اهتمت مؤسسة "كارنيجى" الأمريكية للسلام الدولى بموقف مصر مع صندوق النقد الدولى، حيث تسعى للحصول على قرض تحتاجه بشدة، بقيمة 4.8 مليار دولار، وقالت فى تقرير كتبه محمد السمهورى، ونشرته دورية "صدى" التى تصدرها المؤسسة، إن المشكلات الاقتصادية التى تعانى منها البلاد لن تجد لها حلا إذا واصل صندوق النقد الدولى التركيز على سياسة التقشف وحدها.
ويضيف "السمهورى"، وهو خبير اقتصادى مقيم فى القاهرة وباحث أول ومحاضر سابق فى مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة برانديس فى بوسطن، إن المباحثات الحالية بين مصر والصندوق ستتمحور غالبا على موضوعين أساسيين، تقييم الصندوق للبرنامج الاقتصادى الجديد الذى أعدته مصر، وكذلك عرض الصندوق بأن يمنح مصر خطا ائتمانيا طارئا وقصير الأجل بقيمة 750 مليون دولار.
وبغض النظر عن مسار المباحثات، فإن السؤال الأهم يتعلق بما إذا كان بإمكان برنامج التقشف المدعوم من صندوق النقد الدولى، سواء تم تعديله أم لا سيحقق هدفه المعلن، وهو إرساء الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلى، أم أنه سيدفع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية بالأساس نحو مزيد من الفوضى.
وبشكل عام، يتابع الكاتب، كان السؤال المتعلق بما إذا كان من الأفضل التوصل إلى تحقيق التوازن المالى بالاعتماد على إجراءات تقشفية أو بتحقيق مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادى موضع نقاش واسع فى الفترة الأخيرة، ولاسيما فى ظل الاضطرابات التى تشهدها الدول الواقعة عند أطراف منطقة اليورو. وليس سرا بأن صندوق النقد الدولى يفضل سياسة التقشف عن غيرها، إلا أن الحالة المصرية مختلفة تماما.
ويمضى التقرير قائلا إن "الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر منذ عامين هى فى جوهرها أزمة سياسية، والدليل أنه فى الأعوام الستة الأخيرة من حكم مبارك، شهدت مصر مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادى، وكانت مصدر استقطاب شديد للاستثمار الأجنبى، وكانت تصنف فى خانة الاقتصادات الناشئة، وذلك برغم المشكلات التى تعانى منها البلاد فى العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل، لكن منذ اندلاع الثورة، أدت العملية الانتقالية السياسية الحافلة بالاضطرابات إلى تراجع اقتصادى حاد، وتململ اجتماعى واسع النطاق، وتسببت فى تردى الأوضاع الداخلية على مستوى الأمن، إلى درجة أن مصر صُنفت مؤخراً بعد باكستان وتشاد واليمن على هذا الصعيد، بحسب تقرير صادر عن "المنتدى الاقتصادى العالمى".
وأوضح "السمهورى" أنه فى ظل التركيز بشكل رئيسى على الجوانب الاقتصادية للأزمة الراهنة، وعدم التطرق بشكل كافٍ لجذورها السياسية، فإن من شأن أى اتفاق مع صندوق النقد الدولى أن يُعرض الاستقرار الاقتصادى والسياسى معاً إلى مزيد من الخطر؛ ويدفع بالبلاد أكثر فأكثر نحو الهاوية. فمعدلات التضخم والفقر والبطالة تواصل ارتفاعها بصورة خطيرة بعد الثورة، نتيجة استمرار الأزمة السياسية الداخلية التى أرهقت كاهل الاقتصاد. فما النفع من إضافة مزيد من الضغوط إلى وضع شديد التأزّم فى الأصل؟
ويؤكد الكاتب أنه لا يقصد بهذا نفى الحاجة إلى إصلاح السياسة الاقتصادية فى مصر، ويوضح أن وجه الاعتراض هنا هو على توقيت تطبيق هذه الإصلاحات وعلى السياق الذى تتم فيه، ويقول إنه فى ظل هذه الظروف المأزومة، يشكل قرض صندوق النقد الدولى، فضلاً عن الدعم المالى الدولى الذى يمكن أن يتبعه، حاجة ماسة بالنسبة إلى مصر التى تتخبط فى ضائقة مالية شديدة، وذلك من أجل معالجة العجز الكبير فى الموازنة العامة للدولة، وفى ميزان المدفوعات. ولكن يجب أن يكون هذا القرض بشروط تختلف تماماً عن تلك التى اقترحها صندوق النقد الدولى فى برنامج الإصلاح. وعلى وجه التحديد، وبدلاً من الدفع باتجاه اعتماد برنامج تقشفى ليس أمامه فرص نجاح كبيرة، وربما لا يملك أى حظوظ على الإطلاق، فى ظل الاضطرابات السياسية وشبه الانهيار الأمنى، يتعين على صندوق النقد الدولى والمجتمع الدولى أن يسعيا إلى الحث على تشكيل حكومة مصرية تضم كل ألوان الطيف السياسى فى مصر، وتقوم على أساس المشاركة فى سلطة الحكم، وإلى العمل من أجل إطلاق عملية انتقالية سياسية قائمة على المصالحة، وتقود فى نهاية المطاف إلى إرساء الاستقرار، وتعزيز الثقة بالبلاد، وإحياء الأمل بالمستقبل.
وأخيرا، فإنه يجب وضع استراتيجية قومية أكثر شمولاً لتحقيق النمو الاقتصادى، بما يؤدى إلى تصحيح الأخطاء التى ارتُكِبت فى الفترة الأخيرة من عهد مبارك، وتحديد الأولويات والأهداف الوطنية، وتطبيقها فى مناخ سياسى أكثر ملاءمة.
"كارنيجى": أزمة مصر الاقتصادية منذ عامين سببها سياسى ناتج عن العملية الانتقالية الحافلة بالاضطرابات.. يجب الاهتمام بتشكيل حكومة تضم كافة ألوان الطيف السياسى.. ووضع استراتيجية لتحقيق النمو الاقتصادى
الجمعة، 12 أبريل 2013 10:20 ص