"الكتاب خير صديق" مقولة من ذهب لأن الكتاب سوف يبقى هو المصدر الحقيقى للثقافة والتثرية عن النفس، رغم ما نرى اليوم من جفاء له وإعراض عنه.
وللأسف أن الثورة المعلوماتية بدلا أن تكون عاملا مساعدا فى نشر وتعميق الثقافة فإنها كانت سببا غير مباشر لازدياد سطحية التثقيف وضحالة المعرفة.
وأصبح معظم الناس يتثقفون بطريقة الوجبات السريعة، فتراهم لا يقرأون إلا العناوين، ولا يمحصون المحتوى، ولا يطالعون إلا الأخبار السريعة والمقاطع القصيرة، وقلما تجد شخصا يحاول الاطلاع على كتاب بالكامل، أو يتبحر فى موضوع بالتفصيل.
وإذا ادعى أحد أن ذلك يرجع لطبيعة العصر التى تتسم بالسرعة وتوفر حجم ضخم من المعلومات بشكل متجدد فى وقت قصير، أتعجب لتلك الحجة عندما ألاحظ الأوقات الطويلة المهدرة فى مشاهدة برامج لا تحتوى على أى ثقافة أو تضيف أى معرفة.
ويزداد تعجبى عندما أجد كثيرا من الشباب فى أذكى عمر للاطلاع وتحصيل الثقافة وتكوين الفكر من الكتب، أجدهم يضيعون الساعات الطوال على الألعاب بمختلف الوسائل المعلوماتية الحديثة، أو التواصل فيما بينهم بالحديث فى توافه الأمور.
إن القراءة من الكتب هى التى تثقل الفكر وتكون الشخصية وخصوصا إذا بدأها الإنسان فى الفترة الذهبية لتكوين الشخصية الفكرية له وهى مع بداية المرحلة الإعدادية. كما أن كل الأبحاث العلمية أكدت فائدة القراءة فى تذكية الوعى ومحاربة الإصابة بتدهور القوى العقلية فى الكبر، كما أن المعرفة بمختلف وسائلها هى من أهم أسلحة الأمم ليس فقط للمحافظة على هويتها، بل ونشرها والتأثير فى الأمم الأخرى بتلك الهوية.
كما أنه من المسلمات أن الأمم التى تترك شبابها فريسة لأوقات الفراغ، فإن أقل الشرور هو نشأة جيل هش الشخصية منعدم الهوية سهل الانقياد لأى فكر أو هوية أخرى، هذا إذا نجا من شرور الانحراف الخلقى أو الوقوع فى براثن التطرف أيا كان توجهه.
ولذلك فإن الأمم الواعية تحرص على تعميق الثقافة بهويتها فى نفوس مواطنيها، وخاصة شبابها وشبيبتها، وذلك بتحفيز وتيسير وتوفير وسائل الثقافة المختلفة لمواطنيها وعلى رأس هذه الوسائل الكتاب، أصل الثقافة ومنبع المعرفة الأصيل.
إن من حسنات النظام السابق القليلة هى إطلاق مبادرة مهرجان القراءة للجميع مع بداية العطلة الصيفية للمدارس، وإن كانت لم تؤتى ثمارها أو يكن لها صدى واسع فى المجتمع لعدم إخلاص القائمين عليها واهتمامهم بالظهور الإعلامى دون الاجتهاد بجوهر المشروع، وإننى اعتبر هذا المشروع من المشاريع الرائعة التى يجب المحافظة عليها بل والحرص على تعميقها والإخلاص فيها لتؤتى ثمارها المبتغاة.
إن من الحكمة هى الاستفادة وتفعيل كل المشاريع والمبادرات التى تعود بالفائدة على الأمة أيا كان مصدرها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، ولذلك فإننى أتمنى أن تتضافر كل الجهود للوزارات والهيئات المعنية لتبنى ذلك المشروع والبعد عن الظهور الإعلامى، وإنما تحقيق جوهر المشروع على أرض الواقع.
فهل يعود إلى العين مشهد المواطنين فى المواصلات، يستفيدون بالوقت الطويل الذى نقضيه بداخلها، كل يقرأ فى كتاب، وهل يزدهر من جديد أجواء المكتبات وسوق الكتب، وهل يتنافس الشباب على وسائل التواصل الاجتماعى فى مناقشة الكتب التى يقرأونها وتحميل الكتب بدلا من تحميل الأفلام والأغانى، وهل تعود الحياة والحيوية إلى الأندية الصيفية بالمدارس، وتعود المسابقات الأدبية على كافة المستويات لتشغل الحيز المناسب لها من الفراغ الكبير الذى يعيشه الطلاب والشباب، وهل تعود تجربة الكتاب المقروء ليسمعه أصحاب السيارات الخاصة أثناء فترة القيادة.
وأخيرا وليس آخرا هل تزدهر ترجمة الكتب فى مختلف المعارف من مختلف الثقافات لإثراء ثقافاتنا، وهل نستطيع أن نحصل على جيل مثقف ثقافة حقيقية ركيزتها هويتنا الأصيلة وروافدها كل مفيد فى مختلف الثقافات لمختلف الأمم والحضارات.
د. عاطف الجمل يكتب: ثورة المعلومات وأزمة الكتاب
الإثنين، 01 أبريل 2013 05:49 م