة وتسجل قول بعض الليبراليين أن دور الدولة هو "تقديس الحريات المتساوية والحقوق المتكافئة فى القانون" أما التفاوت بين المواطنين فيرجع إلى التفاوت الطبيعى فى المواهب والقدرات الفردية.
كما تسجل مقولة أطلقها عام 1910 الكاتب الفرنسى أناتول فرانس (1844-1924) الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب عام 1921 نصها "يمنع القانون بمساواته المهيبة الأغنياء والفقراء على السواء من النوم تحت الكبارى (الجسور) والتسول فى الشوارع وسرقة الخبز."
وتقول أن القوانين لا تكون دائما العائق فى طريق المساواة إذ يمثل السياق الاجتماعى والثقافى أحيانا نوعا من الانحراف عن المساواة.. فالنظام الأبوى "وهو الشكل الأولى للاستغلال البشري" يمنع مساواة النساء بالرجال رغم المساواة فى نص القانون.
وتستشهد بالدستور الأمريكى الذى "كان يضمن للأمريكيين الأفارقة المساواة فى ظل الفصل العنصري" إلا أن ذلك لم يمنحهم المساواة مع السكان البيض.