بدأب وإصرار على نجاح واستمرار التجربة، استأنفت لجنة الندوات بالمهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته السادسة، نشاطها العلمى عقب العرض الأول "ثلاثة عروض وفرقة واحدة"، تأليف حسن محمد، تدريب حركى وإخراج مصطفى حزين، وذلك فى الثامنة مساء يوم الخميس الماضى على خشبة مسرح متروبول، أدارها الناقد أحمد خميس، وشارك فيها الكاتب والناقد المسرحى إبراهيم الحسينى.
قدم النقاد قراءات متنوعة للعرض الذى طرح من خلال فن البانتومايم عرضًا فنيًا ممتعاً منتقداً فى الوقت ذاته نوبات الإحباط والانعزال التى تصيب بعض المبدعين، داعيا للاستمرار فى الإبداع الفنى كمعادل للروح والحياة.
وراهن الحسينى على هذه النوعية من العروض البانتومايمية وعلى أهميتها فى المستقبل المسرحى المصرى، خصوصا عند إنتاجها من قبل الفرق الحرة التى تتمتع بمساحة رحبة من الحرية وتعانى من نقص الموارد المادية، سانده الرأى المخرج باسم قناوى مطالبا مصطفى حزين بالاستمرار بكل قوة لترسيخ ونشر هذه النوعية من العروض بشكل شخصى، حيث يرى القناوى أن الاعتماد على الدولة فى مثل هذه الأمور لا يثمن أو يغنى من جوع. وهذا ما أكد عليه ياسر علام، حيث يرى من خلال متابعته لتاريخ وتطور المسرح المستقل أن الرهان القادم يقع على مستقبل الفرق الحرة.
وتحدث خميس عن خفة الحركة وجودة الإيقاع وعن الحكايات الأربع التى يحتويها العرض، وهذا ما دفع محمد رفعت إلى الحديث عن الحكاية الإطار التى انضوت بدورها على الحكايات الثلاث "الفلاحان والحرامية والملتصقان" وكيف أنه لتجلى فكرة الحكاية الإطار فيما تحتويه من حبكات داخلية أن يعمق المعنى ويزيده إمتاعا، فى حين طالبت ياسمين مصطفى حزين أن يكف عن تكرار أعماله وتوالدها من بعضها البعض داعية إياه أن يسعى إلى الابتكار المتجدد.
وانعقدت الندوة الثانية فى ذات اليوم بمسرح الهناجر فى تمام الحادية عشرة والنصف مساءً، بمشاركة النقاد عادل حسان وسمير حنفى، طارحين رؤاهم النقدية عن عرض "هاملت" لجامعة المنصورة، والذى مزج فيه السعيد منسى (معدا ومخرجا) بين النصين الشكسبيرين هاملت وماكبث ,مؤكدا على أن الطريق إلى العروش معبدا بالدماء. رأى حنفى أن سيادة اللون الأحمر على بانوراما وبراقع الخشبة ليس له مبرر درامى وأن سياق المجتمع المصرى الآن لا يحتمل رؤية العرض لمسرحية هاملت. واختلف معه محمد رفعت، حيث رأى أن تأكيد السعيد منسى على الصراع الدامى حول العرش هو استشراف لثمة صراع دامى مرتقب فى مصر الثورة. طالب د محمد سمير الخطيب المخرج المعد بأن هذا المزج كان يتطلب منطقا مغايرا فى الكتابة المسرحية يختلف عن مجرد القص واللصق، فلماذا لم يقم المعد كتابة تستوعب المزج على نحو أكثر تجانسا وعمقا ودلالة.
أما عادل حسان فقد كان له رأى فى تنظيم جدول العروض، حيث اعترض على موعد بدء الندوة متأخرا، مقترحا أن اليوم الثانى للعرض غير المرتبط بميعاد اللجنة يجب أن يخصص للندوة على أن يكون مبكرا حتى يتسنى لأكبر عدد ممكن من الجمهور حضور الندوة.
ولليوم الثانى على التوالى واصلت اللجنة نشاطها بعقد ثالث ندواتها عقب عرض "عشى ليلي" فى التاسعة والنصف مساءا على مسرح العرائس، للمخرج محمد مبروك. أدار الندوة محمد رفعت مقدما تحليلا نقديا موازيا لما طرحه مجدى الحمزاوى من تحليل نقدى وقراءة مغايرة للعرض المسرحى الذى ناهض قهر المرأة فى علاقتها بذاتها وبالحبيب والأسرة وذلك من خلال رؤية سينوغرافية تحتفى بالبقع الضوئية المنعزلة كمعادل لانعزال الشخصيات وعدم قدرتهم على التواصل. وقد تحدث مجدى عن المعالجة التعبيرية للعرض ومنطق استجلاب الشخصيات فى الحلم وحدود تصرفاتها وفقا لمنطق الحلم وكذلك منطق التذكر. وعارض خلط المدارس الفنية فى عرض واحد. فى حين طرح رفعت مفهوما يفرق بين وجود عناصر رومانسية –على سبيل المثال- فى عرض ما وبين أن ينتمى العرض للمدرسة الرومانسية، وأن المسرح المعاصر يحتمل مزج عناصر متنافرة ومتنوعة طالما تحقق الهدف الفنى المرجو منها.
لتختتم اللجنة نشاط اليومين الأولين من المهرجان بندوة عقب عرض "البيت" فى الحادية عشر والنصف مساء ذات اليوم بمسرح الغد، من إعداد وإخراج سعيد سليمان عن نص بيت برنارد ألبا للمسرحى الأسبانى لوركا، وقد أدارت الندوة الناقدة ناهد عز العرب مع الأستاذ أحمد خميس متخذين من الموسيقى والديكور عناصر ارتكاز فى قراءتيهما النقدية. فتحدث خميس عن دور عازفة الفيولا فى ترجمة اللحظات الدرامية المتنوعة والحالات الداخلية للشخصيات وضبط إيقاع العرض المسرحى، وقد أبدت عز العرب متعتها بالديكور برغم استشعارها أن هناك ثمة شيء ما يفتقده. فى حين طالب الاثنان سعيد سليمان بالمحافظة على جدية إبداعاته الفنية التى تميز بها منذ أول عروضه لما تنتجه هذه الجدية من علاقة احترام متبادل بين المبدع والمتلقى. وعلق الفنان عبد الرحيم حسن – مدير مسرح الغد – عنصر الديكور أيضا، حيث يلتقى توظيفه مع قناعاته الفنية فى أن يكون الديكور والممثل كيانين ملتحمين متفاعلين على مستوى المساحة والحركة.
جدير بالذكر بأن لجنة الندوات تتكون م د.حسام عطا رئيسا وعضوية كل من: سمير حنفى، أحمد خميس، محمد رفعت، صلاح الحلبى، ياسمين إمام، وقد أشركت اللجنة تسع وثلاثين ناقد مسرحى فى جدول ندوات المهرجان، وذلك لإنتاج أكبر قدر ممكن من تنوعات الرؤى النقدية تتمنى أن تثرى التفاعل المسرحى.